كثرت الفتاوى وكثر اللغط وكأن الدين مستباح.. أصابنى الذهول كما أصاب الكثيرون غيرى من فتوى جواز معاشرة الزوجة الميتة فيما يُعرف بجماع الوداع.
وكأن الرجل لا يفكر فى زوجته إلا لمعاشرتها، وكأنه لا يحزن لفراقها، ولا تصيبه صدمة الفراق بالحزن والشجن.
ولأن هناك بعض الفضائيات والبرامج تسعى وراء الشهرة وإحداث رواج ما، فتحاول بشىء من التحايل إثارة ضجة حول كلام لا يقبله عقل بشر.
لقد شاهدت وسمعت الفيديو الذى ذكر فيه الدكتور صبرى عبدالرؤوف، أستاذ الفقة المقارن بجامعة الأزهر، والحقيقة أن الرجل ما قاله لم يؤكد أن هذا تصرف طبيعى، لكنه قال نصًا عندما سأله المذيع عن هذه الفتوى، وما إذا كان قد سمعها: «إحنا بنسمع أشياء كثيرة ولكنى أعتبرها من الشذوذ، فكيف يجامع الرجل زوجته بعد موتها؟».
وسأله المذيع هل هذا الفعل حلال أم حرام؟
فأجاب سيادته أن هذا الفعل رغم أنه من غير المألوف إلا أنه حلال، ولا يعتبر زنى كما جاء فى كتب الفق.
الحقيقة أننى لست على دراية قوية بالفقه ولا بدراسة الشريعة الإسلامية، لكننى على دين الفطرة، دين الإسلام.. تلك الفطرة السليمة التى فطرنا الله عليها.
فكل ما هو غير مألوف لا أقتنع به مادام لا يوجد فيه نص قرآنى، إلا الغيبيات، التى أمرنا الله بالإيمان بها، كالجنة والنار والآخرة والخلود والجن والملائكة، وغيرها من الأشياء التى قد لا يدركها عقلنا البشرى المتواضع، أما ما يخص حياتنا ودنيانا فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... جِئْتَ تَسْأَلُنِى عَنْ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ، فَقَالَ نَعَمْ فَجَمَعَ أَنَامِلَهُ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِنَّ فِى صَدْرِى وَيَقُولُ يَا وَابِصَةُ اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وَاسْتَفْتِ نَفْسَكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِى النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِى الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ.
هكذا أرى أن الأمور فى وسط لغط الفتاوى، ودخول من لم يكن لديهم علم بيّن، يحدث نوعًا من الزعزعة لذوى النفوس الضعيفة والجهلة من العامة، مما يؤثر على سلوكنا فى المجتمع، ويخلق أناسًا متطرفين فى السلوك، سواء كان متشددًا أو حتى منحلًا شاذًا.
ومؤسسة الأزهر لابد أن يكون لها دور فى مراقبة ومتابعة ما يفعله شيوخ الفتاوى الجاهزة، الذين يفرطون فى دينهم للفت النظر، ومداعبة الخيال لدى البعض.
فيجب أن يتم اعتماد المشايخ الذين يظهرون فى برامج دينية يراها الناس جميعًا عبر شاشات التليفزيون، أو عبر «اليوتيوب» من خلال مؤسسة الأزهر، وهل هم مؤهلون للقيام بالإفتاء أم أننا نكتفى بما تقدمه دار الإفتاء من خدمات للجمهور من خلال الإجابة عن الأسئلة.
وحتى نكون منصفين، فالقنوات الفضائية بالتأكيد تحتاج لأن يكون لديها برامج دينية على الخريطة البرامجية، هنا ينبغى على كل قناة أن تستعلم عما يظهر فى برامجها الدينية، سواء من خلال الأزهر أو من خلال شهاداته المعتمدة، وتاريخه الذى لا غبار عليه.
لماذا نترك كل شىء بلا رقابة الدين والأخلاق.. هذه الأمور نحن فى حاجة إلى رقابتها، حتى نعود لريادتنا؟.. لماذا يتراجع دور الأزهر أمام هوجة البرامج الدينية «الفشنك»؟
نحتاج إلى أن نكون يدًا واحدة فى مواجهة انهيار الأخلاق وفساد السرائر.. أرجو من مشايخنا أن يحافظوا على صورة الإسلام فيما يقولونه.. حافظوا على سمعة أزهركم حتى لا ينهار.