47 عاما على الرحيل .. عاش جمال عبد الناصر.. الأسبوع الأخير فى حياة الزعيم ..قطع إجازته المرضية التى أجبره الأطباء عليها وعاد من مرسى مطروح إلى القاهرة ..ودعا لقمة عربية طارئة لوقف مذابح أيلول الأسود

الأربعاء، 27 سبتمبر 2017 12:00 م
47 عاما على الرحيل .. عاش جمال عبد الناصر.. الأسبوع الأخير فى حياة الزعيم ..قطع إجازته المرضية التى أجبره الأطباء عليها وعاد من مرسى مطروح إلى القاهرة ..ودعا لقمة عربية طارئة لوقف مذابح أيلول الأسود جمال عبد الناصر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

كتب - أكرم القصاص

 
صور جمال عبدالناصر فى ميدان التحرير 2011، وأغانى هذه المرحلة تفرض نفسها، لم يكن كل من فى ميدان التحرير من أنصار ناصر، وأغلب من كانوا فى الميدان لم يعاصروا ناصر. فى 30 يونيو، كانت أيضا صور جمال عبدالناصر وأغانيه قادرة على إلهام الجماهير التى لم تكن أغلبها قد عاصرت عبدالناصر.
 
بعد 47 عاما على رحيله، لا يزال جمال عبدالناصر قادرا على البقاء، عبر الكثير من حملات تجاوزت انتقاد التجربة إلى الانتقام، والإلغاء. وظل بقاء الرجل فى المخيلة الشعبية عميقا، بصرف النظر عن التقييم، بل إنه فى الكثير من الحملات التى تعرض لها ناصر بالباطل، كانت المواجهة تأتى من مواطنين عاديين وليس من بين «الناصريين». 
 
 ثورة 23 يوليو قطعت 65 سنة، ولاتزال محل خلاف واختلاف، وكانت تحولا فى التاريخ والجغرافيا، بصرف النظر عن موقف الشخص منها، وجمال عبد الناصر يفرض وجوده بقوة، ويبقى حاضرا مع أجيال لم تعاصره وولد بعضهم بعد رحيله بعقد وربما عقدين.
 
كان جمال عبدالناصر ابن عصره، تولى فى عصر شديد التعقيد حربا عالمية كادت تنتهى، وحرب باردة وقوى عظمى تتصارع على النفوذ، وتسعى لاستقطاب الدول المستثقلة وبقايا استعمار يحاول التمسك بنفوذه، ولهذا كانت فكرة عدم الانحياز إبداعا لزعماء العالم الثالث بعيدا عن صراعات كانت تهدد العالم. عربيا سعى لتوحيد أهداف وثروات دول توحدها اللغة والمصير، أفريقيا وطد علاقات ودعم حركات التحرر والتنمية، إسلاميا حرص على تقوية المحور الإسلامى.
 
اقتصاديا واجتماعيا اجتهد جمال عبد الناصر للبحث عن طريق يضمن العدالة، ويضاعف من فرص الأغلبية فى الصعود الاجتماعى والاقتصادى كانت مصر منقسمة إلى طبقة شديدة الثراء وأغلبية شديدة الفقر، وطبقة وسطى تحاول البقاء. سعى لبناء تجربة اشتراكية تختلف عن تجارب الدول الشيوعية، وكانت الاشتراكية تفرض نفسها، بدا فى التصنيع والمشروعات الكبرى واستعان بخبرات وبعثات، وكانت معركة تأميم القناة والسد العالى نموذجا لمحاولة الخروج من قيود الدول الكبرى والاعتماد على الذات، ولم تكن مجرد مشروعات صناعية أو زراعية، ولكن مشروعات ثقافية. 
 
كانت الستينيات أكثر ميلا لتوسيع عائدات التنمية، اتسعت الطبقة الوسطى بانضمام الفلاحين والعمال الذين تغيرت حياتهم، وأصبح لدى أبناء الفقراء فرصة الصعود الاجتماعى بالتعليم والتقدم، ومن تفوق منهم حصل على مكانة اجتماعية نقلته اجتماعيا. الإصلاح الزراعى وتوسيع التعليم العام المجانى والعلاج ضاعفت من تأييد فئات واسعة من المصريين لجمال عبد الناصر.
 
لم يخترع جمال عبد الناصر الاشتراكية والتنمية المستقلة، وسعى إلى ترجمة الأفكار التى صاغتها نخبة سياسية وثقافية وفكرية واقتصادية للاستقلال والتنمية، كما كانت الاشتراكية طريقا تتبعه الكثير من دول العالم بحثا عن آفاق للتنمية بعد الاستقلال.
 
بالطبع كانت هناك الكثير من المميزات والانتقادات لعصر جمال عبد الناصر، مع اتفاق على شرفه وإخلاصه، اللذين استمرا حتى لحظاته الأخيرة، وبالرغم من مرور 47 عاما على رحيله لايزال عبدالناصر يعيش لدى مؤيديه، وأغلبية شعبية فى مصر والعالم العربى، وأيضا يعيش بين خصومه.
 

كتب - سعيد الشحات

 
وقائع الأسبوع الأخير من حياة جمال عبدالناصر، كانت نموذجا لعطاء نادر من رجل لم يتأخر فى تلبية نداء الواجب من أجل أمته العربية، فرغم آلام المرض وتعليمات الأطباء المشددة له بإجازة إجبارية لمدة عشرة أيام وسفره إلى مرسى مطروح، فإنه قطع الإجازة، وعاد لوقف القتال بين الجيش الأردنى وقوات منظمة التحرير الفلسطينية، والمعروفة تاريخيا بـ«أيلول الأسود»، وطوال أسبوع كامل قضاه فى مؤتمر القمة العربية الطارئ الذى دعا إليه، لم ينم إلا ساعات قليلة حتى توقف القتال، لكن بعده بساعات انتقل عبد الناصر إلى رحمة الله، وإلى وقائع هذا الأسبوع.
 

الأسبوع الأخير فى حياة الزعيم

 

 قطع إجازته المرضية التى أجبره الأطباء عليها وعاد من مرسى مطروح إلى القاهرة.. ودعا لقمة عربية طارئة لوقف مذابح أيلول الأسود.. ثم مات

 

21 سبتمبر 

 
 
توافد الرؤساء والملوك العرب إلى القاهرة فى المساء، استجابة لدعوات «عبدالناصر» لوقف نزيف الدم فى القتال الدائر فى شوارع الأردن بين الجيش الأردنى ومقاتلى منظمة التحرير الفلسطينية.
 
اجتماع-القمة-العربية-ايلول-الاسود

اجتماع القمة العربية ايلول الاسود

 
وصل الرئيس الليبى معمر القذافى ثم الرئيس السورى نور الدين الأتاسى، والباهى أدغم رئيس وزراء تونس نيابة عن الرئيس الحبيب بورقيبة، ثم الرئيس السودانى جعفر نميرى، وفى اليوم التالى وصل الأمير صباح السالم الصباح أمير دولة الكويت، والرئيس اللبنانى شارل حلو، ورئيس اليمن الجنوبية سالم ربيع، والقاضى الإيريانى ممثلا عن اليمن الشمالية، والعاهل السعودى الملك فيصل، وبدأ عبدالناصر مشاوراته معهم حتى الساعات الأولى من الصباح وسط توتر بالغ بسبب تلاحق الأحداث فى الأردن، حسبما يؤكد محمود رياض وزير الخارجية وقتئذ فى مذكراته.
 
كانت الاشتباكات تتواصل منذ 17 سبتمبر 1970، وحسب رياض: «كان الرئيس عبدالناصر قد توجه إلى مرسى مطروح لقضاء إجازة لمدة عشرة أيام، بعد أن ألح عليه الأطباء بأن تكون الإجازة شهرا كاملا، نظرا لحالته الصحية، ولكن ما كاد يقضى يومه الأول حتى أدرك الأبعاد الخطيرة التى تتجه إليها الأزمة، وهكذا قطع إجازته على الفور، مطالبا بأن تبرق إليه السفارة المصرية فى الأردن بتطورات الموقف أولا بأول».
 
تدهور الموقف بسرعة، وأرسل عبدالناصر،الفريق محمد أحمد صادق رئيس أركان الجيش المصرى إلى الأردن، حاملا طلب إلى الملك حسين لوقف القتال، لكن مهمته فشلت، ثم أرسل برقية إلى حسين فى 19 سبتمبر، ورد عليه الملك فى اليوم التالى باستجابته، لكن القتال استمر، فأرسل برقيتين جديدتين فى 20 سبتمبر، لكن الملك رد بأن الفلسطينيين لا يلتزمون، فكانت الدعوة للقمة العربية الطارئة، وأسفرت مشاوراتها على إرسال وفدها للقاء حسين وياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية.
 
عبد-الناصر-بدون-مصدر

عبد الناصر

 

22  و23 سبتمبر

 
أجرى عبدالناصر اتصالا بحسين يوم 22 سبتمبر يبلغه فيه بقرار القمة بإرسال وفد برئاسة النميرى وعضوية الباهى أدغم، والشيخ سعد العبد الله الصباح، والفريق صادق، واجتمع الوفد مع حسين يوم 23 سبتمبر، وتعذر الاجتماع مع عرفات، لكن تم الاجتماع بعدد من قادة منظمة التحرير وهم صلاح خلف «أبو إياد»،فاروق قدومى «أبو اللطف»، إبراهيم بكر، بهجت أبوغريبة، والعقيد سمير الخطيب، وتم إحضارهم من السجن، حيث كانوا تحت الأسر لدى الجيش الأردنى، ويؤكد أبو إياد فى مذكراته «فلسطينى بلا هوية»، أنه تم دعوتهم إلى قصر الحمر، وبعد المباحثات قرر «الوفد العربى» أن يعود فى المساء إلى القاهرة، ويؤكد أبو إيا: «وافق حسين على أن يطلق سراح صحابتى الثلاثة، ولكنه أصر على الاحتفاظ بى فى عمان، حيث يمكن أن أكون وفق ما قال أكثر فائدة، إلا أنه اضطر أن يرضخ للفريق صادق، الذى كررها أمامه بحزم، بأن عبد الناصر أعطاه الأمر بألا يغادر عمان إلا برفقتى».
 
 
غادر الوفد العربى عمان ومعه أبو إياد وأصحابه، وفى القاهرة، وحسب أبوإياد: «احتضنا عبدالناصر بحرارة وهو بادى السعادة لدى رؤيتنا سالمين معافين جميعا، وأخذنا فى سيارته إلى قصر القبة، حيث كان رؤساء الدول مجتمعين، وقدمت لهم عرضا عن الوضع فى الأردن، واصفا وحشية القوات الملكية»، وترك هذا الكلام أثره على بعض القادة العرب لدرجة أن البعض طالب بإرسال قوات مسلحة عربية من ليبيا والعراق وسوريا للدفاع عن المقاومة الفلسطينية، ويؤكد رياض: «كان يمثل هذا الاتجاه الرئيس القذافى، واعترض عبدالناصر قائلا: إن مهمتنا هى وقف القتال وليس توسيعه، وواجب الدول العربية فى هذه اللحظة هو إنقاذ المقاومة الفلسطينية، وتحدث الملك فيصل مؤيدا هذا الرأى».
 
يواصل «أبوإياد»: «أوصلنا عبد الناصر-القدومى وأنا- بسيارته إلى فندق هيلتون بالقاهرة، حيث كان يقيم طيلة اجتماع القمة، وفى الجناح الرئاسى طرح علينا سؤالا: ماذا تريدون أن أفعل لمساعدتكم؟ يؤكد أبو إياد أنه رد بأن حسين لن يوقف المعركة، مادام قد بقى ياسر عرفات فى عمان، واقترح عودة النميرى لتخليصه، ويقول: «المحادثات مع عبد الناصر استمرت طوال الليل -وانتهت بموافقة عبدالناصر على مشروعى».
 
يؤكد رياض: «أقنع عبدالناصر المجتمعين بضرورة استمرار الحوار مع الملك وليس مقاطعته، ومن هنا وافق المجتمعون على إرسال وفد باسمهم مرة أخرى»، ويكشف «أبوإياد»: «رفض النميرى، وقال إنه لا يريد أن يضع قدميه فى عمان، لكنه رضخ بناء لإلحاح عبدالناصر الذى كان يجله كثيرا»، يتذكر «صادق» فى مذكراته «موقع البديل الإلكترونى-28 مارس 2015»، أنه بعد هذا القرار من القمة: «اتجهت للقاء منفرد مع الرئيس عبدالناصر الذى بادرنى قائلا: «أهم شىء عندى الآن هو أن تحضر لى ياسر عرفات حيا إلى القاهرة، فعرفات يمثل الرمز الفلسطينى، ولا بد من إنقاذ هذا الرمز، عليك أن تتصرف بسرية كاملة، ولك كل الصلاحيات، بقية المهام يقوم بها وفد القمة مجتمعا، وضع خططك ونفذ التعليمات فنحن فى سباق مع الزمن».
 

24 سبتمبر

 
يقول «صادق»: إن النميرى وجه فى الساعة الحادية عشرة وعشر دقائق مساء 24 سبتمبر نداء بصوته: «الأخ المناضل ياسر عرفات، باسمى شخصيا ونيابة عن الوفد الذى وصل إلى عمان هذه الليلة، نرجو منكم أن تقترحوا علينا كيف يمكن الاتصال بكم، ومكان وموعد الاجتماع وبأى وسيلة متاحة، وبعد أكثر من ساعة على نداء «نميرى» وفى الساعة الثانية عشرة و 45 دقيقة، رد«عرفات» ببيان أذيع من راديو اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية فى دمشق، موجها إلى «النميرى» قائلا: «نقترح أن تصلوا عبر الطريق الموصل من فندق الكرمان إلى مدرسة عالية إلى مقر سفارة الجمهورية العربية المتحدة «مصر» فى جبل اللوبيدة، ويصلكم مندوب من طرفنا ليرافقكم إلى مقر الاجتماع».
 
التقى الوفد بعرفات، وفيما كان النقاش يدور حول وقف إطلاق النار، كان صادق يخطط  وينفذ فى سرية تامة عملية نقل «عرفات» إلى القاهرة، كانت هذه المهمة معقدة، لأنها ستتم من وراء ظهر المسؤولين الأردنيين، وحسب الراوية الفلسطينية، ويذكرها اللواء محمود الناطور«أبو الطيب» فى مجلده الأول «حركة فتح بين المقاومة والاغتيالات -1965 -1982»: «خلال وجود الفريق صادق فى مقر الاستخبارات العسكرية بجبل اللوبيدة،حيث لم يجد عرفات هناك،جاءت برقية أخرى مستعجلة إليه من الرئيس عبدالناصر بالتأكيد على ضرورة إحضار أبوعمار للقاهرة، فسلم صادق البرقية إلى اللواء إبراهيم الدخاخنى، لأنه كان يعلم اتصاله الدائم مع خليل الوزير «أبوجهاد» بواسطة جهاز اللاسلكى، وكان اسم «الدخاخنى» الحركى هو «أبواليسر»، وقام الدخاخنى بالتنسيق مع أبو جهاد بترتيب الأمور لانتقال أبوعمار إلى السفارة المصرية، حيث يوجد الوفد العربى.
 
يضيف «الناطور»: «طلب أبوعمار من قائد حرسه أبوحسن سلامة» دراسة خطة الوصول للسفارة المصرية، ونجحت الخطة، ومن السفارة تم تنفيذ الجزء الباقى منها، وهو خروج عرفات إلى المطار ثم إلى القاهرة، وذلك بارتداء عرفات لدشداشة وحطة وعقال كويتيين يرتديهم الشيخ سعد الصباح، وتم التغلب على مشكلة أن الشيخ سعد طويل القامة وجسده ضخم، بينما عرفات رفيع متوسط القامة، وذلك بضبط الدشداشة بحيث تبدو مناسبة، وارتدى عرفات الزى الكويتى، ويؤكد الفريق صادق، ووفقا لما نشره الكاتب الصحفى محمد أمين بعنوان «حلقات من سيرة الفريق محمد أحمد صادق» مجلة أكتوبر- القاهرة-6 نوفمبر 2011، خرج «عرفات» من السفارة المصرية إلى المطار، وكان معه سيدة مصرية عائدة إلى القاهرة وابنتها، وذلك دون أن يشعر أحد من المخابرات الأردنية، وحسب صادق: ولما وصلنا إلى مطار عمان طلبت من سائق سيارة عرفات أن يتجه مباشرة إلى الطائرة، ونزل عرفات ومعه السيدة المصرية التى لم تكن تعرفه، وصعد إلى الطائرة، وجلس فى مقعده دون أن يحس به أحد، بينما كنت أنا منهمكا فى حديث ضاحك مع أحد ضباط الجيش الأردنى الكبار، كما صافحت حرس الطائرة لأشغلهم عن متابعة الصعود إلى داخلها، وانطلقت الطائرة، ويؤكد أنه طلب من عرفات حلاقة ذقنه، لكنه عارض بشدة ثم وافق، كما طالبه بتسجيل بيان بصوته يهاجم فيه الأردن، ويعلن استمرار القتال كنوع من التمويه لاستكمال مخطط خروجه، وأقلعت الطائرة.   
 

25 سبتمبر 

 
يؤكد صادق أنه فى يوم 25 سبتمبر اتصل بالرئيس عبدالناصر الذى بادره بالسؤال: ماذا فعلت؟ أجاب  صادق: «أبوعمار» معى فى المكتب»، فرد عبدالناصر مندهشا: «معك فى القاهرة»،أجاب صادق: «نعم يا فندم هو بجوارى الآن يرتدى بدلة الياور المرافق لى»، فقال عبدالناصر: «حالا تكون عندى فورا»، يؤكد صادق: «بعد دقائق كنا فى منزل الرئيس عبد الناصر، وكان اللقاء مؤثرا وتعانق مع عرفات مرددا عدة مرات: «الحمد لله»، وأعلنت الإذاعة المصرية عن خبر وصول عرفات، ومشاركته فى القمة العربية.
 

26 سبتمبر 

 
قدم «نميرى» تقريرا إلى القمة يوم 26 سبتمبر، مؤكدا أن السلطات الأردنية لم تلتزم بوقف إطلاق النار، وأن الوفد رأى وسمع ذلك بنفسه، فارتفعت حرارة المناقشات، وبعث عبدالناصر إلى حسين رسالة شديدة اللهجة، قال فيها: «هناك مخطط لتصفية المقاومة الفلسطينية برغم كل ادعاء بغير ذلك، وإزاء ذلك كله سيعقد الرئيس نميرى مؤتمرا صحفيا يذيع فيه باسمه وباسم كامل أعضاء اللجنة التى شاركته فى مهمته تفاصيل تقريره إلينا، وإننا نشعر بحزن شديد لأن تصل الأمور بيننا إلى هذا الحد، ولكن ما يجرى الآن لا يترك لنا مجالا لغيره، فالحق أحق أن يقال، ستبقى أمتنا دائما أكبر من كل شر وأقوى من كل تدبير».
 
رد  حسين مبديا استعداده للحضور إلى القاهرة، حسب تأكيد رياض، نقل عبدالناصر هذه الرغبة إلى القمة، وكان هناك تيار يرفضها، واستمرت المناقشات أربع ساعات تبنى فيها عبدالناصر حضور حسين، وأثناء المناقشات أشار إلى ساعته قائلا: «يجب أن نتذكر أنه فى كل دقيقة تمر هناك عشرات من الفلسطينيين يسقطون قتلى، وهدفنا الآن قبل أى شىء آخر هو إيقاف تلك المذبحة»، وبعد منتصف الليل أقنع عبد الناصر المجتمعين ووجه الدعوة إلى حسين.
 

27 سبتمبر

 
وصل حسين فى الساعة الحادية عشر من صباح يوم 27 سبتمبر، وحسب سامى شرف، مدير مكتب عبدالناصر، فى مذكراته «سنوات وأيام مع جمال عبدالناصر»، فإن مناقشات القمة توصلت إلى اتفاق من 14 بندا أهمها، وقف إطلاق النار فى جميع الساحات، ودعم الثورة الفلسطينية حتى تتحقق أهدافها فى التحرير الكامل ودحر العدو الإسرائيلى الغاصب.
 
كان الحديث بين عبدالناصر وعرفات، هو أكثر ما يلفت النظر فى المناقشات الأخيرة، وحسب «شرف»، فإنها بدأت بقول عرفات: «سيادة الرئيس، كيف نستطيع أن نأتمن هؤلاء الناس، وهم هناك مصرون على التصفية، بينما نحن هنا نتباحث، لا فائدة، وليس أمامنا إلا أن نهد الدنيا على رؤوسهم ورؤوسنا، ولتكن النتيجة ما تكون»، فرد عبدالناصر على ذلك ردا متتابعا: «ياسر،لا يجب لأى شىء الآن أن يفقدنا أعصابنا، لا بد أن نسأل أنفسنا طول الوقت: ما هو الهدف؟ الهدف كما اتفقنا هو وقف إطلاق النار بأسرع ما يمكن، إننى تحركت من أجل هذا الهدف، بناء على تقديرى للظروف، وبناء على طلبك أنت لى من أول لحظة، موقفكم فى عمان مرهق، ورجالكم فى «اربد» عرضة للحصار، وقلت لك من أول دقيقة: إننا لا نستطيع مساعدتكم بتدخل عسكرى مباشر من جانبنا، لأن ذلك خطأ،لأن معناه أننى سأترك إسرائيل لأحارب فى الأردن، كما أن ذلك إذا حدث سوف يفتح الباب لتدخلات أجنبية تنتظر هذه اللحظة، إننى خلال الأيام الأخيرة فتحت لكم أبواب كل ما أردتموه من سلاح وذخيرة، كما أننى أرسلت لكم بالطائرات رجال الكتائب الفلسطينية الثلاث من جيش التحرير التى كانت موجودة على الجبهة المصرية لكى تعزز موقفكم، وأنت تعرف أننى بعثت إلى بريجنيف «سكرتير الحزب الشيوعى السوفيتى» لكى يضغط الاتحاد السوفيتى بكل قوته على أمريكا حتى لا تتدخل، وبعثت أنت تطلب منى أن أفعل ذلك وقد فعلته، كل ذلك فى سبيل أن نكسب وقتا نحول فيه دون ضربة قاسمة توجه للمقاومة، وتعوق كذلك وحدة قوى النضال العربى. إننى حرقت دمى خلال الأيام الأخيرة لكى أحافظ عليكم، وكان أسهل الأشياء بالنسبة لى أن أصدر بيانا إنشائيا قويا أعلن فيه تأييدى لكم، ثم أعطيكم محطة إذاعة تقولون منها ما تشاءون ضد الملك، ثم أريح نفسى، لكن بضميرى وبالمسؤولية لم أقبل ذلك. إننى أستطيع أن أنهى المؤتمر هذه اللحظة، وهو من وجهة النظر السياسية حقق كثيرا».
 
أضاف عبدالناصر: «ذهب الأخ نميرى وعاد بأربعة من زعماء المقاومة استخلصهم بالضغط من السجن، ثم صدر عنا تقرير نميرى والبعثة التى رافقته، تقرير أوضح الحقيقة كلها وشكل قوة ضدها سياسية هائلة، أستطيع أن أترك الأمور على هذا الحد وأستريح، ولكنى أسأل نفسى وأسألك: ما هو الهدف؟ هذا هو السؤال الذى يجب ألا ننساه، هدفنا مازال هو وقف إطلاق النار لإعطائكم الفرصة لإعادة تقدير موقفكم، وإعادة تجميع قواكم، ونحن الآن أمام فرصة للاتفاق، لك القرار، لأن موقفى من اللحظة الأولى كان من أجلكم، من أجل حمايتكم وحماية الناس الذين لا ذنب لهم، والذين هم الآن قتلى لا يجدون من يدفنهم، وجرحى لا يجدون من يعالجهم، وشاردون بين الأنقاض أطفالا ونساء يبحثون فى يأس عن أبسط حقوق للإنسان، وهو حق الأمن العام على حياته».
رد عرفات: «سيادة الرئيس لك الله.. كتب عليك أن تحمل هموم العرب كلهم وخطاياهم أيضا».
 

28 سبتمبر

 
انتهى المؤتمر وقام الرئيس بتوديع القادة والملوك، وفى الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر، وبعد توديعه أمير الكويت الشيخ سالم الصباح،  تلقى الدكتور الصاوى حبيب طبيبه الخاص اتصالا عاجلا: «توجه إلى منزل الرئيس فى منشية البكرى»، يتذكر «حبيب» فى مذكراته الخاصة أنه توجه إلى منزل الرئيس من وسط القاهرة فى نحو ثلث ساعة، ودخل إلى حجرة نومه، فوجده مستلقيا على السرير مرتديا بيجامته ورأسه مرتفع قليلا، وقال الرئيس له: إنه شعر بتعب أثناء توديعه أمير الكويت وأحس أن قدميه تكاد ألا تقويان على حمله.
 
فحصه، وحسب قوله: «لاحظت وجود عرق بارد على جبهته، كما كان وجهه شاحبا بعض الشىء، والنبض سريعا خيطيا يكاد ألا يكون محسوسا، وضغط الدم بالغ الانخفاض، وكانت أطرافه باردة، وأحسست فى الحال بخطورة الموقف، وتوجهت إلى حجرة مكتبه الملحقة بغرفة النوم أطلب من السكرتارية استدعاء الدكتور منصور فايز، والدكتور زكى الرملى فورا»، يؤكد الصاوى: «شعرت بشىء من الخوف الغامض، ووجدت نفسى أدعو له بالشفاء، وقمت بعمل رسم القلب، وبدأت العلاج وحضر الطبيبان منصور فايز، وزكى الرملى بعد نصف الساعة، واستمر العلاج لفترة دون تغيير فى رسم القلب، إلا أن بعض التحسن ظهر فى الكشف الإكلينيكى». 
 
اعتدل الرئيس قليلا ليفتح الراديو الموجود على الكومودينو بجوار السرير، وحسب الصاوى حبيب: «قال إنه يرغب فى سماع خبر فى نشرة أخبار الخامسة التى بدأت منذ قليل، ولم يذكر هذا الخبر، وظل يصغى إلى نشرة الأخبار حتى انتهت، وأغلق الراديو قائلا: «أنا استريحت يا صاوى»، وفوجئت برأسه يميل إلى الجانب فجأة، وفى الحال تحسست النبض فوجدته قد توقف،يعلق حبيب: «استراح جمال عبدالناصر، كما جاء فى آخر عبارة قالها،استراح كما جاء فى دعاء «اللهم اجعل الموت راحة لنا من كل أمر»، ومضيت إلى آخر الحجرة، وفى داخلى شعور بالحزن والمرارة، وعلى السلم الداخلى فى المنزل وجدتنى أقول لمن وجدته فى الخارج من أهل المنزل: «خلاص مفيش فايدة».
 
الجنازة
الجنازة
 
يذكر الصاوى حبيب نمط الحياة التى عاشها عبدالناصر فى عامه الأخير وحتى وفاته، وعمره 52 عاما: «بانتهاء مؤتمر القمة، كان قد مر عام على الأزمة القلبية الأولى التى كان يتعين عليه أن يغير نمط حياته بعدها، ولكنه بذل فى هذا العام مجهودا فوق الطاقة، كان يعمل أكثر من 18 ساعة يوميا، وسافر بعد ثلاثة أشهر من الأزمة إلى المغرب وليبيا، وسافر إلى موسكو مرتين والسودان وليبيا مرتين، وتنقل فى الداخل من القاهرة إلى أسوان إلى الإسكندرية ومرسى مطروح، ورأس كثيرا من المؤتمرات فى الداخل والخارج، وألقى كثيرا من الأحاديث والخطب وقابل كثيرا من المسؤولين العرب والأجانب، وقاد حرب الاستنزاف وزار الجنود فى الجبهة، وواجه غارات العمق ونقل حائط الصواريخ، وقبل مبادرة روجرز، وأخيرا ها هو يبذل جهدا خارقا ليوقف القتال بين الفرقاء العرب فى الأردن وفلسطين، وفى المقابل وفى العام نفسه زاد انسداد الشريان التاجى، فأدى ظهور بوادر ضعف فى عضلة القلب، كما زادت نسبة الكولسترول وارتفع ضغط الدم أحيانا، ومع زيادة الوزن وقلة المشى تعتبر هذه علامات منذرة بالخطر أضعاف مضاعفة فى مريض السكر عن غيره من المرضى».
 

كتبت سمر سلامة

 

كيف تحول «جمال» لأيقونة شعبية؟ 

 

 صلاح عيسى: لم يكن فاسدا.. حرص على متابعة أسعار «الجبنة البيضا» والحلاوة الطحينية

 

مصطفى بكرى: مات مديونا.. وقال لابنتيه: «أبوكم رجل فقير»

 

كمال أحمد: أعظم إنجازاته «ابن الفلاح أصبح ضابطا وقاضيا وأستاذا فى الجامعة»

 
 
 الخالدون عهدتهم أحياء.. أَوَيُرزقون؟ أجل، وهذا رزقهم أن يظلوا فى وجدان شعوبهم وذاكراتهم أيقونة تحركهم، وكان هذا نصيب الزعيم جمال عبدالناصر، الذى مر على رحيله 47 عاما، إلا أن مبادئه وأفكاره ومنجزاته مازالت حية يدين بها الشعب، الشعب الذى قال عنه الزعيم: «القائد والمعلم والخالد أبدا» فيرد الشعب: «يعيش جمال عبدالناصر.. يعيش بصوته وأحلامه فى قلوب شعوب عبدالناصر».
 
لم يترك عبدالناصر لأبنائه ميراثا بالمعنى التقليدى، ولكنه ترك إرثا سياسيا ضخما، جعل منه زعيما، اختلف حوله المؤرخون ما بين مؤيد ومعارض، إلا أن الحقيقة أنه أصاب مرات وأخطأ مرات، ولكن بقى الشخص الوحيد الذى انتقل ببلاده من براثن الإقطاع إلى صفوف الدول الصناعية، حارب بإخلاص من أجل المصلحة العليا.
 
  عبدالناصر لم يؤثر فقط فى الشعب المصرى، ولكنه  أثر فى شعوب العالم الثالث الذى عانى على مدار عقود من ويلات الاستعمار، فكان لهم مثالا للبطل الشعبى الذى يقف فى وجه الطاغية، مدافعا عن حقوق الفقراء داعما لهم ولحقوقهم، ومن  الممكن أن يكون هذا هو السبب الرئيسى فى المكانة التى حظى بها الزعيم فى قلوب البسطاء والتى استمرت حتى الآن.
 
وفى هذا السياق، يقول الكاتب الصحفى، صلاح عيسى: إن عبدالناصر حمل صفات واضحة لعموم المواطنين المصريين، كان من السهل عليهم أن يلمسونها، أهمها أنه لم يكن فاسدا، مؤكدا أن الشعب المصرى حساس تجاه حكامه ولديه صكوك تاريخية فى هذا الشأن.
 
ويضيف «عيسى»: «ظل قريبا من الحس الشعبى، وكل إجراءاته وقراراته لصالح الكادحين والبسطاء من الشعب المصرى، كان فى أصعب ظروف مصر حريصا على متابعة أسعار «الجبنة البيضا» و«الحلاوة الطحينية»،  باعتبارهما ضمن الأطعمة الشعبية، فكان حريصا على التأكد من توافرهما.
 
ويؤكد أن هذا الحس كان يصل إلى العامة، بالإضافة إلى وطنيته وحرصه الدائم على المصالح الوطنية العليا وتمسكه بالكرامة الشعبية، مشيرا إلى عبارات واضحة للزعيم أثرت فى الشخصية المصرية حتى الآن منها: «اللى مش عاجبه يروح يشرب من البحر»، و«نموت من الجوع وما نفرطش فى كرامتنا».
 
وتابع: «عبدالناصر حكم مصر 18 عاما، كانت مليئة بالمواقف الصعبة انتصارات وانهزامات، كان أصعبها أثناء عدوان 1956 عندما وقف فى الجامع الأزهر لما له من مكانة دينية ووطنية، ليعلن أن الشعب المصرى سيقاوم وسيقاتل، ولن يخشى الإمبراطوريتين الأعظم وقتها بريطانيا وفرنسا، بالإضافة إلى مشهد تأميم قناة السويس وحجم الفرحة التى زرعها بنفوس المواطنين، والتى أشعرتهم بأن هناك أملا فى الحياة، وأن هناك خطوات للأمام تتم برعاية زعيم حقيقى».
ويسرد الكاتب والنائب البرلمانى، مصطفى بكرى، مشاهد مؤثرة من حياة الزعيم، ساهمت فى تحويله لأيقونة شعبية، عبدالناصر فى إحدى المرات التى توجه فيها إلى أسوان لمتابعة مشروع السد العالى، وخلال مرور القطار الذى يستقله بمحافظة أسيوط، ألقى إحدى المواطنين بـ «صرة» على شباك الزعيم، الأمر الذى أربك الحرس الجمهورى، ظنا أن بها قنبلة أو هناك غرضا ما  لاستهداف الزعيم، إلا أنه بعد فتحها وجد بها «منديل محلاوى به رغيف بتاوى وبصلة»، فنظر عبدالناصر للأمر وطل من القطار ورفع يديه ونظر للرجل وسط الزحام وقال له: «رسالتك وصلتك يا أبويا».
 
ويشير إلى أن الزعيم فهم رسالة المواطن، وأن «الصرة» هى رمز لعمال التراحيل، فما كان منه إلا أن أعلن خلال خطابه بأسوان عن وجود تأمين صحى واجتماعى لعمال التراحيل، إضافة إلى رفع أجرهم من 12 إلى 25 قرشا، ووجه له رسالة قائلا: «رسالتك وصلت يا عم جابر».
 ويواصل «بكرى» حديثه قائلا: «فى يوم عاد الرئيس إلى منزله متأخرا فوجد ابنتيه هدى ومنى فى انتظاره، وعندما سألهما عن السبب ردت منى: رايحين بكره عيد ميلاد صاحبتنا، وعايزين نجيب فساتين جديدة، فكان رد الزعيم: أبوكم رجل فقير، فى اليوم التالى اصطحب سكرتير الزعيم ابنتيه إلى حى الجمالية، دون أن يذكر لهما السبب، ووقف أمام إحدى البيوت وقال لهما: هنا كان يسكن جمال عبدالناصر».
 
 ويؤكد  «بكرى» أن مشهد الملايين التى نزلت إلى الشوارع بعد إعلان خبر وفاة الزعيم، الذى وصل إلى انتحار البعض، يؤكد حجم الحب الذى حمله المصريون له، وأن الملايين شعرت بـ«اليتم» من بعده، وأن هذه الملايين هى من طالبته بالاستمرار بعد نكسة 67، وانتظرته فى الخرطوم لتحمل سيارته وتهتف له فى كل مكان.
 
ويختتم «بكرى» قائلا: «الرئيس لما مات وجدوا فى خزنته 2400 جنيه، وكان مديونا للبنك بسبب سلفة حصل عليها لبناء منزلين لابنتيه حتى يتمكنا من الزواج، حاله حال الملايين من المصريين، فلماذا لا يحبه المصريون؟!».
 
 «الشعب المصرى التربة الخصبة تنبت فيه البذرة وتستمر ولا ينسى أبدا من ينحازون إليه»، هكذا بدأ النائب البرلمانى كمال أحمد حديثه عن تحول الزعيم إلى أيقونة شعبية، قائلا: «الشعب المصرى ذكاؤه حاد يستطيع أن يميز بين الصدق والزيف، على الجانب الآخر الزعيم زعيم مبادئ يستهدف المصلحة العامة بدوائرها الثلاث، الأولى انحيازه للفقراء، والثانية انحيازه لأمة عربية متماسكة موحدة يكون لها قدرها، والثالثة امتداد مصر لأفريقيا واهتمامه بالحركات التحررية».
 
ويضيف: «عبدالناصر كان محبا للحرية كارها للاستعمار، دعم حركات التحرر فى أمريكا اللاتينية مثل كوبا وغيرها، كان مثالا ورمزا إنسانيا أضاء الإنسانية فى ذلك الوقت ومازال تأثيرها فى النفوس حتى الآن، وقف ضد الاستعمار واعتلى الإمبراطوريات فى العالم وانتصر».
 
وبنبرة يملؤها الحزن قال: «أصعب المواقف التى مر بها الزعيم هو انفصال مصر وسوريا فى 28 سبتمبر، وللقدر صادفت تاريخ وفاته».
 ويشدد على أن حياة الزعيم كانت مليئة بالانتصارات والنقاط المضيئة، منها الاستقلال، وسيطرة الشعب المصرى على مقدراته  الاجتماعية  والاقتصادية، ووقف سيطرة الاقطاعيين، ودعم حركات التحرر فى أفريقيا، والخليج العربى، مختتما أعظم إنجازات الزعيم: «عندما أصبح ابن الفلاح ضابطا وقاضيا وأستاذا فى الجامعة».
 
 

كتبت -زينب عبداللاه

 

 كيف صنع عبدالناصر من الشباب المدلع رجالة؟

 

الزعيم استفزته مسابقة «أبوعيون جريئة» وتعامل مع المتسابقين بروح الأب الصعيدى.. فأصبحوا ضباطا ومهندسين وخبراء فى الطاقة الذرية

 
 
فى بداية الستينيات وفى إحدى الليالى الصيفية، كان الزعيم جمال عبد الناصر يستعد للنوم، بينما يمتلئ رأسه كالعادة بما يواجه الوطن من تحديات وحروب داخلية وخارجية، فى فترة من أهم وأصعب الفترات التى مرت بمصر.
 
عبد-الناصر-عقب-التاميم-بدون-مصدر

عبد الناصر عقب التاميم

 
وبينما يتصفح الزعيم إحدى الصحف قبل نومه، قرأ خبرا عن تنظيم مسابقة للشباب فى الإسكندرية على شاطئ المعمورة بعنوان «أبوعيون جريئة». 
كان هؤلاء الشباب من ميسورى الحال وأبناء الطبقات الراقية، انشغلوا بالرقص واللهو، واهتم كل منهم بوسامته وجماله حتى يحقق الانتصار فى المسابقة، ويصبح محط أنظار جميلات المصيف الراقى بحصوله على لقب «أبو عيون جريئة». استفز عبدالناصر تنظيم مثل هذه المسابقة فى وقت تحيط بالوطن أخطار عديدة، ويواجه حروبا فى عدة جبهات، وأن يكون الشغل الشاغل لهؤلاء الشباب، الذين يعول عليهم فى النهوض بمصر ومواجهة أعدائها، تحقيق انتصارات فى مسابقات من هذا النوع.
 
أراد عبدالناصر الأب الصعيدى والزعيم المهموم بالأمة العربية، وليس مصر فقط، أن يعطى هؤلاء الشباب وغيرهم درسا فى الرجولة، وأن يقول لهم بشكل عملى أن هناك ما هو أهم بكثير من أحلامكم المرفهة، وأن هناك مهاما خطيرة تنتظركم لا تعتمد على مقاييس الجمال والرقة والفوز بأكثر عدد من المعجبات.
 أراد أن يرى هؤلاء الشباب حياة أخرى غير التى يعرفونها، ويضعون أهدافا وأحلاما أخرى غير التى تشغلهم، أراد أن يصنع منهم رجالا قادرين على حمل هموم الأمة العربية وليس مصر فقط، وأن يجعلهم صالحين لتحمل المسؤولية فى الجمهورية الوليدة التى تعتمد على الشباب، وقامت بأيدى شباب وعلى أكتافهم.
كان الدرس عمليا وسريعا وحازما، وفى السادسة صباحا، اتصل عبد الناصر بوزير الحربية، وقال له: «قبل الضهر العيال دى تكون اتجندت، ومن كان وحيدا يصدر له قرار جمهورى ويتحلق لهم زيرو، خلوهم رجالة». 
 
وحتى البنات المشاركات فى المسابقة ذهبن إلى الجيش فى إدارة الخدمات الطبية، وتعلمن التمريض والخدمات المعاونة للجنود، واستمر معسكر التجنيد والتمريض ثلاثة أشهر، فغير كثيرا فى حياة هؤلاء الفتيات.
 
 انخرط الشباب «أبوعيون جريئة» فى الجندية، ورأوا حياة أخرى غير التى يعرفونها، تبدلت أحلامهم وكبرت أهدافهم، واستطاعوا تحمل المسؤولية، وأصبح منهم ضباط جيش وأطباء ومهندسون وخبراء فى الطاقة الذرية، كتب أحدهم فى بريد الأهرام ذات مرة، أنه كان أحد هؤلاء الشباب الذين جعلهم عبدالناصر رجالة، وأنه لولا ما فعله الزعيم ما وصل لما هو فيه، حيث أصبح مهندسا للطاقة الذرية بإحدى الجامعات الأمريكية.
 
هكذا صنع عبدالناصر من الشباب المدلع والمرفه رجالة، هكذا كسر المرآة التى لا يرون فيها إلا أنفسهم، ليجعلهم ينظرون نظرة واسعة تتسع للوطن، يرون فيها تفاصيل كثيرة عميت عنها أبصارهم، ولم تصل إليها مداركهم، هكذا عالجهم من الأنانية والتفاهة وعلمهم درسا فى الرجولة، استطاعوا بعده تحمل مسؤولية وطن تحاصره التحديات.
 
اليوم تشهد مصر نفس التحديات، وتواجه أنواعا أخرى من الحروب الداخلية والخارجية، تستغيث بشبابها وتحتاجهم وتعول عليهم، وفى الوقت نفسه يتعرض الشباب لحروب تستهدف تدميره وتغييبه حتى تضرب مصر فى مقتل، سواء بتغييب الشباب بالمخدرات، أو بزرع الأفكار الناسفة فى عقولهم لصالح التطرف والإرهاب، أو ادعاءات التحرر والحريات الزائفة التى تصل إلى حد التخلى عن كل العادات والتقاليد والشرائع والقوانين.
 تحتاج مصر وشبابها الآن إلى صرخة عبدالناصر، ودعوته التى أطلقها فى الستينيات غضبا على حال مجموعة من الشباب، فبدل حالهم من حال إلى حال بجملته الشهيرة «خلوهم رجالة».
 

كتب - محمود حسن

 

هاجموه فى حياته واعتذروا له بعد مماته.. «نجم» وصفه بـ«أمير الفقراء ومؤذن الحرية والعدالة».. والشعراوى زار قبره عام 1994

 

الأبنودى صالح الزعيم بعد 40 عاما من وفاته بقصيدة.. ونزار قبانى وصفه بـ«آخر الأنبياء»

 
 
 
 
كثيرون من اختلفوا مع عبدالناصر خلافات ربما وصل بعضها إلى حد العداوة فى حياته، لكنهم بعد سنوات طويلة من مماته اعتذروا له، وعادوا عن مواقفهم.
هؤلاء الذين هاجموه فى أشعارهم أو خطبهم ومقالاتهم، كتبوا عنه بعد سنوات أدركوا فيها قدره ومكانته واعترفوا بزعام.
 
كتب عنه نزار قبانى الذى هاجمه بعد النكسة، 4 قصائد واصفا فى إحداها بـ«آخر الأنبياء»، أما الأبنودى، فبعد 40 عاما كاملة، أعلن أنه لم يكن يفهم عبد الناصر، وكتب قائلا: «الناس هتفتكرك بخشوع اليوم ده وأمس وبكرة».
 
 أما الشيخ الشعراوى فوقف بعد 34 عاما أمام قبر عبد الناصر معتذرا له، بعد أن رآه فى منامه معاتبا.
فعبد الناصر تجربة إنسانية فريدة من نوعها، تجربة يلخصها أحمد فؤاد نجم فى كلمات قلائل قائلا: «وإن كنا يوم انجرحنا كل الجراح طابت».
 
احمد-فؤاد-نجم
 
 
أحمد فؤاد نجم
 
عام 1968 وبعد هجوم ضار قاده الثنائى نجم وأمام ضد عبد الناصر تأثرا بالنكسة دخلا إلى السجن، وقال نجم: إن الزعيم أقسم ألا يخرجا من السجن طالما ظل حيا.
 
 لم يكن عبدالناصر يعلم حينها أن عامين يفصلانه عن فراق الحياة، مات جمال بينما كان نجم فى سجنه، فبكاه نجم بكاء مريرا، وجلس يكتب عنه قصيدة رثاء، فكتب يقول: «عمل حاجات معجزة، وحاجات كتير خابت، وعاش ومات وسطنا، على طبعنا ثابت، وإن كان جرح قلبنا، كل الجراح طابت».
 
ولخص أحمد فؤاد نجم حكايته مع عبد الناصر، فى لقاء تليفزيونى قائلا: «أمير الفقراء، هو بلال المؤذن اللى بشرنا بالاشتراكية والوحدة والعدالة، وكل شىء جميل فى حياتنا، لما مات كنت أنا والشيخ أمام فى المعتقل، بدأت أبكى، مش على عبدالناصر، على الحلم وأنا عرفت إيه اللى هيحصل لمصر عبد الناصر، لما أمى جت تزورنى فى الأسبوع اللى مات فيه عبد الناصر، لقيت عينيها حمراء، قلتلها إنتى كنتى بتعيطى، قالتلى آه طبعا، قلتلها بتعيطى ليه؟ ردت علينا مش جمال عبد الناصر مات؟ قلتلها يا ولية يا مجنونة واحد معتقل ابنك، ردت الأم: يا تافه، عمود الخيمة وقع يا حمار».
 
 
الابنودى
 

عبدالرحمن الأبنودى 

 
الأمر ذاته حدث للشاعر الكبير الأبنودى الذى انضم فى الستينيات إلى أحد التنظيمات الشيوعية فدخل المعتقل ورغم ذلك كتب لعبد الناصر قصيدة بعد 40 عاما من رحيله، يقول فيها: «رجعت بعد غياب، دلوقت بس اللى فهمناه، لا كان حرامى ولا كداب، ولا نهبنا مع اللى معاه، أنا بحكى عن عبد الناصر، أنا بذكرك من غير ذكرى، والناس بتفتكرك بخشوع، الأمس واليوم ده وبكرة، يبكوك بعظمة مش بدموع، يكفى نقول عبد الناصر»
 
وفى لقاء تليفزيونى يحكى الأبنودى عن عبدالناصر قائلا: «أبوه بوسطجى وما استعرش منه، تجربته فى الجيش واكتشافه للفساد، وتجربته فى الجيش لما اتحاصر فى معركة الفالوجة، هما لما وصل عبد الناصر للسلطة ما استعلاش على حد، أى فكرة مستنيرة تضىء يجيبوا صاحبها ويشتغلوا، عبد الناصر كان ملهم يختلف عن الآخرين، عبد الناصر طرح أصيل لهذه التربة المصرية، بنى مصر وناضل ضد الاستعمار، راجل نادر فى تاريخ الدنيا».
 
يحكى الأبنودى عن سجنه قائلا: «بصيت لقيت نفسى ضد عبد الناصر وأنا ابن ناس غلابة وفقراء جدا، لقيت نفسى بشتم فى عبد الناصر ورأسمالية الدولة، وعملاء الاستعمار والكلام إياه اللى كنا بنقوله، كان لى عم اسمه إبراهيم، وسألنى إلا قولى يا عبدالرحمن، أنت حبسوك ليه، قلتله الراجل اللى اسمه عبد الناصر، ما كملتش كلامى قلت الراجل اللى اسمه عبد الناصر! قالى كبرت ولبست قميص وبنطلون من خير الراجل اللى اسمه عبد الناصر، وأنت لولا عبد الناصر لا كنت اتعلمت ولا عرفت تقول الكلام اللى بتقوله ده، كان زمانك فلاح لسه بتلم لطعة القطن، ومن ساعتها بقى يكرهنى».
 
وأضاف الأبنودى: «كنت ساعتها فى السويس أيام حرب الاستنزاف، قلتله طيب والراية الصهيونية اللى منصوبة على الناحية التانية دى، قالى الراية دى مسيرها أيام وتروح، بس عبد الناصر عمره ما هيروح وهيفضل خالد، وقد كان، راحت الراية الصهيونية، وفضل عبد الناصر خالد».
 
نزار-قبانى
 

نزار قبانى

 
أما الشاعر نزار قبانى فغضب بشدة من عبد الناصر وكتب قصيدته هوامش على دفتر النكسة يقول: «لو كنت أستطيع أن أقابل السلطانْ لقلتُ له: يا سيّدى السلطانْ كلابكَ المفترساتُ مزّقت ردائى، ومخبروك دائما ورائى، يستجوبونَ زوجتى ويكتبونَ عندهم، أسماءَ أصدقائى، لو أحد يمنحنى الأمان من عسكرِ السلطان، لقُلت له: لقد خسرت الحرب مرتين، لأنك انفصلت عن قضية الإنسان».
 
تم منع نزار قبانى من دخول مصر بعد تلك القصيدة، ومنعت كتبه من البيع، فكتب خطابا لعبد الناصر يشتكى فيه، فما كان من جمال عبد الناصر إلا أن قال إذا كانت النكسة قد كسرتنا نحن القادة، فماذا عن الشعراء، ورفع كل الإجراءات التى اتخذت ضده.
 
وحين مات عبد الناصر كتب قبانى واصفا إياه بـ«آخر الأنبياء» قائلا: «لماذا قبلت المجىء إلينا؟، فمثلك كان كثيراً علينا، سقيناك سم العروبة حتى شبعت، رميناك فى نار عمان، أريناك غدر العروبة حتى كفرت، لماذا ظهرت بأرض النفاق، لماذا ظهرت؟»، ويستكمل فى مقطع آخر: «أبا خالد يا قصيدة شعر تقال، فيخضر منها المداد، إلى أين؟، يا فارس الحلم تمضى، وما الشوط، حين يموت الجواد، إلى أين؟، كل الأساطير ماتت بموتك وانتحرت شهرزاد».
 
الشعراوى-(1)
 
 

الشعراوى: أصبت ياعبد الناصر وأخطأت أنا

 
هاجم الشيخ الشعراوى جمال عبد الناصر بعد رحيله، حتى أنه سجد شكرا بعد النكسة، معتقدا أنه لو انتصر عبد الناصر لكانت الأفكار الاشتراكية التى رأى الشعراوى أنها تخالف دين الله قد انتشرت، لكنه وبعد سنوات طويلة أيضا، وفى عام 1994 زار ضريح عبد الناصر. 
ويحكى الشعراوى قائلا: «لقد أتانى عبد الناصر فى المنام ومعه صبى صغير وفتاة صغيرة، يمسك الصبى بمسطرة هندسية كبيرة والبنت تمسك سماعة طبيب ويقول لى ألم يكن لدى حق أيها الشيخ، فقلت له بلى يا عبدالناصر أصبت أنت وأخطأت أنا»، 
«وكان هذا رداً على سوء تفاهم حدث بسبب إدخال الزعيم عبد الناصر، الطب والهندسة ضمن علوم جامعة الأزهر، وهو ما اعترض عليه الشيخ الشعراوى بشدة، حيث كان يرى أن الأزهر يجب أن يركز على دراسة العلوم الدينية فقط، وكان عبد الناصر يرى أن الأزهر يجب أن يكون فيه الطبيب المسلم والمهندس المسلم الذى يعرف أصول العلوم بجانب الأمور الدينية».
 
 

زعماء الغرب اعترفوا بإعجابهم به رغم الخلافات

 
 الرئيس الفرنسى شارل ديجول: قدم لبلده وللعالم العربى كله خدمات لا تقارن.. وزير الخارجية الأمريكى هنرى كيسنجر: كان قائدًا ثوريًا محبوبًا قادرًا على الرؤية داخل قلوب شعبه ديفيد بن جوريون: ابن ساعى البريد الذى عرف كيف يزعزع الغرب وكيف يستقطب العرب.. الرئيس الأمريكى نيكسون: رأيت الشباب والشيوخ الأغنياء والفقراء الجميع ينصتون له
 
 
عاش عبدالناصر حياته محاربا للغرب الاستعمارى، وخاض ضده حربان، مرة عام 1956 ضد فرنسا وإنجلترا وإسرائيل، ومرة أخرى عام 1967 ضد إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية، لكنهم رغم هذا لم يستطيعوا إخفاء الإعجاب والتقدير له، بل واستحواذ عبدالناصر على كثير من اهتمامهم فى حياته وبعد مماته.
 
 سامى شرف، مدير مكتب الرئيس جمال عبد الناصر وسكرتيره للمعلومات، يحكى أنه قضى فترة كبيرة من حياته يجمع ما كتبه الأمريكيون والغرب عن عبدالناصر، فوجد حوالى 3 آلاف كتاب فى مكتبة جامعة أوكسفورد تتناول عبدالناصر حتى عام 2000 فقط.. «اليوم السابع» رصدت عددا من أقوال مشاهير العالم عن الزعيم:
 
شارل-
 

شارل ديجول

 
هذا الإعجاب لم ينتظر موت عبد الناصر للظهور، بل حتى إنه كان أثناء حياته، فشارل ديجول الرجل الذى كان عدوا صريحا لعبدالناصر، بسبب موقف عبدالناصر المؤيد والداعم للثورة الجزائرية، كتب لعبدالناصر بعد حرب عام 1967 خطابا، نشرت أجزاء منه ابنته الدكتورة هدى عبد الناصر، يقول فيه مواسيا إياه بعد الهزيمة: «إلى الرئيس جمال عبد الناصر. إن النصر والهزيمة فى المعارك عوارض عابرة فى تاريخ الأمم، وما يهم هو الإرادة، وفرنسا فى وقت من الأوقات- كما تتذكر ــ كان نصفها تحت الاحتلال المباشر للنازى، ونصفها الآخر خاضعا لحكومة عميلة، ولكن فرنسا لم تفقد إرادتها، وظلت طوال الوقت تسير واثقة وراء قيادتها المعبرة عن إرادتها، إن الشجاعة الحقيقية فى مواجهة المحن، وأما الأوقات السعيدة فإنها لا تستدعى هذه الشجاعة. إن سلام العالم العربى يقتضى جهودك، وأنا أول من يتفق معك على أن الأمر الواقع الذى قام عندكم الآن لا يعطى أساسا صحيحا لمثل هذا السلام».
 
وكتب ديجول ينعى عبدالناصر بعد وفاته قائلا: «الرئيس عبدالناصر، بذكائه وإرادته وشجاعته غير العادية، قدم لبلده وللعالم العربى كله خدمات لا تقارن، وفى فترة من التاريخ أقسى وأكثر إثارة عن غيرها، لم يتوقف عن الكفاح من أجل الاستقلال العربى وشرفهم وعظمتهم، وقد كنا نحن الاثنين متفاهمين جدا ونقدر بعضنا، وكذلك استطعنا إقامة العلاقات الجيدة جدا بين الجمهورية العربية المتحدة وفرنسا، التى تحكمها الصداقة بينهما والرغبة المشتركة فى العدالة والكرامة والسلام».
 
هنرى-كيسينجر
 

هنرى كيسنجر 

 
هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكى الشهير، وصاحب الجولات المكوكية، وجه يعرفه العرب جيدا، كعراب لعملية السلام المصرية الإسرائيلية، كتب يصف عبدالناصر فى مذكراته التى حملت عنوان «سنوات فى البيت الأبيض» قائلا: «عنيد يفاخر بعناده ويراه أساسياً فى سبيل توحيد العرب، ولأجل ذلك كان يرى نفسه مجبراً دوماً على معارضتنا، وفكرة الأمة العربية هى مجرد تفكير رمزى، ورؤية شبه نبوية، وحلم يستلهم من المؤمنين الحقيقيين أعمالاً بطولية».
ويستكمل كيسنجر فى مذكراته قائلا: «كانت لقسوته ليونة لأنه كان قائدًا ثوريًا محبوبًا، كان قائدًا عاطفيًا قادرًا على الرؤية داخل قلوب شعبه، وقد سبب موته المفاجئ نار الأسى ومظاهر الحزن التى لم يشهد العالم لها مثيلًا».
 
 

هنرى بايرود سفير أمريكا فى الخمسينات

فى كتابه «سنوات مع عبدالناصر»، يحكى سامى شرف نقلا عن السفير هنرى بايرود، السفير الأمريكى فى مصر خلال فترة الخمسينيات وصفه لعبد الناصر قائلا: «إنه القائد الوحيد فى العالم العربى الذى يمثل الاتجاه الجديد، والذى يمكن لدبلوماسى غربى أن يجرى معه مناقشات مفيدة متزنة».
وفى موضع آخر يقول بايرود: «لو حدث انتخاب حقيقى فى سوريا أو الأردن أو العراق لفاز ناصر بنسبة كاسحة، ويستكمل حاكيا عن العداوة بينه وبين الغرب قائلا: «لقد أدركنا استحالة قيام انقلاب يجعل منه سوكارنو آخر، فناصر لن يسقط بتذمر أو شكوى، ولن يتقوّض نظامه وينهار».
 
 

هارولد ماكميلان

 
هارولد ماكميلان لم يكن خصما عاديا لعبد الناصر، فهو الرجل الذى تولى خارجية بريطانيا عام 1955، ثم رئيسا لوزرائها بداية من عام 1957، هو واحد من العناصر الفاعلة فى مسألة شن الهجوم على مصر أثناء العدوان الثلاثى، وهو المنسق بين الأطراف الثلاثة «فرنسا، إنجلترا، إسرائيل» لشن هذا الهجوم ومهندسه.
لذا فإنه يصف عبدالناصر قائلا: «إن نجاح عبد الناصر شجع فجأة الحركات القومية، وجعلها تتصور أنها قادرة على سحق بريطانيا، ولو أن جمال عبد الناصر استقل بمصر وحدها لما كان الخطر كبيرا على مصالحنا فى العالم كله. وإننى أقول لكم صراحة إن جمال عبد الناصر كان أخطر على مصالحنا من الاتحاد السوفيتى، ولم تستطع كل جهود روسيا أن تهددنا كما استطاع أن يفعل عبد الناصر».
 

ديفيد بن جوريون

 
فى البحث الذى أجراه الباحث اللبنانى إلياس سليمان، تحت عنوان، «جمال عبد الناصر فى مذكرات بن غوريون»، مؤسس دولة إسرائيل، يقتبس سليمان من مقولة بن غوريون عن عبد الناصر، حيث يقول: «ابن موظف بريد، قائد ثورة الضباط الأحرار، الذى يعتبر البطل الطبيعى للعالم العربى، صورته التى رسمت على مئات آلاف المطبوعات والملصقات فى البيوت والدكاكين والأسواق، وفى كل أنحاء الشرق الأوسط.
 
عرف عبدالناصر كيف يزعزع الغرب، وكيف يستقطب العرب، كونهم عانوا من الاستعمار الأوروبى عشرات السنين، وعلم عبد الناصر متى يتوقف وأين، وعرف كيف تعالج الأمور مانعا بذلك انقطاع محتمل بالعلاقات مع أوروبا ومع العالم العربى».
 
ومن الأقوال المنسوبة لـ«بن غوريون» أنه قال عند وفاة عبد الناصر: «كان لليهود عدوان تاريخيان هما فرعون فى القديم، وهتلر فى الحديث، ولكن عبد الناصر فاق الاثنين معا فى عدائه لنا، لقد خضنا الحروب من أجل التخلص منه حتى أتى الموت وخلصنا منه». 
 
نيكسون-456
نيكسون

الرئيس الأمريكى نيكسون

 
يروى سامى شرف فى أحد المقالات المنشورة له، ملخص رؤية الرئيس الأمريكى نيكسون عن عبد الناصر، فيصفه فى أحد كتبه بقوله: «سريع الغضب والاشتعال، نافد الصبر، لكنى رأيت الشباب والشيوخ، الأغنياء والفقراء، الجميع ينصتون له بنظرات يعلوها الابتهاج الغامر. إن موته المفاجئ أشاع الأسى ومظاهر الحزن التى لم يشهد العالم لها مثيلا».
 
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة