عبد الفتاح عبد المنعم

مؤرخ أمريكى يكشف سر عقدة «السى آى إيه» من فيتنام

الخميس، 28 سبتمبر 2017 12:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ظلت السياسة الخارجية الأمريكية دائما غير مرحب بها فى أغلب دول العالم، خاصة العالم الثالث، ولم يساعد سجل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «السى آى إيه» على تحسين صورة أمريكا، كما أن حرب فيتنام ساعدت على جعل أمريكا قوة استعمارية عاتية تريد أن تخضع بلدًا صغيرًا مقاومًا. وفى العقود الأولى من الحرب الباردة، كان العالم الثالث أكثر إعجابًا بالنظام الاقتصادى السوفيتى، «رأسمالية الدولة»، لا بالنموذج الأمريكى الحر.
 
وواجهت الولايات المتحدة فى عقد السبعينيات العديد من الأزمات التى جعلت هنرى كيسنجر يتحدث عن أن أمريكا تجاوزت نقطة الذروة التى تبلغها كل حضارة قبل انهيارها، وترى الدراسة التى وضعها المؤرخ الأمريكى روبرت كاجان أن الارتفاع المذهل لأسعار البترول، بالإضافة إلى السياسات الاقتصادية التى تبنتها الحكومة الأمريكية فى حرب فيتنام، إلى دخول الاقتصاد الأمريكى فى أزمة حادة. وقد هبط معدل الإنتاج القومى بمقدار %6 بين عامى 1973 و1975، وتضاعف معدل البطالة من %4.5 ليصبح %9.
 
وفى العقد التالى، تنبأ بول كيندى فى كتابه «سقوط وصعود القوى العظمى» بأن الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى يعانيان الترهل الاستراتيجى، وأن الولايات المتحدة ستكون أول المنهارين بسبب هذا الترهل، غير أن الانهيار لحق بالاتحاد السوفيتى فى نهاية العقد، لتصبح أمريكا وحدها فى العقد التالى القوة العظمى الوحيدة. ومع ذلك، فشلت فى التعامل مع العديد من القضايا، رغم أن الأمريكيين فازوا فى حرب الخليج، ووسعوا حلف الناتو شرقًا، وأحلوا السلام فى البلقان، بعد سفك الكثير من الدماء، ودفعوا العالم ليتبنى «إجماع واشنطن» حول الاقتصاد.
 
غير أن هذه النجاحات صاحبتها إخفاقات مماثلة، فقد بدأ إجماع واشنطن فى الانهيار مع الأزمة المالية الآسيوية عام 1997، حيث عُدت الوصفات والحلول الأمريكية خاطئة، وربما مدمرة. وتأخرت واشنطن فى منع كوريا الشمالية وإيران من تطوير برامج أسلحة نووية، وتقاعست عن منع الإبادة العرقية فى رواندا، ورغم أنها دعمت التحول الديمقراطى فى روسيا ما بعد الاتحاد السوفيتى، فإنها لم تستطع أن تتحكم فى مسار الأمور بعد ذلك.
 
ويقر كاجان بأن الولايات المتحدة اليوم غير قادرة على فرض إرادتها فى العديد من الملفات، ومع ذلك فقد سجلت العديد من النجاحات فى العراق، وفى الحفاظ على شبكة فعالة لمنع الانتشار النووى، وفى تدمير القاعدة، وفى تطوير الأسلحة، وفى تمتين شبكة تحالفاتها مع أوروبا، ومع العديد من القوى الآسيوية الصاعدة.
 
ومن هذا التحليل التاريخى، يؤكد كاجان أن سجل القوة الأمريكية ممتزج بالنجاح والإخفاق، فالفكرة ليست فى أن أمريكا كانت تفتقد دائمًا النفوذ العالمى. فمن الحرب العالمية الثانية حتى الآن، والولايات المتحدة هى فى حقيقة الأمر القوة العالمية المهيمنة التى اكتسبت المزيد من النفوذ منذ روما القديمة، بل وتفوقت فى هذا الصدد، غير أنها لم تكن القوة القاهرة القادرة على فعل كل شىء.
 
وإذا ما أردنا التحقق من كون الولايات المتحدة فى حالة تراجع أم لا، فنحن بحاجة إلى معايير معقولة يجب الاحتكام إليها، أما إذا قارنا نفوذ الولايات المتحدة اليوم بهيمنتها الشاملة الخرافية كما تبين، فإن هذا سيضللنا.
 
فى الجزء الأخير من الدراسة يحلل كاجان التحديات الحقيقية التى على الولايات المتحدة أن تواجهها مستقبلاً، اليوم، تبدو التحديات عظيمة، والصعود الصينى هو أكثرها وضوحًا، ولا يقارن هذا التحدى بجسامة التحدى السوفيتى السابق، فالاتحاد السوفيتى كان يمثل بموقعه وحجمه خطرًا على المصالح الأمريكية فى شرق آسيا وأوروبا والشرق الأوسط، ووجدت استراتيجية الاحتواء التى اعتمدتها واشنطن فى التعامل معه صعوبات جمة.
وبالنسبة للخطر الصينى، فالوضع معكوس، فرغم أن الصين أغنى، وستكون أغنى وأكثر تأثيرًا اقتصاديًّا مما كان عليه الاتحاد السوفيتى، فإن وضعها الاستراتيجى أكثر صعوبة. فقد تركت الحرب العالمية الصين فى وضع ضعيف نسبيا بالمقارنة، وهى تعمل بصعوبة على الخروج منه حتى الآن، وكثير من جيرانها أمم قوية، وذات علائق قوية وروابط أقوى بالولايات المتحدة.
 
وستواجه الصين وقتًا عصيبًا، فى حال أرادت أن تكون قوة إقليمية مهيمنة، ما دامت تايوان مستقلة ومرتبطة استراتيجيًا بالولايات المتحدة، وما دامت قوى، مثل اليابان وأستراليا وكوريا، مضيفة للقوات والقواعد الأمريكية. كما ستحتاج بكين إلى حلفاء لتكون لديها الفرصة فى أن تطرد الولايات المتحدة خارج معاقلها فى غرب المحيط الهادئ، ولكن إلى الآن، لا يزال للولايات المتحدة حلفائها، فضل عن هيمنتها على الممرات المائية التى لابد أن تمر بها تجارة الصين، وإجمالاً فإن مهمة الصين، كقوة عظمى صاعدة، يجب أن تدفع الولايات المتحدة من موقعها الحالى، هى أصعب من مهمة أمريكا التى ليس عليها إلا أن تحافظ على مقومات قوتها. نواصل بعد غد السبت البحث عن السؤال الصعب هل تنهار أمريكا فى العشرين عاما المقبلة؟









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة