الخير اختيار والشر اختيار. والخير قد يقود فاعله إلى الشهرة والرضا عن النفس والى حب الآخرين وإلى الفوز باعجاب الأسرة وتقدير المجتمع وتبجيل العالم، وهو ما نراه كل يوم مع الشخصيات الهامة والمنتجة والخلاقة في كل مجال ومحل ، ودون أن ينفقوا عشرات الملايين ولا المليارات ، ودون أن يستعينوا بشىء سوى اجتهادهم ورغبتهم في خدمة أنفسهم وأهلهم ومجتمعهم والعالم .
والمحبة سلطة والاعجاب سلطة، وقد يدفعان الكثيرين الى اتباعك ورفع اسمك عاليا ومنحك سلطة عليهم لا تخفى . فهذه سلطة ممنوحة ومشرفة ، لا مغتصبة ولا منهوبة . والشر قد يقود فاعله إلى الشهرة وإلى السلطة المغتصبة والى كره الآخرين للفاعل، وخوفهم منه وبعدهم عنه ومطاردة المجتمع أو المجتمعات والاعلام والسلطات له ومطاردة العقوبات له في كل مكان ونفور الشرف منه وضيق حال أهله وهجر الدنيا لهم وتدني معيشتهم وسوء طالعهم حاضرا ومستقبلا، ليصير الفاعل الى مصير محتوم .
ذلك أن ألله قد قضى في خلقه بنصرة الحق ، ولو بعد حين . فلا يظل شر خبيا مدفونا حتى تنبعث رائحته النتنة وتدل على فاعله أو فاعليه ، ليدنسوا – أحياء أو أموتا – وينالوا عقابهم . ولا يظل حق مدفونا أبدا ، حتى تفوح رائحته الطيبة وتدل على فاعله أو فاعليه ليقدروا ويكرموا، فاذا كان الخير يؤدي الى الشهرة والى علو المكانة وسمو القدر وعظيم الرفعة ، فلماذا يختار الحاكم المؤتمن المرفه في النعم الكثيرة التي لا تحصى ولا تعد أن يخوض بحار الشر وأن يمتزج بالمجرمين والفارين من العدالة والقتلة والارهابيين والمغتصبين واللصوص والخائنين لأوطانهم ويزرعهم في وطنه وفي بيته ويلتحف بهم وينفق عليهم ويمول أحلامهم التخريبية الدموية ويتحول من حاكم أمين الى سفاح والى قرصان مغير على الشعوب والبلاد من أجل السلطة والشهرة ؟
كان بوسع القرصان أن يستثمر أمواله في مساعدة كثيرين من الأفراد ومن الشعوب التي لا تحتكم خزائنها الخاوية حتى على فتات مائدة السفاح ، ويجعل كل تلك الشعوب تتبعه وتأتمر بأمره عن حب وتقدير وعرفان لما أعانها به وقدمه اليها . كان بإمكان السفاح أن يجعل من بلده منبتا للخير ومرفأ لقوى النور وسواعد البناء والعلم بما يملك من مال ، فيتيح التعليم للراغبين ويقدم الجوائز للباحثين عن علاج للأمراض وعن حلول لمشاكل الحياه المختلفة فيدين الناس له بالفضل ويقبلون عليه وعلى بلده ، فيزيد كرامة ويزيد بلده عزة على عزة . ولكن السفاح البدين آثر ان يسفك الدماء ويعمل عمل الشياطين ويسعى في الأرض بالفساد .
اختار السفاح البدين لنفسه ولبلده ولشعبه ثلاثة أبواب للتعاسة والخلاف بدلا من ألف باب للأمل والمحبة والصداقة والاخوة التي نسيها وتنكر لها . فما الحكمة اذاً أيها السفاح ؟ وكيف ستكيفك الأبواب الثلاثة المكبلة بالغيوم والشكوك والكراهية عن كل باب آخر وعن كل صديق آخر وكل جار وعن كل أخ ؟
اختار السفاح الظلمة والخطر والهلاك الظاهر للعيان كما اختار ابن سيدنا نوح – عليه السلام - ألا يركب مع أبيه في سفينة النجاة – مع انه كان يرى الماء يغرق كل شىء والخطر محدق – وظن ظنا باليا بأن الجبال ستعصمه من الماء ومن الله عز وجل . فهل كان السفاح يظن أنه يستطيع أن يعيث في الأرض فسادا ويذيق الناس مذاق القتل والخوف وينزلهم منازل الفزع ويذهب بأهلهم وأولادهم وممتلكاتهم على يد أعوانه من المجرمين وهو آمن في سربه معاف في بدنه يقهقه في مجلسه مجلس الشياطين والأشرار دون أن ينتفض أحد ليواجهه ويهزمه ويقتص منه ومن عصاباته وشبكاته الخبيثة ؟
ان تفكير السفاح القرصان الباغي اذا لمدهش ، وان مآله لبين وان مثواه لقاتم كسواد قلبه الذي لم يرتجف لمقتل ضحاياه في المساجد وفي الكنائس وفي الطرق وفي الأسواق وفي مواقع أشغالهم وفي بيوتهم وأثناء تأدية مهامهم وواجباتهم الشرطية والعسكرية وغيرها . تماما مثلما أظهر لنا الاخوان المجرمون من وجوه الوحشية ووجوه ابليس ووجوه الكراهية التي تجري في عروقهم دما .
ان اختيار السفاح البدين القرصان في الحياة لهو اختيار مهين ينطوي على كره الحق وحب الباطل وبذر الشرور . وهو اختيار واع ، لا عن خطأ يمكن اصلاحه ، ولكن عن ايمان ومحبة للشيطان وأفعاله ومسلكه في خلق الله . وقد أغواه الشيطان وأغراه حتى لم يعد يرى ولم يعد يسمع وسكرت عيناه ومواقد فكره ويقظته ليرتكب ما ارتكب من الفظائع ثم يواصل المناورة والاستكبار لعله ينجح في الافلات بما أتى من الجرائم التي تسببت وقد تصبح سببا في مصائب كثيرة لاحقا في شرق الأرض وغربها .
فإذا انقلب عليك أهلك ايها السفاح القرصان المحب للظلام – للخلاص منك ومن شرورك - فلا أقل من ذلك عقابا تستحقه ولا أدنى منه سيصيبك بما قدمت يداك . حفظ الله مصر ورئيسها ووفقه الى الخير كله .