ذكرت الهيئة العامة للاستعلامات، أن الزيارة التى قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسى، إلى نيويورك، لحضور الشق رفيع المستوى من أعمال الدورة 72 للجمعية العامة للأمم المتحدة، اكتسبت أبعاداً ودلالات مهمة، وأثمرت نتائج تستحق التقييم والتحليل.
ووفقا لتحليل سياسى أعدته الهيئة، جسدت هذه الزيارة التطور الإيجابى فى مكانة مصر فى محيطها الإقليمى، وموضعها فى إطار النظام السياسى العالمى، وطبيعة دورها الريادى الآن فى قضايا منطقة الشرق الأوسط والقارة الأفريقية والقضايا الدولية الأخرى.
وجاءت هذه الزيارة الرابعة على التوالى للرئيس عبد الفتاح السيسى، إلى دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، مختلفة بشكل واضح عن الزيارات الثلاث السابقة عليها، من حيث الأداء الدبلوماسي، والتجاوب الدولى مع الرؤى والطروحات المصرية الصريحة والشجاعة التى عرضها الرئيس السيسي، وكذلك من حيث النتائج المترتبة عليها، لكى تعكس التراكم الإيجابى الذى حدث منذ الزيارة الأولى للرئيس عام 2014.
ففى عام 2014، قام الرئيس عبد الفتاح السيسى بأول زيارة له إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث ألقى خطابا تاريخياً شرح فيه للعالم حقيقة ما جرى فى مصر، وشارك فى العديد من القمم واللقاءات الجماعية، وعقد نحو 40 لقاء ثنائياً مع قادة وزعماء وشخصيات دولية وأمريكية مهمة، وأسفرت هذه الزيارة عن دعم دولى متزايد لمصر، وتغيير ملموس للصورة الخاطئة التى كانت لدى البعض بشأن الأحداث التى شهدتها فى الأعوام السابقة عليها.
وفى عامى 2015 و2016 قام الرئيس بزيارتين إلى الأمم المتحدة، أجرى خلالهما نحو 42 لقاء ثنائياً مع قادة العالم، إلى جانب المشاركة فى قمم دولية جماعية سياسية واقتصادية وبيئية، وحصلت مصر على ثقة العالم بعضوية مجلس الأمن الدولى خلال عامى 2016-2017، كما حظيت بتفاعل عالمى ودعم ترجم فيما بعد فى اتفاقات اقتصادية وتنموية وتسليحية مع العديد من القوى الدولية الكبرى.
أما فى العام الجارى 2017، فقد ذهب الرئيس السيسى إلى الامم المتحدة مزوداً برصيد كبير على الصعيدين الداخلى والإقليمى قلما توفر لمصر فى السابق، بالرغم من حملات شرسة من بعض وسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان الغربية، التى تقف وراءها أطرافا معادية مصرية وعربية وإقليمية.
فعلى الصعيد الداخلي، ذهب الرئيس إلى نيويورك مدعوماً من شعب قوى متماسك تحمل بمسئولية كل الصعاب التى واجهته، ودولة تتمتع بمستوى عالٍ من الاستقرار المؤسسى والسياسى والأمني، فى قلب منطقة هى الأكثر اضطراباً فى العالم، وذهب الرئيس وفى يديه إنجاز اقتصادى تنموى وضع مصر على طريق الإقلاع للنهوض وأشادت به المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية، حيث بدأت تظهر نتائج البرنامج المصرى للإصلاح الاقتصادى فى شكل مؤشرات إيجابية ملموسة على كافة مستويات وقطاعات الاقتصاد المصري.
وعلى الصعيد الإقليمي، ذهب الرئيس السيسى إلى نيويورك بعدما أكدت مصر عملياً على أرض الواقع أنها استعادت دورها كطرف لا يمكن تجاوزه أو تجاهل رؤيته فى قضايا المنطقة، فهى جزء أساسى من الحل لكل قضايا الشرق الأوسط وفى مقدمتها قضية فلسطين والقضية السورية والأوضاع فى ليبيا والعراق واليمن وغيرها.
وعلى الصعيد الدولي، ذهب الرئيس السيسى إلى نيويورك ومعه رصيد هائل لبلده فى أهم وأخطر قضايا المجتمع الدولى اليوم وهى قضية مكافحة الإرهاب، بعدما استطاعت مصر أن تملى رؤيتها الشاملة لمكافحة الإرهاب ومعاقبة داعميه ومموليه دولاً ومنظمات وتنظيمات، وبعدما أكدت أحداث الإرهاب فى أنحاء العالم صدق وواقعية هذه الرؤية المصرية وحاجة العالم إليها.
ويضيف تحليل الهيئة العامة للاستعلامات لزيارة الرئيس إلى الأمم المتحدة، أنه انطلاقا من هذه المعطيات، أدركت القيادة المصرية أن الزمان والمكان مناسبين لترجمة هذا الرصيد المصرى إلى تحرك واثق، يبرز مكانة مصر للعالم، ويدفعه لتبنى الرؤية المصرية بشأن قضايا المنطقة، لهذا، كان صوت رئيس مصر عالياً، ومنطقه واضحاً جلياً، فى كلماته وخطاباته فى كل المحافل التى حضرها فى نيويورك، وكان تحركه رصيناً ومكثفاً، بلقاءاته مع كثير من الزعماء والقادة من قارات العالم الخمس.
فخلال هذه الزيارة، شارك الرئيس فى 3 اجتماعات رسمية عالمية تابعة للأمم المتحدة حمل خطابه فى كل منها رسائل للعالم، ورؤى متكاملة قدمت الحلول العملية للعديد من قضايا المنطقة، جاء هذا فى كلمة مصر التى ألقاها الرئيس أمام الدورة 72 للجمعية العامة للأمم المتحدة، ثم فى اجتماع القمة العالمى بشأن ليبيا، ثم فى قمة مجلس الأمن حول إصلاح عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وهى المرة الثانية للرئيس ولمصر أيضاً التى يشارك فيها رئيس مصرى فى قمة لمجلس الأمن الدولي.
كما تحدث الرئيس فى 3 لقاءات جماعية أمام مجموعة من الشخصيات المؤثرة بالمجتمع الأمريكى ضمت 22 شخصية مهمة، وشارك كذلك فى غداء العمل الذى نظمته غرفة التجارة الأمريكية، ومجلس الأعمال المصرى الأمريكي، وفى حفل عشاء عمل نظمه مجلس الأعمال للتفاهم الدولي.
وعقد الرئيس السيسى 12 لقاء قمة ثنائى مع قادة ومسئولين من مختلف قارات العالم، منهم 4 زعماء من أوروبا هم رؤساء رومانيا "كلاوس يوهانس"، وقبرص "نيكوس أنستاسيادس"، وصربيا "ألكسندر فوتشيتش"، ورئيس وزراء ايطاليا "باولو جينتيلوني"، ومع 2 من قادة الأمريكتين هما رئيس الولايات المتحدة "دونالد ترامب"، ورئيس البرازيل "ميشل تامر"، و4 من قادة ومسئولى الدول العربية هم الرئيس الفلسطينى "محمود عباس"، ووزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة "عبد الله بن زايد"، والأمير "خالد بن سلمان" نجل العاهل السعودى وسفير المملكة العربية السعودية لدى الولايات المتحدة، كما التقى الرئيس السيسى العاهل الأردنى الملك عبدالله الثانى خلال حفل الغداء الرسمى لرؤساء الدول المشاركين فى الدورة الـ72 للأمم المتحدة، ومن أفريقيا رئيس غانا "نانا أكوفو أدو"، إضافة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلى " بنيامين نتنياهو" لبحث جهود إحياء عملية السلام.
كما عقد الرئيس السيسى خلال زيارته لنيويورك 4 لقاءات مع مسئولين دوليين هم "أنطونيو جوتيرس" أمين عام الأمم المتحدة، و" جيم يونج كيم" رئيس البنك الدولي، و"دونالد تاسك" رئيس المجلس الأوروبي، بحضور "ديميتريس أفراموبولس" مفوض الاتحاد الأوروبى لشئون الهجرة والمواطنة.
ومن الواضح أن هذه اللقاءات لم تكن كلها سياسية فقط، بل كان الملف الاقتصادى المصرى حاضراً فى لقاءات الرئيس مع كل من غرفة التجارة الأمريكية، ومجلس الأعمال المصرى الأمريكي، ومجلس الأعمال للتفاهم الدولي، ورئيس البنك الدولي، إضافة الى بحث التعاون الاقتصادى والتجارى مع العديد من قادة العالم الذين التقاهم الرئيس.
وهذا التحرك الدبلوماسى المكثف للرئيس، نجح فى تقديم رؤى فعالة وعملية إلى العالم بشأن قضايا المنطقة، بعض هذه الرؤى فتح الباب أمام اختراق دولى محتمل فى بعض هذه القضايا إذا تجاوب العالم مع الطرح المصري، وأحسن استغلال المعطيات الراهنة لاقتحام المشكلات وتبنى الحلول التى تحدث عنها الرئيس، هذه القضايا الست هي: قضية فلسطين، والقضية الليبية، والأوضاع فى سوريا، ومكافحة الإرهاب، وعمليات حفظ السلام الدولية، إضافة إلى الملف الاقتصادي.
وطبقا لتحليل الهيئة العامة للاستعلامات، فإن الدبلوماسية المصرية تعاملت بكفاءة عالية من أجل تحريك الاهتمام الدولى بقضية فلسطين وإحياء جهود السلام العادل لهذه القضية، فقبل أن يلتقى الرئيس مع رئيس وزراء إسرائيل فى نيويورك كان قد اجتمع بالرئيس الفلسطينى محمود عباس، حيث رحبت مصر بموقف حركتى فتح وحماس وما أبداه وفدا الحركتين خلال مشاوراتهما الأخيرة فى القاهرة من تفاهم وحرص على الحوار الفلسطينى ـ الفلسطيني، والتى جاءت فى إطار حرص الرئيس عبد الفتاح السيسى على وحدة الشعب الفلسطينى لإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية.
كما استبق الرئيس لقاء نتنياهو بلقاء مع مجموعة من الشخصيات المؤثرة بالمجتمع الأمريكي، والتى تضم عدداً من الوزراء والمسئولين والعسكريين السابقين، بالإضافة لقيادات مراكز الأبحاث والمنظمات اليهودية ودوائر الفكر بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث أكد الرئيس "أن مصر بذلت على مدار الفترة الماضية جهوداً كبيرة مع الأخوة الفلسطينيين فى الضفة الغربية وقطاع غزة من أجل تقريب وجهات النظر ورأب الصدع الفلسطينى سعياً لتحقيق المصالحة الفلسطينية وعودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، كما لفت إلى أن تحقيق السلام بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى لا يمكن فرضه من الخارج، بل يجب أن ينبع عن قناعة وإرادة حقيقية من الجانبين، منوهاً إلى أن ما تبذله مصر من جهود يأتى فى إطار توفير البيئة المواتية للتوصل إلى تسوية عادلة بين الجانبين.
وفى اليوم التالى 19/9/2017 التقى الرئيس عبد الفتاح السيسى بمقر إقامته بنيويورك مع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، حيث أكد الرئيس السيسى الأهمية التى توليها مصر لمساعى استئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلي، بهدف التوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية وفقاً لحل الدولتين والمرجعيات الدولية ذات الصلة، مشيرًا إلى ما ستسهم به التسوية النهائية والعادلة للقضية الفلسطينية فى توفير واقع جديد بالشرق الأوسط تنعم فيه جميع شعوب المنطقة بالاستقرار والأمن والتنمية، وشهد اللقاء بحث سبل إحياء عملية السلام، وإنشاء دولة فلسطينية، مع توفير الضمانات اللازمة بما يسهم فى إنجاح عملية التسوية بين الجانبين.
وبعد هذه اللقاءات جاءت كلمة الرئيس أمام الجمعية العامة والتى لقى ما ورد فيها عن قضية فلسطين اهتماماً عالمياً مدوياً، لكى توضح الموقف المصرى بصورة لا تحتمل اللبس أو التأويل، حيث قال الرئيس:
"إن الوقت قد حان لمعالجة شاملة ونهائية لأقدم الجروح الغائرة فى منطقتنا العربية، وهى القضية الفلسطينية، التى باتت الشاهد الأكبر على قصور النظام العالمى عن تطبيق سلسلة طويلة من قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، إن إغلاق هذا الملف، من خلال تسوية عادلة تقوم على الأسس والمرجعيات الدولية، وتنشئ الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، هو الشرط الضرورى للانتقال بالمنطقة كلها إلى مرحلة الاستقرار والتنمية، والمحك الأساسى لاستعادة مصداقية الأمم المتحدة والنظام العالمي، ولا شك أن تحقيق السلام من شأنه أن ينزع عن الإرهاب إحدى الذرائع الرئيسية التى طالما استغلها لكى يبرر تفشيه فى المنطقة، وبما يضمن لكافة شعوب المنطقة العيش فى أمان وسلام، فقد آن الأوان لكسر ما تبقى من جدار الكراهية والحقد للأبد، ويهمنى أن أؤكد هنا أن يدَ العرب ما زالت ممدودة بالسلام، وأن تجربة مصر تثبت أن هذا السلام ممكن وأنه يعد هدفاً واقعياً يجب علينا جميعاً مواصلة السعى بجدية لتحقيقه، واسمح لي، سيدى الرئيس، أن أخرج عن النص المكتوب وأن أتوجه بكلمة ونداء إلى من يهمهم هذا الأمر، وأوجه ندائى الأول إلى الشعب الفلسطيني، وأقول له من المهم للغاية الاتحاد وراء الهدف، وعدم الاختلاف، وعدم إضاعة الفرصة، والاستعداد لقبول التعايش مع الآخر، مع الإسرائيليين فى أمان وسلام، وتحقيق الاستقرار والأمن للجميع، وأوجه ندائى للشعب الإسرائيلي، وأقول لدينا فى مصر تجربة رائعة وعظيمة للسلام معكم منذ أكثر من أربعين سنة، ويمكن أن نكرر هذه التجربة والخطوة الرائعة مرة أخرى، أمن وسلامة المواطن الإسرائيلى جنباً إلى جنب مع أمن وسلامة المواطن الفلسطيني، ندائى إليكم أن تقفوا خلف قيادتكم السياسية وتدعموها ولا تترددوا، إننى أخاطب الرأى العام الإسرائيلي: اطمئنوا نحن معكم جميعاً من أجل إنجاح هذه الخطوة، وهذه فرصة قد لا تتكرر مرة أخرى".
واستقبلت الأطراف المعنية هذا الطرح المصرى بكثير من الترحيب والتأييد، سواء من جانب السلطة الفلسطينية أو الجانبين الإسرائيلى والأمريكي، حيث عرض الرئيس السيسى على نظيره الأمريكى دونالد ترامب خلال لقائهما، جهود مصر لتحقيق المصالحة الفلسطينية كخطوة أساسية لاستئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلي، وأشاد الرئيس "ترامب" بالجهود المصرية فى هذا الصدد، مؤكدًا أهمية مواصلة التنسيق والتشاور بين البلدين فى هذا الملف.
وهكذا أثبت الرئيس السيسى فى نيويورك أن مصر هى الطرف الأهم المؤثر والفعال والنزيه فى قضية فلسطين، والتى حملت دوماً ولا يزال مسئولية الدفاع عن الشعب الفلسطينى الشقيق وحقوقه المشروعة بعيداً عن الضجيج والمزايدة والحسابات الذاتية، انطلاقاً من التزامها القومى والأخلاقى بهذا الشعب وحقوقه.
عندما تتحدث مصر عن القضية الليبية، يجب أن ينصت العالم، هكذا يرى تحليل هيئة الاستعلامات، فنحن الأقرب إلى ليبيا أرضاً وشعباً واهتماماً وتأثيرا وتأثرا، وبعد سنوات من التردد أيقن العالم هذه الحقيقة وأنصت إلى الرؤية التى قدمها الرئيس فى كلمة مصر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث قال:
"لا حل فى ليبيا إلا بالتسوية السياسية، التى تواجه محاولات تفتيت الدولة وتحويلها مرتعاً للصراعات القَبَلية، ومسرح عمليات للتنظيمات الإرهابية وتجار السلاح والبشر، وأؤكد هنا، بمنتهى الوضوح، أن مصر لن تسمح باستمرار محاولات العبث بوحدة وسلامة الدولة الليبية، أو المناورة بمقدرات الشعب الليبى الشقيق، وسنستمر فى العمل المكثف مع الأمم المتحدة، لتحقيق التسوية السياسية المبنية على اتفاق الصخيرات، والتى تستلهم المقترحات التى توصل لها الليبيون خلال اجتماعاتهم المتتالية فى الأشهر الأخيرة فى القاهرة، للخروج من حالة الانسداد السياسى وإحياء مسار التسوية فى هذا البلد الشقيق".
نفس هذه الرؤية أكدها الرئيس أمام القمة العالمية بشأن ليبيا التى ضمت عددا من دول العالم فى مقدمتها مصر بالطبع، حيث قال الرئيس: "إن الوضع مهيأ، سياسياً وميدانياً، لإحداث الانفراجة المطلوبة فى ليبيا، وطى هذه الصفحة المؤلمة من تاريخ الشعب الليبى الشقيق وبدء مرحلة إعادة البناء، ولكن إنجاز هذه المهمة التاريخية يتطلب دعم المجتمع الدولى للجهود التى تقودها الأمم المتحدة لإنجاز تسوية سياسية شاملة فى ليبيا، يتوصل إليها الليبيون أنفسهم ويتوافقون عليها دون محاولة من أى طرف لفرض الوصاية عليهم، فلا مجال ولا جدوى من تعدد مسارات ومرجعيات التسوية فى ليبيا، فهناك أساس وحيد مقبول لإنهاء الأزمة الليبية، يتمثل فى اتفاق الصخيرات، والذى يمكن إدخال تعديلات محدودة عليه فى بعض المواضع استجابةً لشواغل الأطراف الليبية المختلفة، وذلك من خلال الآلية المنصوص عليها فى المادة الثانية عشر من الاتفاق نفسه، وتحت إشراف الأمم المتحدة.
وفى إطار العلاقات التاريخية والاجتماعية والسياسية العميقة التى تربط بين الشعبين الشقيقين فى مصر وليبيا، تستمر مصر فى استضافة سلسلة من الاجتماعات مع القيادات الليبية بمجلس النواب والمجلس الرئاسى والمجلس الأعلى للدولة لتقريب وجهات النظر بينهم، وذلك بالتوازى مع الاجتماعات التى تستضيفها القاهرة لإعادة توحيد المؤسسة العسكرية، واللقاءات الرامية للتوصل لمصالحات مجتمعية وقبلية بين أبناء الشعب الليبى الشقيق من مختلف المدن والمناطق".
هكذا سمعنا الرئيس السيسى يلخص بوضوح وحسم من أعلى منبر دولى موقف مصر من الأزمة الليبية: "أن مصر لن تسمح باستمرار محاولات العبث بوحدة وسلامة الدولة الليبية"، ليعكس بوضوح أن مصر تستطيع أن تقول "لا" لكل ما ومن يمس مصالحها وأمنها ومصالح وأمن أشقائها العرب.
تكالبت قوى إقليمية ودولية عديدة على الساحة السورية، طمعاً فى حل عسكري، أو انتصار موعود، أو نفوذ إقليمي، أو حسم لصالح طرف من الأطراف توهم أن ذلك يتم بقوة السلاح والوجود على الارض وإنفاق المليارات على السلاح والميليشيات والجماعات، بينما ظلت مصر متشبثة برؤيتها: لا حل عسكريًا فى سوريا، لا فرض لإرادة طرف على طرف، لا بديل عن التسوية السياسية التى تحفظ وحدة الارض والشعب من خلال حوار بين معارضة موحدة والنظام الحاكم من أجل دولة سورية وطنية ديمقراطية موحدة تسع جميع ابناء شعبها وتحقن دماءهم.
واليوم، وبعد ان احترقت أيدى الجميع فى سوريا، وتراجعت الأوهام، واكتوى الشعب السورى بنار الجميع، عاد العالم إلى المربع الأول: مربع الرؤية المصرية التى جدد تأكيدها الرئيس السيسى فى نيويورك عندما قال:
"إن المخرج الوحيد الممكن من الأزمات التى تعانى منها المنطقة العربية هو التمسك بإصرار بمشروع الدولة الوطنية الحديثة التى تقوم على مبادئ المواطنة والمساواة وسيادة القانون وحقوق الإنسان وتتجاوز بحسم محاولات الارتداد للولاءات المذهبية أو الطائفية أو العرقية أو القبلية، إن طريق الإصلاح يمر بالضرورة عبر الدولة الوطنية ولا يمكن أن يتم عبر أنقاضها، هذا المبدأ هو باختصار جوهر سياسة مصر الخارجية وهو الأساس الذى نبنى عليها مواقفنا لمعالجة الأزمات الممتدة فى المنطقة، فلا خلاص فى سوريا الشقيقة إلا من خلال حل سياسى يتوافق عليه جميع السوريين، ويكون جوهره الحفاظ على وحدة الدولة السورية وصيانة مؤسساتها وتوسيع قاعدتها الاجتماعية والسياسة لتشمل كل أطياف المجتمع السورى ومواجهة الإرهاب بحسم حتى القضاء عليه، والطريق لتحقيق هذا الحل هو المفاوضات التى تقودها الأمم المتحدة، والتى تدعمها مصر، بنفس القوة التى ترفض بها أى محاولة لاستغلال المحنة التى تعيشيها سوريا لبناء مواطئ نفوذ سياسية إقليمية أو دولية، أو تنفيذ سياسات تخريبية لأطراف إقليمية طالما عانت منطقتنا فى السنوات الأخيرة من ممارساتها وقد آن الأوان لمواجهة حاسمة ونهائية معها".
الدولة الوطنية الحديثة الموحدة والقادرة والعادلة، هى الطريق لتجاوز الأزمات وتحقيق طموحات الشعوب العربية، هذه هى القاعدة التى تتمسك بها مصر فى مواجهة مخططات التفتيت والفوضى الهدامة التى تستهدف هذه منطقتنا فى السنوات الاخيرة.
ما بين الدورة الماضية للجمعية العامة للأمم المتحدة ودورة هذا العام، شهد العالم أحداثا إرهابية متتابعة فى العديد من دوله ومناطقه، ودفع الآلاف من الأبرياء حياتهم وأمنهم ثمنا للعمليات الارهابية، أو فى حروب مقاومتها، وبعد جهد مكثف فى مجلس الامن الدولى بصفة خاصة، ثم فى القمة الامريكية الاسلامية بالرياض، بدا العالم أكثر اقتناعا بالتصور المصرى بشأن مكافحة الارهاب بشكل شامل: مكافحة الافكار المتطرفة التى تشجع عليه، ومكافحة التنظيمات الارهابية دون انتقائية، وملاحقة ممولى وداعمى الارهاب سياسيا وماليا واعلاميا، دولا كانوا أو تنظيمات أو دويلات.
لهذا، كان الوقت مواتياً لكى يؤكد الرئيس للعالم فى كلمته أمام الجمعية العامة على أنه:
"لا يمكن تصور وجود مستقبل للنظام الإقليمى أو العالمى بدون مواجهة شاملة وحاسمة مع الإرهاب تقضى عليه وتستأصل أسبابه وجذوره، وتواجه بلا مواربة كل من يدعمه أو يموله أو يوفر له منابر سياسية أو إعلامية أو ملاذات آمنة، وبصراحة شديدة فلا مجال لأى حديث جدى عن مصداقية نظام دولى يكيل بمكيالين ويحارب الإرهاب فى الوقت الذى يتسامح فيه مع داعميه، بل ويشركهم فى نقاشات حول سبل مواجهة خطر هم صناعه فى الأساس، ويتعين على أعضاء التحالفات الدولية المختلفة الإجابة عن الأسئلة العالقة التى نطرحها من منطلق الإخلاص لشعوبنا، والتى يمتنع عن الإجابة عليها كل من يفضل المواءمة والازدواجية لتحقيق مصالح سياسية على أنقاض الدول ودماء الشعوب التى لن نسمح أن تضيع هدرا تحت أى ظرف كان.
كما يجب علينا فى العالم الإسلامى أن نواجه الحقائق بصراحة ونعمل سويا على تصويب المفاهيم الخاطئة التى باتت منبعا إيديولوجيا للإرهاب والإرهابيين وفكرهم الظلامى الهدام، وكما تتذكرون فقد أطلقت مصر مبادرة لتصويب الخطاب الدينى بهدف الرجوع إلى القيم الأصيلة والسمحة للإسلام وهو ما تعكف المؤسسات الدينية المصرية العريقة على الاضطلاع به فى الوقت الراهن مع تعاونها فى هذا الشأن مع كافة الجهات المعنية على مستوى العالم".
وأكد الرئيس هذه الفكرة خلال اجتماعه بالشخصيات المؤثرة فى المجتمع الأمريكى حيث قال: "أن مصر تخوض حرباً ضد الإرهاب والتطرف على مدار السنوات الماضية، وأن تلك الحرب لا يمكن مقارنتها بالحرب النظامية، لكن يجب أن يتعامل معها المجتمع الدولى بمنهج شامل يتضمن أربع ركائز تشمل: مواجهة كافة التنظيمات الإرهابية دون تمييز، والتعامل مع مختلف أبعاد الإرهاب كالتمويل والتسليح والدعم السياسى والأيديولوجي، والعمل على الحد من قدرة التنظيمات الإرهابية على تجنيد المقاتلين، والحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية فى المنطقة".
حضور مصر لقمة مجلس الأمن بشأن اصلاح عمليات حفظ السلام الدولية، كان حدثاً تاريخياً، فهذه هى المرة الثانية التى تشارك فيها مصر فى قمة لمجلس الأمن الدولي، كما أن للقوات المصرية سجلا حافلا من المساهمة فى عمليات حفظ السلام، ولأبناء مصر سمعة طيبة فى النزاهة والانضباط والاداء الاحترافى ضمن هذه القوات. وفى هذه القمة أكد الرئيس على أن:
"مصر من أوائل الدول الداعمة لعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، بدءاً بمشاركتها فى أول مهمة حفظ سلام متعددة الأبعاد فى الكونغو عام 1960، وانتهاءً بكونها سابع أكبر الدول مساهمة بقوات فى مهام حفظ السلام الأممية حالياً. وقد وصل عدد البعثات التى شاركت فيها مصر إلى 37 بعثة أممية، بإجمالى قوات تجاوز 30 ألف فرد منذ بداية مشاركتنا فى عمليات حفظ السلام، فى آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا. إن حفظ السلام لا يمكن أن يكون هو رد الفعل المبدئى لكل أزمة وفى هذا الإطار، فقد حرصت مصر خلال الأعوام الثلاث الماضية على الدعوة لتبنى مقاربة استراتيجية جديدة، تتعامل مع عمليات حفظ السلام فى إطار مفهوم يتضمن خطط عمل سياسية وبرامجية وعملياتية متكاملة".
كما أكد الرئيس "على مواصلة مصر القيام بدورها الإقليمى والدولي، وبذل كافة الجهود للقضاء على تحديات السلم والأمن الدوليين وإرساء السلام والاستقرار، بما فى ذلك من خلال مشاركتها النشطة فى المنظمات الدولية والإقليمية، واستمرار الارتقاء بمساهماتها فى عمليات حفظ السلام".
ويرى تحليل هيئة الاستعلامات أن ملف الاقتصاد المصرى وما حققه من خطوات إصلاح مبشرة، وما يتيحه من فرص للاستثمار والتعاون الاقتصادى والتجاري، كان من أبرز اهتمامات الرئيس فى نيويورك، فى مناسبات عديدة أهمها لقاء الرئيس مع غرفة التجارة الأمريكية حيث "استعرض الرئيس خلال اللقاء التقدم المحرز فى مصر خلال الفترة الماضية على صعيد تدعيم الأمن والاستقرار رغم الوضع الإقليمى المتأزم، بالإضافة إلى عرض إجراءات الإصلاح الاقتصادي، وما نتج عنها من استقرار فى سوق النقد الأجنبى وزيادة ملحوظة فى الاحتياطى منه، فضلاً عن التدابير الجارية اتخاذها لإصلاح منظومة الدعم وتحسين بيئة الاستثمار وتشجيعه. كما أكد حرص الدولة على إجراء الإصلاح الاقتصادى بالتوازى مع التوسع فى شبكات وبرامج الحماية الاجتماعية بما يُمكّن محدودى الدخل والفئات الأكثر احتياجاً من مواجهة تداعيات القرارات الاقتصادية، وتطرق الرئيس أيضاً إلى المشروعات القومية الجارى تنفيذها، وعلى رأسها مشروع التنمية بمنطقة قناة السويس، بالإضافة إلى العاصمة والمدن الجديدة الجارى إنشاؤها".
كما التقى الرئيس عبد الفتاح السيسى مع مجلس الأعمال الدولي، وهو منظمة أمريكية غير حكومية هدفها تشجيع إقامة الحوار بين القادة السياسيين ومجتمعات الأعمال فى مختلف دول العالم، ويضم فى عضويته عددًا من مديرى كبرى الشركات الأمريكية وصناديق الاستثمار وشركات إدارة الأصول المالية، وأكد الرئيس جدية توجه الحكومة المصرية لجذب الاستثمارات لتحقيق نقلة نوعية فى الاقتصاد المصري، وأشاد بدور الشعب المصرى وتفهمه للقرارات الاقتصادية القاسية التى تم اتخاذها للتعامل مع الاختلال الهيكلى المزمن فى الاقتصاد بهدف توفير مستقبل أفضل، واستعرض الرئيس الخطط التى تنفذها الحكومة من أجل النهوض بالاقتصاد وتوفير مناخ جاذب للاستثمار.
وفى لقائه بمجموعة من الشخصيات المؤثرة بالمجتمع الأمريكى قال الرئيس "إن تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى لم يكن ممكناً دون تفهم الشعب المصرى لأهمية اتخاذ قرارات صعبة لعلاج المشكلات الاقتصادية المزمنة، منوهاً إلى أن برنامج الإصلاح الاقتصادى بدأ يؤتى ثماره وأن الاحتياطى من النقد الأجنبى وصل إلى المعدلات التى كان عليها قبل عام 2011. واستعرض الرئيس الإجراءات التى تم اتخاذها لتوفير بيئة جاذبة للاستثمار، فضلاً عن المشروعات القومية التى تنفذها الدولة، لاسيما فى مجالات البنية الأساسية، وكذا العاصمة والمدن الجديدة الجارى إنشاؤها فى مختلف أنحاء مصر.
كما التقى الرئيس السيسى جيم يونج كيم رئيس البنك الدولي، وأعرب الرئيس عن تقدير مصر لجهود البنك الدولى فى دعم مصر على مختلف المستويات، سواء من خلال تنفيذ المشروعات التنموية وتوفير الدعم الفني، أو تعزيز دور القطاع الخاص، بالإضافة إلى دعم تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي، والذى تم فى إطاره ضخ شريحتين من القرض المقدم لمصر من البنك بقيمة مليار دولار لكل شريحة.
ولقى صوت الرئيس صدى إيجابياً سريعاً من جهات اقتصادية عديدة، حيث تحدث "مايرون بريليانت" نائب رئيس غرفة التجارة الأمريكية عن الزيارات المتعددة التى نظمتها الغرفة للوفود الاقتصادية الامريكية إلى مصر، واستعرض الأنشطة المختلفة التى تقوم بها الغرفة من أجل تعزيز التعاون التجارى بين البلدين، مشيراً إلى تشكيلها لمجموعة عمل لدراسة الامكانات المتاحة لإقامة منطقة تجارة حرة بين البلدين، فضلاً عن اقتراحها تنظيم منتدى للاستثمار فى مصر خلال العام القادم لعرض الفرص الاستثمارية المتاحة أمام الشركات الأمريكية.
كما علق "جيمس هارفون" أحد أبرز رجال الاقتصاد فى العالم قائلا: "إن الرئيس عبد الفتاح السيسى تحدث لعدد كبير من رجال الأعمال والمستثمرين، عن طبيعة الاستثمار داخل مصر، ومنهم من لم يستثمر أموالاً فى مصر من قبل، موضحاً أن انطباع الموجودين كان إيجابياً، وتأكدوا بعد مغادرتهم أن قيادة الرئيس السيسى ستؤدى إلى نجاح مصر، وسيفكرون فى الاستثمار بها، كما أن أداء السيسى كان مؤثراً ، وأضاف: إن أهم ما فى مصر أن شعبها لديه الامكانات الموجودة بأى مكان بالعالم، وهناك ثقة كبيرة فيه لتاريخه، مؤكداً أن مصر نجحت، ونجت من أزمات الماضى والشعب جيد والثقافة عظيمة والجغرافيا تعمل لصالح مصر".
بالإضافة إلى هذه القضايا الست، تناول الرئيس العديد من قضايا المنطقة والعالم، وكان من بين عدد قليل من قادة العالم الذين اهتموا بما تتعرض له أقلية الروهينجا فى ميانمار انطلاقا من دور مصر العالمي، ومكانتها فى العالم الإسلامي، حيث قال الرئيس أمام الجمعية العامة:
"لعل المأساة الانسانية التى تتعرض لها أقلية الروهينجا فى ميانمار مناسبة أخرى لتذكير المجتمع الدولى بمسئولياته الأخلاقية، قبل القانونية، كما عكسها ميثاق الامم المتحدة للعمل على سرعة إيجاد حل دائم، يُنهى معاناة المدنيين ويعالج جذور الأزمة التى باتت تهدد الأمن الإقليمى واستقرار دول الجوار".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة