منذ قرون طويلة تعيش الأقلية المسلمة "الروهينجا" فى بورما، تحت ذل واضطهاد "البوذيين" فى محاولة منهم لمنع انتشار الدين الإسلامى فى البلاد، وخلال السنوات الأخيرة الماضية زادت حالات التنكيل والتعذيب بكل أشكاله والقتل والاغتصاب ضد الأقلية التى تعيش فى البلاد منذ أكثر من 1000 عام.
وكعادة مصر فى مساندة الشعوب المضطهدة والأقليات المستضعفة، تناول الرئيس عبد الفتاح السيسى مع نظيره الروسى فلادمير بوتين، منذ قليل فى الصين على هامش قمة "البريكس" التطورات الأخيرة التى تشهدها ميانمار، وقد أعرب الرئيسان عن شجبهما وإدانتهما لأحداث العنف التى تشهدها البلاد، وطالبا حكومة ميانمار باتخاذ الإجراءت اللازمة لوقف أعمال العنف حتى لا يؤدى استمرارها إلى تصاعد التوتر وتغذية التطرف والإرهاب.
ومنذ نهاية شهر أغسطس الماضى وحتى اليوم، تجددت أعمال العنف مرة أخرى، بل وصلت لأعلى مستوياتها، حيث فر حوالى 87 ألفا من أبناء قبيلة "الروهينجا" من البطش الذى ترتكبه القوات الحكومية، إلى بنجلادش خلال 10 أيام فقط، فيما حرمت منظمة الغذاء العالمية 250 ألف شخص من المساعدات الإنسانية والغذائية بحجة أعمال العنف الدائرة هناك، لتشترك فى الجريمة التى يرتكبها البوذيون هناك.
الآف الروهينجا يفرون إلى بنجلاديش
الروهينجا
و"الروهينجا" طائفة عرقية مسلمة مستقلة تعيش بصفة رئيسية فى "ميانمار" – بورما سابقا – ويعود أصلهم لتجار مسلمين جاءوا من شبه الجزيرة العربية واستقروا فى المنطقة منذ أكثر من 1000 عام، ويعيش عدد منهم أيضا فى كلا من بنجلاديش والمملكة العربية السعودية وباكستان.
وتواجه تلك الأقلية التى وصفتها وسائل إعلا غربية بأنها "الأقلية الأتعس على وجه الأرض" فى ميانمار، السخرة والاضطهاد الدينى والعرقى، فهم ليس لديهم الحق فى امتلاك الأراضى، وتُفرض عليهم قيود شديدة ويعانى الكثير منهم كذلك فقرا مدقعا وليس لديهم أوراق تثبت جنسيتهم، كما ليس لديهم أى فرص عمل.
الروهينجا يفرون إلى بنجلاديش
قمع مفرط
ويواجه المسلمون فى ولاية "راخين الغربية" فى مينمار قمعا مفرطا بحيث يشعرون أن لا خيار أمامهم سوى الرحيل وترك البلاد، وهو المخطط القذر الذى تنفذه السلطات الحكومة هناك للخلاص من المسلمين هناك ومنع انتشار ديانتهم، وفى العديد من الحالات تكون الهجرة من البلاد والنزوح للدول المجاورة هو الخيار الأفضل للنجاة بأنفسهم وعائلتهم.
ويرجع التمييز العرقى ضد "الروهينجا" إلى استقلال بورما عن بريطانيا، بحسب مراقبين، لكنه ينتشر بصفة خاصة فى "راخين" حيث يواجه نحو مليون من الروهينجا عداوة شديدة من الأغلبية البوذية، ويعيشون فى ظل سياسة رسمية من الفصل العنصرى دفعتهم للعيش على هامش منطقة فقيرة أصلا.
وفى المقابل، دأبت الحكومات المتعاقبة فى ميانمار - ومنها ذات العقلية الإصلاحية فى السنوات القليلة الماضية – على بث المزاعم بأن مسلمى الروهينجا ليسوا جماعة عرقية فعليا، وأنهم فى واقع الأمر مهاجرون بنغال يعتبرون بمثابة أحد آثار عهد الاستعمار المثيرة للخلاف، ونتيجة لهذا، لا يدرجهم دستور ميانمار ضمن جماعات السكان الأصليين الذين من حقهم الحصول على المواطنة.
الفارون من مسلمي الروهينجا المتجهين لبنجلاديش
جذور مسلمو الروهينجا
ويقيم مسلمو الروهينجيا منذ وقت طويل فى ولاية "راخين"، وفى فترة سابقة كانت توجد فى الولاية دولة تحت اسم " مياو- أو" وقد تأثرت بشدة بإقليم البنغال المجاور المسلم، ولكن الجزء الأكبر من مسلمى روهينجيا دخلوا منطقة "أراكان" قبل 150 عاما عندما كانت بورما تابعة للهند البريطانية وهو أمر كان مألوفا فى تلك الفترة حيث كانت تجرى عمليات هجرة داخلية من منطقة إلى أخرى بحثا عن العمل.
بالإضافة لذلك قدم الكثير من اللاجئين إلى الأراضى البورمية فى عام 1971 هربا من الفظائع التى ارتكبها الجيش الباكستانى، ونتيجة لذلك بات عدد المسلمين الموجودين فى "ميانمار" أكثر من 800 ألف شخص يعيش معظمهم فى ولاية "راخين" ويقيم فى نفس الولاية عدد مشابه من السكان الأصليين "روهينجيا البوذيين".
وبعد اندلاع النزاع بين المسلمين والبوذيين فى تلك المنطقة وقفت السلطات الرسمية بدون تردد إلى جانب البوذيين، وذلك لأسباب ديموجرافية واقتصادية فى المقام الأول، حيث إن أعداد المسلمين تزداد باستمرار بسبب التكاثر والنزوح من بنجلادش وهو ما يجعلهم يصطدمون بالسكان البوذيين عند البحث عن الأرض ومصدر الرزق.
مسلمو الروهينجا
وقائع تاريخية
وفى عام 1946، عندما جرى الحديث عن تقسيم الهند، التقى قادة "الروهينجا" مع مؤسس باكستان الرئيس محمد على جناح، وعرضوا عليه إدراج منطقتهم فى الدولة الإسلامية المقبلة ولكن السلطات المحلية تصدت لهذه المحاولة الانفصالية وهو ما دفع السكان المسلمين للجوء إلى الكفاح المسلح واعتماد الدفاع المسلح ضد الجيش والعسكريين.
وفى عام 1848 أعلنت سلطات بورما حالة الطوارئ فى المنطقة بشكل رسمى وأجبرت المسلحين على اللجوء إلى مناطق الإدغال على الحدود مع باكستان الشرقية (بنجلاديش حاليا) واستمرت حرب الكر والفر بين الجانبين.
مسلمى الروهينجا
وتتهم السلطات البورمية كذبا مسلمى الروهينجا بعدم الرغبة فى الاندماج سلميا فى المجتمع والعيش فى سلام كما يعيش فى ميانمار غيرهم من المسلمين، ولكن مسلمى روهينجا يؤكدون على أنهم عانوا لسنوات طويلة من الحرمان من الحقوق وحظر دخول الجيش والخدمة المدنية، ومنعهم من الحصول على التعليم والحقوق الأخرى لانهم لا يتمتعون بالجنسية بالإضافة إلى العداء المسبق تجاههم من جانب قوات الأمن فى بورما وفرض القيود على هجرتهم.
والغريب فى الأمر، أنه حسب تقارير إعلامية بريطانية، فأن العمليات الدموية ضد مسلمى روهينجا تجرى بمباركة السيدة "أونج سان سو كى" حاملة جائزة نوبل للسلام التى تشغل حاليا منصب المستشار الحكومى فى الدولة ولديها صلاحيات رئيس الحكومة، وهى التى كانت مضطهدة من قبل السلطات المحلية وقبعت فى السجن وناضلت البشرية المتقدمة بأسرها من أجل الإفراج عنها.
نزوح جماعى
صمت العالم
وفى ظل هذه الأحداث المأساوية، يواجه المجتمع الدولى تلك المجازر بالصمت التام، كما لم تحرك الأمم المتحدة ساكنا ضد مرتكبى جرائم الحرب الذين يرتكبون أفعالهم الدموية بالنار والسواطير.
وتصنف الأمم المتحدة الروهينجا باعتبارهم أقلية دينية ولغوية غربى ميانمار، وتقول إنهم من بين أكثر الأقليات تعرضا للاضطهاد فى العالم.
وخلال الأعوام الثلاثة الماضية، نزح أكثر من 120 ألفا من الروهينجا من خلال قوارب فى محاولة للهرب إلى دول أخرى، بحسب وكالة الأمم المتحدة للاجئين.
ولأن كثيرين منهم لم ينجحوا فى العثور على دولة مستعدة لاستقبالهم، أصبحوا فى الواقع موضع صد ورد فى أنحاء جنوب شرقى آسيا دون أن يعثروا على موطن دائم، وتتفق غالبية وكالات الإغاثة والمنظمات غير الحكومية على أن دولا مثل تايلاند وماليزيا وإندونيسيا عليها واجب أخلاقى أن تستضيفهم طالما كان اللاجئون فى مياهها الإقليمية.
نزوح لأقلية الروهينجا
الأمم المتحدة لا تتحرك
وعلق برنامج الغذاء العالمى التابع للأمم المتحدة أعماله فى ولاية أراكان بميانمار، إثر هجوم عسكرى مضاد شنه الجيش النظامى على مناطق المسلمين.
وأعلنت الأمم المتحدة الإثنين أن 87 ألف شخص معظمهم من الروهينجا المسلمين هربوا من أعمال العنف فى بورما ولجأوا إلى بنجلادش المجاورة.
وأعلن مكتب التنسيق التابع للأمم المتحدة ان 87 الف شخص وصلوا منذ 25 أغسطس من بورما التى تشهد اعمال عنف.
صمت إعلامى
ويقول مراقبون إن وسائل الإعلام العالمية لم تستطع فهم الوضع المعقد فى ولاية راخين، حيث يعيش أبناء الروهينجا جنبا إلى جنب البوذيين، من شعب الراخين الذين يمثلون الغالبية هناك.
ويرى باحثون أنهم أكثر الأقليات تهميشا فى ميانمار، ولكن وسائل الإعلام تغفلهم، وتتعاطف فقط مع طرف واحد.
ومن المعهود فى منطقة جنوب شرق آسيا، ألا تنتقد الدول جاراتها فى شأن من شؤونها الداخلية وهذا مبدأ أساسى تتبناه منظمة "آسيان"، لكن موجة العنف فى راخين أثارت انتقادات من قبل إندونيسيا وماليزيا.
كان مجلس حكماء المسلمين فى القاهرة حذر من استمرار تقاعس المجتمع الدولى عن التدخل بحسم لإنهاء معاناة مسلمى الروهينجا فى بورما، ووقف ما يتعرضون له من قتل وتهجير، يُشَكِّلُ تهديدًا جديًّا للأمن والسلم الدوليين، ويعكس مجددًا سياسة الكيل بمكيالين تجاه القضايا والأزمات الدولية، مما يغذى مشاعر الحقد والكراهية والتطرف عبر العالم.
وشدد مجلس حكماء المسلمين على ضرورة التزام الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنظمات الدولية والإنسانية بمسؤولياتها تجاه تلك الماسأة التى تتوالى فصولها منذ سنوات، مما أدى لمقتل وتشريد مئات الآلاف من مسلمى الروهينجا، فيما فشلت السلطات البورمية فى توفير الحماية لمواطنيها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة