أحمد إبراهيم الشريف

ما أكثر المظلومين.. فصل الخريف نموذجاً

الإثنين، 25 سبتمبر 2017 06:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لماذا نشأنا نحمل ضغائن كثيرة ضد فصل الخريف، نترقبه وفى داخلنا أطنان من الرؤى المسبقة، التى تلقيناها من السابقين ومن وسائل الإعلام والوكالات الأجنبية، دون أن نختبرها أو نعرف مدى صدقها من كذبها، فهل حقًا الخريف هو «وحش» الفصول السنوية وشريرها؟
 
فى هذه المقالة سوف أتحدث عن نفسى وإحساسى بهذا الفصل، لأننى فى الحقيقة لا أعرف الباعث وراء الرؤية الغربية الكارهة لهذا الفصل والمتربصة به والقائمة على الربط بينه وبين نهايات الأشياء، والاعتقاد فى سيطرة الحالة النفسية السيئة علينا لدرجة أن يظن البعض بأن هناك علاقة بينه وبين الاكتئاب والانتحار. 
 
وانطلاقًا من كونى عادة ما أكون سعيدًا فى فصل الخريف، حاولت أن أبحث عن الأسباب، التى تجعلنى كذلك، وفى الحقيقة رأيت الكثير فى طفولتى كان فصل الخريف، يأتى والأرض تغير ثوبها بالمعنى الفعلى، فها هو الصيف يودعنا حاملا معه نبات الذرة بطوله الممل، الذى كان يغلق الأفق أمامنا تماما ولا يسمح لنا بتمام الرؤية أو الجرى واللعب، وها هى الأرض تستعد لزراعة البرسيم بلونه الأخضر المبهج، فى هذه الفترة بين انتهاء الذرة وبداية البرسيم، تكون الأرض فاتحة ذراعيها لنا لمارسة الحياة واللعب فى مساحاتها الممتدة، وتكون هناك نسمة هواء تمر تلمس وجوهنا فنبتسم.
 
فى فصل الخريف يبدأ النيل تدريجيًا التراجع عن الفيضان، لكنه لا يفعل ذلك فجأة، بل بشكل رقيق، وفى كل صباح نسرع ناحية النهر لنعرف إلى أى مدى تراجع الماء، ونتوقع ظهور أرض جديدة كان يطمرها الماء، هذه الصورة التى تتغير يوميا فى انتظار أن تجفف الشمس ما خلفه النهر فتنتشر فى الجو رائحة الماء والنباتات، التى تتنفس من جديد ويتحول الطين إلى رمل يصلح أن يكون ملعبًا لكرة القدم.
 
والخريف يعنى بالنسبة إلينا بداية دخول المدارس، التى تعنى بدورها الاستعداد بشراء ملابس ومستلزمات الدراسة، ونظل منذ أن نشتريها وحتى نذهب بها إلى المدرسة نحرجها من مخبئها نقلب فيها وننظمها ثم نخبئها، ونأخذ نفسا عميقا وننتظر.
 
وفى المدرسة فإن الأيام الأولى، قبل الدخول فى «تكدس» الكتب والواجبات المنزلية وقبل التفكير فى «التزويغ» من الحصص، تكون الأوقات جميلة والأصدقاء لديهم الكثير من الحكايات، التى تكسب اليوم جماله، وتجعل حالتنا النفسية فى أعلى عليين.
 
الخريف يعنى الاعتدال الحقيقى، فالصيف لم يرحل تمامًا فهو لا يزال يقاوم ويمد أثره فى الفضاء، خاصة وقت الظهيرة، والشتاء يتسلل إلينا يلقى بظلاله على استحياء، فهو غير قادر بعد على المواجهة، وفى كل حال نحن المستفيدين من ذلك، فملابسنا خفيفة وجميلة، واستسلامنا للشمس محتمل، وقدرتنا على اللعب والمرح خاصة وقت المغربية لا يقاوم.
 
   أقول لكم لا تضيعوا الخريف ولا تتأملوه كثيرا، بل عيشوا جماله واكتشفوا أسراره، ففى رأيى فإن الخريف فرصة للحياة ويحمل قدرة غير عادية على صناعة السعادة.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة