عقد رئيس الحكومة الإسرائيلية ليفى اشكول اجتماعا يوم 15 إبريل من عام 1965، حضره وزيرة الخارجية جولدا مائير، ورئيس الأركان إسحق رابين، ورئيس الموساد مائير عاميت، وطرح الأخير قضية الأكراد فى العراق، وخلص الاجتماع إلى «ضرورة منح الأولوية للقضية الكردية»، حسبما يؤكد «شلومو نكديمون» فى كتابه «الموساد فى العراق ودول الجوار».
يؤكد «نكديمون»، أنه فى غضون أيام قليلة من هذا الاجتماع توجهت طائرة إسرائيلية من طراز «ستارتوكروز» حاملة إرسالية سلاح للأكراد مكونة من بنادق وبازوكا وألغام ومتفجرات زنتها تسعة أطنان، وهبطت فى «طهران»، ونقلت من هناك بواسطة «السافاك» إلى هدفها، ورد مصطفى البرزانى برسالة مؤثرة لإسرائيل جاء فيها: «لقد وعدت العديد من الجهات بتزويدنا بالأسلحة ولم تفعل، إسرائيل وعدت ووفت»، وفى العشرين من إبريل تلقى ممثل الموساد فى طهران رسالة جاء فيها: «أن البرزانى معنى بالاجتماع مع مبعوث إسرائيلى رفيع فى كردستان، وأيضا على استعداد لإرسال مبعوث رفيع من قبله للاجتماع بممثل إسرائيلى خارج كردستان».
أسفرت هذه الرسالة عن اختيار رئيس الموساد «عاميت» لأحد رجاله وهو «ديفيد قمحى» للاجتماع بالبرزانى والتعرف عليه عن قرب، وفى الخامس من مايو من عام 1965 اجتازت سيارة جيب حدود إيران مع العراق، وكان هو فيها بالإضافة إلى مستشار فنيا له وعمل أيضا كمترجم، وممثل الأكراد فى إيران شمس الدين المفتى، وهو خريج كلية الحقوق جامعة بغداد، وحسب «نكديمون»: «كان المفتى أحد أفضل أصدقاء إسرائيل وأكثرهم حماسا لها، وكانت العلاقات الإسرائيلية تتسم بانفتاح شديد جديدا بالنسبة له، وحظر عليه «فقرفان» رئيس السافاك مصاحبة «قمحى» إلى البرزانى، لكن إصرار قمحى أدى إلى إلغاء هذا الحظر.
دخل «قمحى» إلى قرية «الحاج عمران» وفى كشك على إحدى الصخور الجبلية، حيث الثلوج تم اللقاء مع البرزانى، وينقل نكديمون عن قمحى انطباعه حول صورة ومنظر الزعيم الكردى: «ذكرنى بالشخصيات التى بلورت التاريخ، التى ظهر منها الكثير فى التوراة، وجلس إلى جانبه ابنه إدريس مدير هيئة التخطيط العسكرى والدكتور محمود»، ويضيف: «اتضح أن مضيفنا ضليع جدا فى كل ما يتعلق بإسرائيل، وأنه يقدر إنجازاتها، ومن ضمنها أنه كان يدرك أن إسرائيل ستحتفل مساء السادس من مايو بالمناسبة السابعة عشرة لاستقلالها، وقال إنه يصغى بصورة دائمة لصوت إسرائيل بالعربية والفارسية»، ويؤكد «نكديمون»: «دار معظم الحوار بين الجانبين حول إمكانية التعاون بين إسرائيل والأكراد، وقال له قمحى، إن إسرائيل شديدة التعاطف مع القضية الكردية، والأكراد كشعب يناضل من أجل نيل حريته، ونعتقد أن النضال الكردى لا رجعة عنه، وأن الأكراد سيحققون فى نهاية المطاف تطلعاتهم».
قال «البرزانى» لـ«قمحى» إن كل ما يضايقه هو النقص الخطير فى السلاح والمال والطعام، وطلب مدافع يصل مداها إلى عشرة كيلو مترات من أجل إحداث تحول فى المعارك، وبنادق وراجمات 81 مليمترا، وألغام، وبازوكا، ومتفجرات وغيره، ورد «قمحى»، أن إسرائيل ليست دولة عظمى تستطيع عمل كل شىء، ولا تملك كل الأسلحة المطلوبة، لكن إسرائيل على استعداد لتدريب وتأهيل المقاتلين الأكراد فى حرب العصابات، وأعمال التخريب، وأن حفنة من الأكراد يمكنها أن تصبح قادرة على تنفيذ عمليات مؤثرة وفعالة جدا داخل العراق بصورة مؤثرة على المجتمع الدولى.
وعلى الصعيد السياسى قال البرزانى: «أنا معنى بالتحالف مع إسرائيل، لقد يئست من العرب، وسأرد الجميل لإسرائيل حال استقلالنا»، واقترح البرزانى على قمحى أن يبقى أسبوعين أو ثلاثة فى كردستان لمشاهدة ما يحدث، واستجاب قمحى وارتدى هو ومن معه ملابس كردية وتسلح ببندقية وامتطى بغلا وتجول بصحبة «الباش مارجا»، وبعد خمسة أيام عاد عبر الحدود العراقية الإيرانية».
ونتابع
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة