دخلت منطقة الشرق الأوسط، مرحلة جديدة من الصراع لتفتيت عدد من الدول العربية وإعادة ترسيم حدود دولة عربية فى مقدمتها العراق، وهو التحرك الذى يهدد أمن واستقرار المنطقة التى تعانى من تطلعات قوى غربية ودولية لإعادة ترسيم الحدود لخدمة أجندتها ومصالحها بالمنطقة.
وبالرغم من تكثيف الحكومة الاتحادية فى بغداد جهودها للقضاء على تنظيم داعش الإرهابى، فضل الأكراد فى إقليم كردستان وفى مقدمتهم مسعود بارزانى الإقدام على خطوة غير دستورية استفزت دول الإقليم ورفضته القوى الدولية بتنظيم استفتاء كردستان، فى خطوة أولى للتمهيد لإعلان الدولة الكردية شمال العراق واقتطاع جزء من الأراضى العراقية.
وفى الذكرى السابعة والعشرين لفرض الأمم المتحدة حظرا على الأجواء العراقية بسبب غزو الكويت، قرر المسئولون فى إقليم كردستان إعادة الجرح الغائر فى صدور العرب بتنظيمهم لاستفتاء الانفصال الـ"غيردستورى"، وهو ما يعزز النزعة الانفصالية لدى القوى الكردية الأخرى المتواجدة فى سوريا وإيران وتركيا.
لم يكن استفتاء إقليم كردستان سوى نقطة البداية فى مشروع تفتيتى كبير يتصدر مشهده الأكراد الراغبين فى إعلان دولة كردية كبرى فى ظل ارتباك أمريكى وروسى لما يجرى، وبالرغم من إعلان موسكو وواشنطن تأييدهم للحكومة الاتحادية إلا أن مواقفهم لا ترتقى لمستوى الحدث الخطير الذى يهدد بتفتيت دول عربية فى مقدمتها سوريا والعراق.
المشهد الراهن فى إقليم كردستان ينذر بحرب عالمية وشيكة تشارك فيها عدد من القوى الإقليمية وفى مقدمتها إيران وتركيا والعراق لوقف التحركات التى تجرى لإعادة ترسيم خارطة المنطقة التى عانت من الصراعات المسلحة على مدار ست سنوات.
التحرك الذى يقوده مسعود بارزانى فى شمال العراق، هو جزء من مشروع وحلم يروج له الأكراد خلال العقود الماضية، وهو إحياء دولتهم المزعومة على أنقاض الدول العربية، ويعد الاستفتاء الأخير فى شمال العراق ضربة البداية لمطالبة القوى الكردية فى شمال سوريا بدولة لهم عقب إعلانهم الإدارة الذاتية فى شمال سوريا بالرغم من رفض الحكومة والمعارضة السورية للتحرك أحادى الجانب من الأكراد.
المشهد الخافى على البعض هو تحشيد القوى الكردية للحرب المقبلة مع الأطراف الرافضة لدولتهم، فقد تمكن الأكراد خلال السنوات الأخيرة من توفير كميات كبيرة من مختلف الأسلحة فى ظل انتشار السلاح فى سوريا والعراق، واستفادت الفصائل الكردية المسلحة فى سوريا والعراق بدعم التحالف الدولى سواء ماليا أو لوجيستيا.
وفى ظل انشغال القوى الإقليمية والدولية باستفتاء انفصال إقليم كردستان العراق، نظم أكراد سوريا شرق البلاد انتخابات "الكومينات" التى تمهد للحكم الفيدرالى فى المنطقة وسط صمت عربى وترقب دولى، وتكشف التحركات التى يقودها الأكراد فى سوريا والعراق عن نية واضحة للمطالبة بالانفصال وإعلان دولة على أساس طائفى.
وتدرك الدولة العراقية خطورة انفصال كردستان عن البلاد فى ظل سعى حكام الإقليم الهيمنة على "نفط كركوك" وتوجيه ثروات الشعب العراقى لخدمة مشروع إقامة الدولة الكردية، وهو ما دفع الجيش العراقى للإعلان عن الدخول فى مناورات عسكرية واسعة مع القوات المسلحة التركية على الحدود المشتركة بين البلدين.
وتأتى زيارة وفد عسكرى عراقى برئاسة رئيس أركان الجيش العراقى الفريق عثمان الغانمى، إلى إيران فى إطار التصعيد العسكرى الذى تنتوى بغداد اللجوء إليه حال عدم خضوع حكام الإقليم لسلطة الحكومة الاتحادية التى تعتبر "الاستفتاء غير دستورى".
ولم يكن إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، دعمه بشكل رسمى للاستفتاء، إلا تحركا تقوده تل أبيب لإعادة ترسيم حدود المنطقة على قواعد تعترف بوجود إسرائيل فى قلب الشرق الأوسط ومحاولة إيجاد كيانات داعمة لها، وقد أكد نتنياهو فى تغريدة له على حسابه في موقع "تويتر": ندعم الجهود المشروعة التي يبذلها الشعب الكردى من أجل الحصول على دولة خاصة به".
ومن ضمن الإشارات السابقة لتأييد تل أبيب إقامة دولة كردية، أنه فى 2014 نقل المتحدث باسم وزير الخارجية الإسرائيلى حينها أفيجدور ليبرمان عنه قوله لنظيره الأمريكى وقتها جون كيرى، إن "العراق يتفكك أمام أعيننا وسيتضح أن إقامة دولة كردية مستقلة أمر مفروغ منه".
التحرك الإسرائيلى فى سوريا يهدد أمن واستقرار الدولة العربية وذلك بسبب تأجيج نزعة الصراعات العرقية بين العرب والأكراد شمال وشرق سوريا، وهو التهديد الأخطر على المنطقة فى ظل الدعم الأعمى الذى تقدمه دول التحالف الدولى وروسيا للقوات الكردية لمحاربة داعش فى الرقة ومنطقة الجزيرة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة