على حد علمى فإن دونالد ترامب، هو أكثر الرؤساء الأمريكيين تعرضاً للانتقاد منذ وصوله للبيت الأبيض، رغم أن وجوده فى الرئاسة الأمريكية لم يمر عليه أكثر من سبعة أشهر، لدرجة تشعرك أنه فى عداوة مع الجميع، فالسياسيون سواء كانوا ديمقراطيين أو جمهوريين يتصيدون له الأخطاء، وزلات اللسان، فها هو السيناتور الجمهورى جون ماكين يقول إن الكونجرس مضطر للعمل مع رئيس قليل الدراية وضعيف الخبرة وسريع الانفعال، وانتقل الداء إلى أهل الفن، وآخرهم نجمة تليفزيون الواقع الأمريكى كيم كارداشيان التى قالت إن ابنتها الصغيرة يمكنها تولى رئاسة الولايات المتحدة، وإدارتها أفضل من ترامب.
منذ إعلان فوز ترامب على منافسته الديمقراطية هيلارى كلينتون، وهو يواجه حربا شعواء فى الداخل والخارج أيضاً، وهو ما دفع كثيرين للتكهن بأن ترامب ربما لن يكمل مدته الرئاسية «أربعة أعوام»، وإذا استطاع أن يمر من كل الحملات الموجهة ضده فلن يكتب له الاستمرار لدورة رئاسية ثانية، ووصل الأمر إلى أن الحملة أصابت أركان إدارته التى اهتزت بعد أيام قليلة من حلف اليمين كرئيس بعد استقالة مستشاره للإمن القومى، مايك فيلين، على خلفية اتهامه بالتواصل مع مسؤولين روس خلال الحملة الانتخابية لترامب، وهو الاتهام الذى مازال يلاحق كل أركان الحملة، وربما يمتد إلى ترامب نفسه، آخذا فى الاعتبار أن نجله خضع لتحقيقات حول هذا الشأن، وربما تسفر الأسابيع المقبلة عن جديد، خاصة أن الإعلام الأمريكى بأكمله ومن خلفه سياسيون كبار من الحزبين نصبوا أنفسهم مدافعين عن القيم الأمريكية وضد ما سمونها بالتدخلات الروسية فى نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
الاستقالات داخل إدارة ترامب لم تقتصر على فيلين وإنما وصلت إلى سيباستيان جوركا، نائب مساعد الرئيس الأمريكى، وخبير الأمن القومى ومكافحة الإرهاب الذى عبّر فى خطاب استقالته عن عدم رضاه عن الوضع الحالى لإدارة ترامب، ومن قبله استقال دانيال كامين الذى عمل مبعوثا لوزارة الخارجية منذ العام 2016، احتجاجا على رفض ترامب إدانة النازيين الجدد، مطالبا فى رسالة استقالته بمحاكمة الرئيس، وكامين، ليس الوحيد بين المسؤولين الأمريكيين الذين استقالوا مؤخرا من مناصبهم، فى مختلف المجالات، سواء السياسية أو الفنية أو الاقتصادية، وضمّنوا استقالاتهم رسائل ضمنية، فقد تضمنت رسالة لجنة الرئيس للفنون والإنسانيات، التى استقالت بكاملها قبل أسبوعان، كلمة «قاوموا»، إذا ما تم جمع أول حرف من كل فقرة فى الرسالة، وهو شعار معارضى إدارة ترامب.
ولا ننسى أن وزيرة العدل الأمريكية سارة بيتز قدمت استقالتها بعد أيام قليلة من تعيينها فى يناير الماضى بعد رفضها الدفاع عن المرسوم المناهض للهجرة الذى يمنع مواطنى 7 دول من الدخول إلى الأراضى الأمريكية، وتبعت استقالة بيتز عدة استقالات أخرى كان أبرزها استقالة المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر الذى أعلن استقالته فى 21 يوليو الماضى، وذلك عقب 6 أشهر فقط من تولى مهامه بالبيت الأبيض، وفى 28 يوليو قام الرئيس ترامب بإقالة كبير الاستراتيجيين بالبيض الأبيض راينس بريبوس، وفى 30 يوليو الماضى قدم مدير الاتصالات بالبيت الأبيض انطونى سكاراموتشى استقالته أيضا، وبعدها قام ترامب فى مايو الماضى بإقالة جيمس كومى رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالى على خلفية التحقيق فى مزاعم التدخل الروسى فى انتخابات الرئاسة الأمريكية، كما قدم مدير قسم الاستجابة السريعة بالبيت الأبيض، آندى هيمنج، استقالته بالاتفاق مع إدارة ترامب.
وجاءت تفسيرات المراقبين لهذا الكم الكبير من الاستقالات داخل إدارة ترامب على أنها دليل حالة من عدم الانسجام الذى يهدد المستقبل السياسى للرئيس الأمريكى بعد تزايد عدد معارضيه فى الشارع، فضلاً عن وجود حالة من التخبط داخل الإدارة نتيجة غياب الدقة فى اختيار ترامب لمعاونيه، وهو ما يشير إلى مستقبل غامض فى انتظار ترامب.
السؤال الأن، هل سيصمد ترامب، أم ستكون نهايته قريبة؟.. بالطبع هناك كثيرون فى الولايات المتحدة خاصة بين الجمهوريين الذين ينتمى أليهم ترامب يتمنون اليوم الذى يتخلصون فيه من ترامب، خاصة أنه فاز على غير رغبة منهم، لذلك فكل تركيزهم الأن فى البحث عن الطرق القانونية وغير القانونية لإزاحة ترامب، وربما تكون قضية التدخلات الروسية فى الانتخابات الرئاسية هى المسلك الوحيد الذى يمكن استخدامه لضرب ترامب، الا إذا أستطاع الهروب للإمام من خلال عقد أتفاق مع الكونجرس يجنبه أى مسألة ويحميه مستقبلاً.
السؤال الآخر يتعلق بموقفنا نحن فى مصر وكعرب مما يحدث الآن فى واشنطن، خاصة أن مجىء ترامب أسهم كثيراً فى تغيير السياسة الأمريكية تجاه المنطقة وتحديداً تجاه مصر، بعدما كانت إدارة أوباما تراهن على جماعة الإخوان الإرهابية، ووقفت ضد إرادة المصريين فى ثورة 30 يونيو ليأتى ترامب ويغير هذه النظرة ويبدأ صفحة جديدة مع القاهرة، وربما تكون سياسة الرئيس الأمريكى الجديد تجاه مصر أحد العوامل المؤثرة فى الحملة التى يواجهها فى واشنطن، وهو ما يظهر من تعنت بعض رجال إدارته تجاه مصر، مثل وزارة الخارجية التى اتخذت مؤخراً قراراً غريباً بتعليق جزء من المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر تحت زعم «انتهاكات حقوق الإنسان فى مصر»، وجاء هذا القرار ليضع الكثير من علامات الاستفهام حول من يملك القرار فى واشنطن، تحديداً بعد أن أجرى ترامب اتصالا هاتفياً بالرئيس عبدالفتاح السيسى، محاولاً خلاله تجنب الآثار السلبية لقرار وزارة الخارجية التى يتحكم بها تيلرسون المعروف بقربه من قطر، وتأثره بماضيه حينما كان يتولى إدارة شركة للبترول كانت لها مصالح مباشرة مع نظام تميم فى قطر.
كلى يقين بأن مصر هى جزء أصيل مما يحدث حالياً مع ترامب، وهذه ليست مبالغة، وإنما أقرارا بالواقع الذى تعيشه الإدارة الأمريكية حالياً التى تبدو منقسمة على نفسها فيما يتعلق بالتعامل مع مصر، فرجال أوباما فى الإدارة مازالوا يمثلون قوة فى وجه ترامب، ويحاولون بشتى الطرق إفشاله فى كل الملفات الداخلية والخارجية، أن فشلت محاولتهم للإطاحة به من البيت الأبيض قبل أن تنتهى فترته الرئاسية الأولى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة