تلك أزمتنا، الإخلاص..
نعيش فى وطن مأزوم، طوق نجاته المخلصون، ولكنه يعانى ندرة منهم، أغلبهم هناك على جبهة حرب مع الإرهاب يقاتلون ويستشهدون دون أن يجدوا التقدير الكافى أو الدعم المعنوى المناسب من جموع سخرت نفسها للسخرية من أى شىء وكل شىء على صفحات مواقع التواصل الاجتماعى بحثا عن شهرة اللايك والشير، بجانب مجموعات أخرى فى ساحة البرلمان والحركات السياسية غفلوا عن دورهم فى دعم الأبطال على الجبهة وانشغلوا باختراع معارك سطحية وتافهة وصغيرة طمعا فى مكاسب شخصية وتحقيقا لمصالح تيار سياسى يمثلونه.
قليلون حول الوطن، كثيرون يتصارعون عليه، المخلصون من أبنائه يعملون فى صمت من أجل مجد منتظر، أو خروج مأمول من عنق أزمة اقتصادية حادة وسط منطقة تموج فى الصراعات، والكثير من أولاده يرتدون ثوب الادعاء، ادعاء الوطنية فى كثير من الأحوال، وادعاء التدين فى العديد من المواقف، إخوان هاربون يدعون أن عرقهم نصرة للدين وما هم بناصريه، وشيوخ متطرفون يزعمون أن فتواهم لإعلاء شأن الدين وما هم إلا مشوهين له ولصورته، وإعلاميون وبرلمانيون يدعون الوطنية وما صراخهم باسم الوطن إلا تصفية لمصالح خاصة، وأهواء فى نفس يعقوبهم.
يقولون ما لا يفعلون، يحدثونك عن أملهم فى اقتصاد قوى، ويفعلون كل ما يشكك فى أى إنجاز على الأرض، ويرددون ما لا يؤمنون به، يقولون بأنهم فداء لمصر ولكنهم كافرون بتقديم أى دعم لدولة تحارب إرهاب متربص على حدودها، وكل ما يهم الواحد فيهم أن يرسم لنفسه صورة يبتغى من عرضها على الناس وجه مصلحته، لا وجه الله أو الوطن.
سيدنا عمر بن الخطاب وصف هؤلاء قبل مئات السنين، حينما كان مارا فى السوق ووجد رجلا يرفع «تمرة» وجدها على الأرض صارخا: «لمن هذه التمرة .. لمن هذه التمرة»، فنهره سيدنا عمر وقال له: «كلها يا بارد الورع»، أى كفاك تمثيلا ولا تشغلنا بأمر صغير عن كبائر الأمور، يشبه هذا الأمر كثيرا خط الإخوان فى التحريض على الدولة المصرية يصطادون خطأ صغيرا ويضخمون أمره، ليظهروا للناس فى ثوب أهل الوطنية المدافعين عن الحرية، بينما تاريخهم كله ضد الوطن وضد الحرية، يشبه هذا الأمر خط كثير من الإعلاميين الذين يضخمون من خطأ خصم لهم هنا أو هناك، يغفلون لبعض نجوم الفن أو السياسة أو الرياضة شتائمهم وزلات ألسنتهم وفشلهم ويفتحون أمامهم ساعات الهواء للطعن فى الناس دون دليل، بينما ينتفضون إذا أخطأ واحد من خارج دائرة علاقتهم أو كتب شاب صغير نقدا ساخرا لوزير أو مسؤول ويصورون الأمر وكأن أخلاق المجتمع تنهار.
تبالغ هذه النوعيات البشرية فى إظهار ما لا تؤمن به من أجل خدمة مصلحة ما، فيدمرون علينا حياتنا وقيمنا، وفيهم يقول الإمام السيوطى نقلا عن سفيان الثورى قوله: سيأتى أقوام يخشعون رياء وسمعة، وهم كالذئاب الضوارى، غايتهم الدنيا، وجمع الدراهم من الحلال والحرام.
قائمة طويلة تضم كتاب ونجوم مجتمع صف أول ونواب وإعلاميين ومعهم كثير من نشطاء الفيسبوك ومدعى الثورية والمعارضة الزائفة وعلى رأس قائمتهم يأتى أهل الإرهاب والخيانة من حملة كارنيه جماعة الإخوان الإرهابية، فئة منهم تتكلم عن الأخلاق وحماية المجتمع، بينما تحلل لنفسها استخدام الخبيث والقبيح من الألفاظ لمهاجمة خصومها، وفئة ثانية تغنى على الربابة أشعارا فى الوطن ومكافحة الفساد، بينما المحاكم تمتلأ بقضايا وبلاغلات عن فسادها، وفئة ثالثة يتقدمها مسؤولون يعشقون لعبة «الشماعة» يرفعون فوقها أخطاءهم وفشلهم، دون أن يحدثنا أحدهم عن ما قدمه هو لصالح هذا الوطن.
ملخص الأمر فى الإخلاص، يحتاج هذا الوطن إلى المخلصين، من يعمل ويجتهد لوجه الله والوطن سيجد من المولى كرمه وستره ورحمته عليه وعلى الوطن أجمع، ومن يعمل لهوى فى نفسه أو لمصلحة تيار بعينه لن يحصد سوى الخزى والخذلان وإن طال المدى أو قصر.
الدواء هنا فى حوار دار بين سيدنا الفضيل بن عياض وولده على، سأله الابن ذات مرة: يا أبتِ، ما أحلى كلامَ أصحابِ محمد، فرد عليه أبوه الفضيل بن عياض قائلا: يا بنىّ، أو تَدرى لِم حَلاَ؟ قال: لا يا أبت، قال: لأنّهم أرادوا به اللهَ تبارك وتعالى».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة