لقد كانت تفجيرات أمريكا يوم 11 سبتمبر 2001، هى كحلم إسرائيلى يتحقق، وهى بمثابة كلمة السر فى مكاتب جهاز الموساد الإسرائيلى، ولتشكل بذلك أفضل فرصة لتحقيق الغايات الإسرائيلية الثلاث معًا، فالعقبة أمام إسرائيل كانت فى تردد واشنطن بتصنيف بعض الدول والمنظمات العربية بأنها إرهابية، لكن هذه العقبة بدأت تنهار خطوةً خطوة منذ أن نجح التيار المساند لإسرائيل فى أمريكا بإدراج عدد من أسماء الدول والمنظمات العربية على اللوائح الأمريكية الخاصة بالجماعات الإرهابية.. هو ما أكده الباحث صبحى غندور، مدير مركز الحوار العربى فى واشنطن، فى دراسته الرائعة، التى حملت عنوان «من حرب أمريكا على الإرهاب.. إلى حرب إسرائيل على العرب والمسلمين»، وهى الدراسة التى كشفت العديد من الألغاز التى ربطت بين أمريكا وإسرائيل.
وتحولت المناقشات والآراء فى وسائل الإعلام الأمريكية من مسألة إمكان ضرب دول عربية بعد انتهاء حرب أفغانستان إلى تساؤلات عن التوقيت والتفاصيل! وبمقدار ما نجحت إسرائيل فى استغلال الفرص والأزمات كلها لتحقيق غاياتها، بمقدار ما أضاعت الحكومات والمنظمات العربية فرصًا عديدة.
فلِمَ لم تنعقد، فور أحداث 11 سبتمبر، قمة عربية طارئة تُخصص لدراسة نتائج ما حدث واحتمالات ما بعده؟، وكيفية اتخاذ موقف عربى موحد بشأن هذه الأحداث والاحتمالات المترتبة عليها؟
أيضًا، كان ممكنًا لهذه القمة العربية الطارئة أن تصدر موقفًا عربيًا موحدًا يشتمل، إضافةً إلى استنكار ما حدث فى أمريكا طبعًا، جملة من المواقف التى تؤكد ضرورة التمييز المطلوب بين الإرهاب المدان، والمقاومة المشروعة ضد الاحتلال الإسرائيلى، كما تؤكد رفض استهداف أى دولة عربية أو أى مقاومة وطنية للاحتلال الإسرائيلى.
تُرى لو صدر هذا الموقف العربى الموحد عن قمة عربية طارئة، ولو حمل هذا الموقف ثلاثة أو خمسة من الزعماء العرب، بشكل وفد مشترك، إلى عواصم الدول الكبرى، ومنها واشنطن، هل كانت الاستهانة الدولية أو المهانة العربية كما هى الآن؟
لِمَ لم تبادر أى مرجعية دينية إسلامية عربية بالدعوة لمؤتمر عام لعلماء مسلمين من أجل دراسة ما حدث من استغلال كبير لاسم الإسلام فى المحاربة باسمه، أو فى الحرب عليه، ومن أجل وضع إعلان إسلامى عالمى يوضح الكثير من المصطلحات التى تستخدم الآن بشكلٍ سلبى، كما تؤكد الموقف الصحيح للإسلام من قضايا عديدة مورست فى التجربة الأفغانية لسنوات عديدة باسم الإسلام؟
وماذا أيضًا لو حمل هذا «الإعلان الإسلامى العالمى» مجموعة من العلماء المسلمين إلى عواصم غربية عديدة، وأقاموا سلسلة من اللقاءات مع مسؤولين رسميين وإعلاميين ومراجع دينية مسيحية فى الغرب؟
أوَلم تكن فرصة مهمة للحديث الإيجابى فى الغرب عن الإسلام، ولطرح المفاهيم الإسلامية السليمة حول جملة قضايا بدأ يتساءل عنها الآن المواطنون فى الغرب، بغض النظر عن مواقف الحكومات؟
أيضاً، لِمَ لمْ تبادر السلطة الفلسطينية إلى الدعوة لعقد مؤتمر عام فلسطينى، فور أحداث 11 سبتمبر، تتحاور فيه مختلف الاتجاهات والمنظمات من أجل الوصول إلى حد أدنى من التنسيق بينها فى كيفية التعامل مع «الحالة الإرهابية الشارونية»، ومع نتائج العمل الإرهابى فى أمريكا؟!
وربّما كان مفيدًا أن يتحاور المشاركون فى هذا المؤتمر الفلسطينى عن كيفية التحرك دوليًا من خلال وفود فلسطينية مشتركة، من أجل تأكيد حقّ الشعب الفلسطينى باستمرار انتفاضته ومقاومته ضد الاحتلال الإسرائيلى، وبضرورة التمييز بين الإرهاب والمقاومة من جهة، والمقاومة ضد جيش الاحتلال وعمليات التفجير الإحباطية ضد مدنيين من جهة أخرى.
فالشعب الفلسطينى ممزق أصلًا بين من هم فى الخارج، ومن هم فى الضفة وغزة، ومن هم الآن فى إسرائيل، فكيف إذًا كان الانقسام أيضًا بين سلطة تريد العودة للمفاوضات، وانتفاضة تريد استمرار المقاومة ضد الاحتلال، ثم بين مقاومة تحرص على مواجهة جيش الاحتلال فقط، ومقاومة لا تضع حدودًا لمن هم المستهدفون بعملياتها، فتسمح بذلك بتصنيفها على أنها منظمات إرهابية تستهدف المدنيين فى إسرائيل ولا تواجه فقط جيش الاحتلال الإسرائيلى؟.
إن المناطق الفلسطينية المحتلة هى الآن محكومة بمنهجين متناقضين، كل منهما ذهب إلى مدى أكثر مما يتوجب الذهاب إليه فى الصراع الدائر مع إسرائيل فى هذه المرحلة، الأول فى نوع المفاوضات والاتفاقات، والآخر فى نوع المقاومة المطلوبة فى هذه الظروف.
وعوضًا عن التكامل بين العمل السياسى والعمل العسكرى على الساحة الفلسطينية، نجد التصادم قائمًا فى الجسم الفلسطينى بين اليد التى تحمل غصن الزيتون، واليد التى تحمل البندقية.
إن الواقع العربى العام تحكمه الآن سمات مشتركة وليس مواقف مشتركة.. سمات تبرز فيها سيئات «حالة الانتظار» لما ستقرره واشنطن ثم التعامل مع هذه القرارات بشكل انفرادى عربى، عوضًا عن التنسيق المسبق وإعداد القرار العربى المشترك للتعامل مع نتائج المرحلة، واحتمالاتها المستقبلية.. وغدًا إن شاء الله نواصل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة