حصل الكاتب السعودى محمد حسن علوان على جائزة «البوكر» فى دورتها السابقة، عن روايته «موت صغير»، الصادرة عن دار الساقى.
وفى الحقيقة فإن محمد حسن علوان بذل مجهودًا كبيرًا فى هذه الرواية، ولم يستخف بها، فسعى لها سعيها، فحصل على قدر من المعلومات التى تحيط بالإمام الأكبر ابن عربى، الشيخ الصوفى الأشهر فى دنيا الأولياء، كما أحاط بتلاميذه ومريديه وزمنه، بمن فيه من خلفاء وأمراء وقطاع طرق ورجال علم ومحبين ورجال أخذ الله بناصيتهم على طريقه.
أشياء كثيرة دفعتنى لقراءة الرواية التى يبلغ عدد صفحاتها 591 صفحة، فهى تحتوى قدرًا لا بأس به من التشويق الموزع بشكل جيد داخل الرواية، والتشويق عامل أساسى من وجهة نظرى، لا يصح أن يتنازل عنه كاتب الرواية قدر استطاعته.
كذلك فإن شخصية ابن عربى كما وردت فى الرواية، كانت بالنسبة إلىّ بها قدر من المفاجأة، فمحمد حسن علوان لم يجعل منه رجل الكرامات الذى يسير على الماء، أو يتمنى على الله فيبره، بل كان رجلًا يشبهنا تمامًا، يطارده القلق طوال الوقت، ويظل معظم الأحداث يعانى من تثبيت نفسه وعقيدته، ومطالب طوال الأمر بتطهير قلبه، يعيش طيب الحياة، ويعانى من فقرها، وتنتهى حياته وهو يعمل أجيرًا فى بستان كى يحصل على قوت يومه.
ومما استوقفنى أيضًا فى الكتابة المغايرة عن شخصية ابن عربى الحديث عن حياته العاطفية، فلم يكن الرجل الذى يتبع الطريق سعيًا إلى الله قد أغلق باب قلبه عن النساء، فإن كان هناك أربعة شيوخ قابلهم فى حياته كانت مهمتهم تثبيت عقيدته، فإن خمس نساء قابلهن فى حياته غيرن طريقة تفكيره، الأولى هى غالا ابنة فرديدريك التى لم تعره انتباهًا، والثانية هى مريم بنت عبدون، زوجته الأولى التى تبدل حالها بعد موت ابنتها فهجرته، والثالثة هى نظام، ابنة الشيخ زاهر الأصفهانى، التى ألف فيها ديوان «ترجمان الأشواق» وهى على محبتها لم تكن له، والرابعة هى فاطمة ابنة يونس والتى تركته من أجل زوجها السابق، والخامسة هى صفية، زوجة صديقه التى تزوجها بعد موت الصديق، وظلت كلما جاءت سيرة زوجها تبكى.
أما أكثر الذى استوقفنى فى الرواية فهو بدر الحبشى، المريد العظيم الذى طاف مع سيده مشارق الأرض ومغاربها، يريد المعرفة ويسعى للوصول، والذى كان نصيبه فى النهاية أن يصيبه مرض الجزام، فيحكى لابن عربى أنه ذات مرة عندما كان طفلًا فى القاهرة طلب من امرأة تضرب الودع أن تخبره أين أمه، فأخبرته بأنها ماتت بسبب «الجزام»، وعلق «بدر» على ذلك عندما جاءوا يعزلونه فى حارة الجزامى بأنه «ذاهب إلى أمه».
لن أتوقف لمناقشة فكرة الكتابة عن الصوفية أو توظيف التاريخ، ولن أذهب إلى ما ذهب إليه آخرون من كون أن هذه أصبحت الموضة الحالية فى كتابة الروايات، لأن رأيى أن المبدع يكتب فى أى موضوع يشاء، ويختار أى فكرة يريد، لكن كيف يفعل ذلك هو المهم، وما فعله الكاتب السعودى محمد حسن علوان فى «موت صغير» تجربة تستحق التوقف عندها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة