أغمض عينيك وتذكر أول مرة شاهدت فيها جثة ميت.. ومتى رأيت دماء حقيقية فى حادث أو جريمة قتل.. ما الذى كان يخيفك وأنت طفل صغير.. وهل كانت تفزعك مشاهد الرعب الساذجة فى الأفلام القديمة وتسرق النوم من عينيك؟
هل صرخت حين دخلت بيت الرعب فى ملاهى الأطفال، وأنت ترى عرائس ترتدى أقنعة عليها ألوان حمراء تشبه الدماء، وهل تبادلت مع أصدقاء الطفولة تلك الهمسات عن الحاجات «قلة الأدب» بالمفهوم الطفولى الساذج، وكيف كان هذا المفهوم؟
هل استحييت أن تدقق النظر أمام والديك فى مشهد سينمائى تتخلله قبلة بين حبيبين وأنت تشاهد التلفزيون؟، وهل حرص والداك على ألا ترى هذا المشهد فتحايلا بتغيير القناة؟
الآن وبعد أن استعدت هذه الذكريات، افتح عينيك وانظر حولك، قارن بين أطفال الجيل الحالى وأطفال الأجيال السابقة، حتى تستوعب أن طفلًا لا يتجاوز عمره 12 عامًا قتل ابنة عمه الطفلة التى لا يتجاوز عمرها 6 سنوات طعنًا بسكين ومفك بعد فشله فى اغتصابها، وأن هذا الطفل لم يهتز وهو يمسك السكين، ولم يرتعش أو يفقد الوعى من مشهد الدماء، بل كان فى كامل لياقته الذهنية وخطط لإخفاء جريمته، فطوعت له نفسه أن يلف ابنة عمه القتيلة فى جوال، وأن يخفيها فى «عشة الفراخ» على سطح المنزل أيامًا حتى تعفنت جثتها.
كان السفاح الصغير يأكل ويشرب وينام ويذهب يوميًا ليلقى نظرة على الجثة، ويطمئن أن أحدًا لم يكتشف الجريمة، لم يُخِفه سوى انتشار رائحة الجثة، فقرر أن يحملها وينزل بها سلالم المنزل ويمضى بها فى الشارع، وحين رأته إحدى قريباته وسألته عن سر الرائحة الكريهة المنبعثة من الجوال، رد عليها بكل تماسك ودون أن يهتز بأنه يحوى بعض الطيور الميتة، وأنه فى طريقه لإلقائه بالقمامة، ثم ذهب بكل ثبات ليلقى بالجثة بإحدى الترع.
وبعد إلقاء القبض على السفاح الصغير أكد أنه اعتاد مشاهدة الأفلام الجنسية مع زملائه، وأراد أن يطبق ما يراه مع ابنة عمه الطفلة التى استدرجها إلى سطح المنزل وحاول الاعتداء عليها، وعندما صرخت وهددت بفضحه قتلها.
ورغم بشاعة هذا الحادث، فإنه لم يكن الأول من نوعه، بل سبقه العديد من الجرائم البشعة التى ارتكبها أطفال فارقتهم البراءة، وتحولوا لوحوش تنهش الأجساد وتزهق الأرواح.
ومنها جريمة قتل الطفلة «زينة» التى تبلغ من العمر 5 سنوات، والتى هزت محافظة بورسعيد قبل سنوات، بعد ان استدرجها ابن حارس العقار الذى لا يتجاوز عمره 16 عامًا وصديقه، وحاولا اغتصابها، وعندما فشلا ألقياها من الطابق الـ 16 فى منور العقار، ثم شاركا الأسرة فى البحث عنها. وجريمة قتل الطفل «عبدالرحمن» الذى يبلغ من العمر 10 سنوات، والتى كانت أكثر بشاعة، حيث حاول صبى يبلغ من العمر 16 عامًا اغتصابه، وعندما فشل قتله واغتصبه وهو ميت، بعد أن استدرجه لمنطقة نائية، وكان «عبدالرحمن» طلب من قاتله الصغير الاتصال بوالدته ليطمأنها عليه، وبعد أن استمع الطفل إلى صوت أمه وأغلق الهاتف رفض تلبية رغبات القاتل الذى لم يرحم طفولته، وضرب رأس «عبدالرحمن» فى الحائط عدة مرات حتى فقد الوعى، ثم خنقه وبعد وفاته جرده من ملابسه واغتصبه، ومن بشاعة المشهد أصيبت والدة «عبدالرحمن» بالشلل بعد أن فقدت طفلها الوحيد.
وفى البحيرة ذبح طالب بالمرحلة الإعدادية ابنة خاله الطفلة «تسنيم»، التى لم يتعد عمرها 4 سنوات بعد محاولة التحرش بها.
وفى أسيوط استدرج طالب بالصف الأول الإعدادى لا يتعد عمره 12 عامًا زميله إلى منطقة زراعات، وحاول التعدى عليه جنسيًا، وعندما فشل خنقه وألقاه فى الترعة.
بينما ذبح طفل، 15 سنة، ابنة عمه التى كانت تربطه بها علاقة عاطفية عندما عاتبها على مصاحبة فتاة سيئة السمعة، واحتد بينهما النقاش.
وتجاوزت عدوى جرائم القتل والاغتصاب والتحرش لتنتقل إلى أطفال فى سن الحضانة، حيث أقدم طفل يبلغ من العمر خمس سنوات على الاعتداء جنسيًا على زميلة له داخل حضانة فى مدينة نصر، وأحالت النيابة العامة الطفل للمحاكمة بتهمة هتك عرض زميلته البالغة من العمر خمس سنوات، بعدما تقدمت والدتها ببلاغ تتهم فيه الطفل بالاعتداء جنسيًا على ابنتها، بعدما شاهدت بقع دماء على ملابسها، وأكد تقرير الطب الشرعى تعرض الطفلة للاعتداء الجنسى.
ولا تقتصر أسباب جرائم الأطفال على العلاقات العاطفية والرغبات الجنسية، بل ارتكب بعض الأطفال جرائم بشعة راح ضحيتها أقرب الناس إليهم، ومنها مقتل أب على يد ابنه الطالب بالصف الثالث الإعدادى بعد أن اختلف معه على قيمة المصروف، فانهال الطفل على والده طعنًا بالسكين أثناء نومه، وسدد له 30 طعنة، وجريمة قتل صبى لشقيقه الأكبر بعدما عنفه على رسوبه، فانهال عليه الصبى طعنًا، وعندما صرخت زوجة شقيقه من هول المشهد قتلها وطفلتها التى لا تتعد عامًا ونصف العام، ثم سرق مبلغ 40 ألف جنيه من شقيقه وهرب، فضلاً عن حوادث كثيرة تصدمنا كل يوم يتعدى فيها أطفال على أمهاتهم وآبائهم وأقاربهم وأصدقائهم لأسباب ودوافع مختلفة.
فما التغير الذى حدث وانتزع براءة هؤلاء الأطفال، وحول قلوبهم الرقيقة الصغيرة إلى حجارة لا تهتز لمشهد الدماء، ولا تعبأ بإزهاق الأرواح، ولا تجزع لرؤية الجثث بل والتمثيل والعبث بها؟
فروق كثيرة بين هذا الجيل وأجيال مضت، أجيال تربت على الأفلام الرومانسية والأغانى الوطنية، وحدوتة قبل النوم، وجيل نجومه المفضلون أبطال فى أفلام العنف والإثارة التى تمتلئ بمشاهد الدماء والقتل والأشلاء، وأصبح قدوتهم «إبراهيم الأبيض»، و«الأسطورة»، و«عبده موتة».
جيل يعتقد أن الحب هو ما يراه فقط فى المقاطع الإباحية والأفلام الجنسية التى يتبادلها مع أصدقائه سرًا وعلانية، وأن الغزل هو أن تمتد يده لتطال جزءًا من جسد فتاة تمر أمامه، أو تلمس مؤخرتها كما فعل أحد نجوم الجيل فى مشهد بفيلم يلقى فيه دورسًا عن الحب والغزل، وأن قدرته على مجاملة الأصدقاء والأقارب فى الأفراح تتوقف على عدد السكاكين والسيوف التى يحملها ويتراقص بها عاريًا، كما تعلم من الأفلام.
جيل تشبع بمشاهد الدم والقتل أكثر مما شاهد من أفلام الكارتون، جيل يعشق أفلام الرعب ويسهر ليشاهدها قبل نومه، واعتاد على رؤية كل مظاهر القبح ومشاهد القتل والاغتصاب، التى تبثها البرامج الإخبارية والفضائيات، وتنتشر على مواقع التواصل الاجتماعى، ويبحث عنها الصغار على مقاطع اليوتيوب.
لم تعد السكين تخيف الكثيرين من أطفال هذا الجيل، أو تحمل لهم أى مشاعر بالخوف والرهبة، بعد أن ألفوها وأصبحوا يرقصون بها فى الشوارع جهارًا نهارًا وهم يتفاخرون بقدرتهم على التدخين فى سن مبكرة، بل ويتبادلون المخدرات فيما بينهم، حتى أصبحت رائحة البانجو والحشيش سمة غالبة على العديد من الأحياء والمناطق، بل ووجدت طريقها بين طلاب المدارس، طبقًا للإحصائيات الرسمية التى أكدت أن نسبة التدخين بين طلاب المدارس 12.8%، ونسبة وتعاطى مخدرات 7.7%، ونسبة تعاطى الكحوليات 8.3%، وأكد التقرير الرسمى أن 80% من الجرائم تحدث تحت تأثير المخدرات، وأن سن تعاطى المخدرات انخفض إلى 11 سنة.
وإذا كان هذا ما كشفته تقارير حكومية برعاية وزارة التضامن الاجتماعى، فبالطبع ستكون النسبة الواقعية أكبر بكثير، حيث لا يتم اكتشاف الإدمان والتعاطى إلا فى مراحل متأخرة، أو بعد ارتكاب جريمة.
وتجتمع هذه العوامل مع أخرى تتعلق بظروف اجتماعية وتفكك أو إهمال أسرى، وغياب دور التعليم فى اكتشاف المواهب وتنمية القدرات وخلق القدوة، وتحول معظم المدارس إلى ساحات للشغب واستعراض القوة بين الطلاب لتنتج لنا السفاح الصغير، الذى يظهر بين الحين والآخر ليصفعنا على وجوهنا بجريمة بشعة، تتنافى مع كل مفاهيم البراءة التى نعرفها، وتؤكد أن أطفالنا فى خطر، وهو ما كشفته إحدى الإحصائيات التى أكدت أن هناك 17 ألف جريمة يرتكبها الأطفال سنويًا، وأكثرها يرتكبها أطفال العشوائيات.
انتبهوا أيها السادة قبل أن يستيقظ أى منا على جريمة بشعة يرتكبها طفل فى محيط أسرته، اعلموا أن جميع الظروف تتحالف لإنتاج المزيد من السفاحين الصغار، تحدثوا مع أطفالكم، حاولوا تحصينهم وافتحوا معهم كل الموضوعات الشائكة، حتى التى ترونها محرمة، فتشوا عن مواهبهم، اعلموا أنهم يواجهون ظروفًا أصعب بكثير مما واجهناه وأنهم محاطون بكل مظاهر التوحش، ويعيشون زمنا يفترس البراءة ويدهسها فى كل لحظة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة