يبدأ العام الدراسى الجديد فى مصر اليوم السبت وسط اهتمام واضح من المثقفين واتفاق عام على العلاقة الوثيقة بين التعليم والبحث العلمى والثقافة وضرورة ربط العملية التعليمية بالقطاعات الإنتاجية والخطط الاقتصادية والاجتماعية بما يشجع على الابتكار والإبداع.
وتستقبل المدارس من اليوم نحو 20 مليون طالب، فيما تتوالى الطروحات والتعليقات لمثقفين حول العملية التعليمية وضرورة تطويرها على قاعدة الابتكار والتحول من الحفظ والتلقين إلى البحث والتفكير.
ويؤكد الخطاب الرسمى المصرى "أهمية مجتمع المعرفة والإبداع والابتكار ومحورية دور العلم فى الحياة المعاصرة" وضرورة الاهتمام بشقه التطبيقى ليسهم فى تحسين مستوى المعيشة وتوفير احتياجات المواطنين مع الاستفادة من نتائج الأبحاث العلمية المصرية لاسيما فى قطاع الصناعة.
والتعليم "كمنظومة ثقافية فى تشكيل البشر" حاضرة قضاياه وهمومه بقوة فى اهتمامات الجماعة الثقافية المصرية، فيما تقول أستاذ القانون والإدارة وصاحبة الاهتمامات الثقافية المتعددة الدكتورة ليلى تكلا إن "تصحيح وإصلاح منظومة التعليم يقتضى تصحيح القيم الثقافية السائدة".
ولئن دعا العديد من المثقفين المصريين فى طروحات وتعليقات عبر الصحف ووسائل الإعلام للسعى من أجل "انتشار ثقافة العمل الجاد" فثمة إدراك واضح أيضا بارتباط هذه المسألة بالمناهج التعليمية.
وهكذا رأت الدكتورة ليلى تكلا أهمية أن تقوم المناهج التعليمية بصياغة الطالب على ثقافة حب العمل والانضباط وقبول التعدد والاختلاف ناهيك عن القيم الدينية الصحيحة، معتبرة أن الثقافة بمعناها الأشمل هى "نمط الحياة الذى يقرر السلوك والقرارات".
ويقول الكاتب والشاعر الكبير فاروق جويدة إن التعليم "أخطر وأهم قضايا مصر"، لافتا إلى أنه بحاجة "لثورة فى المناهج والمعامل والمدرجات" فيما كانت طروحات لمثقفين مصريين قد أوضحت أن أهم أركان الثورة المعرفية المنشودة "تأسيس العقل النقدى الذى يطرح كل الظواهر الاجتماعية و الثقافية للمساءلة وفق قواعد التفكير النقدى المسلم بها فى علوم الفلسفة والمنطق"، فيما تشتد الحاجة إلى تكوين العقل النقدى بعد "ثورة المعلومات".
وكان المفكر المصرى الراحل السيد يسين قد دعا لتعليم الطلاب منذ المرحلة الثانوية "قواعد التفكير النقدي"، لافتا فى هذا السياق لكتاب وصفه بأنه يمكن أن يمثل مرجعا هاما وفريدا وهو كتاب "التفكير النقدي" للمؤلفين تريسى بويلس وسجارى كمب، فيما صدر هذا الكتاب بالإنجليزية وترجمه للعربية الدكتور عصام زكريا جميل مدرس المنطق والتفكير العلمى بجامعة القاهرة.
وواقع الحال أن اهتمامات المثقفين بقضايا التعليم ليست وليدة اليوم فعميد الأدب العربى الراحل الدكتور طه حسين كان من رواد الدعوة لمجانية التعليم وهى قضية تبدو الآن موضع اهتمام كثير من المثقفين المصريين مثل الدكتور أحمد يوسف أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الذى رأى أن "التعليم المجانى استثمار ذو عائد آجل"، فيما دعا "لحوار مجتمعى حول تطوير التعليم وسبل تمويل هذا التطوير".
أما الراحل الجليل أستاذ أصول التربية حامد عمار والذى يوصف "بشيخ التربويين" فقد رأى أن التعليم الجيد فى مصر يعنى "ثقافة قوية وفاعلة تسهم فى بناء الحضارة العالمية"، كما أن هذا التعليم يعنى تنمية اقتصادية وبشرية تنتشلنا من هوة التخلف، معتبرا أن "مشكلاتنا ترجع لعدم وجود نظام تعليمى فعال يسهم فى بناء إنسان مصرى متحضر يعتمد العقل فى حل مشاكله ولايعتد بالخرافة".
وإذا كان الدكتور حامد عمار وهو أحد الآباء الثقافيين المصريين المعاصرين وصاحب مقولة "التعليم والثقافة والإعلام مثلث بناء البشر فى أى مجتمع" فإن صاحب "دراسات فى التغير الحضارى والفكر التربوي" الذى رحل فى نهاية عام 2014 عن 93 عاما كان يؤكد دوما على أهمية مجانية التعليم لأنه اهتم على وجه الخصوص بالفقراء أو "ملح الأرض المصرية" من البشر الذين يعانون من ظروف اقتصادية ليست بالمريحة أو الميسرة.
ولئن كان جل كتاب "مستقبل الثقافة فى مصر" للدكتور طه حسين عن التعليم وأهمية الإصلاح التعليمى وهو الذى أراد أن يكون "التعليم كالماء والهواء" فقد رأى حامد عمار أن التعليم يشكل الرافعة الأساسية لأى مشروع وطنى مصرى حقيقي.
وأعادت الدكتورة ليلى تكلا للأذهان أن قضايا التعليم متعددة العناصر، غير أن أهم هذه العناصر من وجهة نظرها هى "المناهج باعتبارها مصدر المعرفة التى تحدد نوع المواطن فإما أن يصبح مواطنا متوازنا يسهم فى التنمية وإما يعرقلها" ويتفق معها إلى حد كبير فى هذا السياق الكاتب والأكاديمى الكويتى الدكتور محمد الرمحيحى الذى يقول إن نظام التعليم مكون من عدد من الحلقات من بينها البيئة الاجتماعية والمنهج والمدرس والتلميذ والإدارة ورؤية الدولة.
ودعت تكلا، الحاصلة فى العام الماضى على جائزة النيل للعلوم الاجتماعية، إلى اهتمام مناهج التعليم بالتوعية والتعريف بتاريخ مصر وتراثها شديد الثراء، لافتة إلى أن "الذى يعرف تاريخ بلاده وما قدمته مصر للعالم ومازالت تقدمه لايمكن إلا أن يشعر بالاعتزاز والانتماء"، فيما أوضح مثقف مصرى كبير هو أستاذ الاقتصاد والمفكر الدكتور جلال أمين أن انتشار التعليم يعد من معايير التقدم الاقتصادى.
وإذا كانت مصر سباقة فى إقرار الحق فى التعليم مقارنة بغالبية الدول النامية فإن قضايا التعليم تتأثر- كما تقول ليلى تكلا - بعوامل مثل الانفجار السكانى وإهمال تعليم الفتيات، بينما لفت الكاتب سمير مرقص إلى أهمية الأسئلة الكبرى التى يطرحها "الزمن الرقمي" مثل "مامستقبل أنظمة التنشئة والتعليم التقليدية التى تأسست وتشكلت فى الزمن ماقبل الرقمي"؟.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة