«رواية حياة» هكذا يقدم الكاتب نبيل عمر روايته «زوجات أبى» وهو توصيف جديد للسيرة الذاتية، قد يحتار البعض فى توصيف «زوجات أبى»، وهل هو رواية أم قصص قصيرة، وهو خلاف نظرى، نحن أمام عكل أدبى متعدد الطبقات والصور والمشاهد. سرد متماسك يحمل الكثير من التفاصيل الإنسانية، والراوى هو الخيط الواصل بين كل الأحداث والشخصيات.
نبيل عمر فى «زوجات أبى» الصادرة عن دلتا للنشر، لا يقدم سيرة ذاتية تقليدية، واختار نقاط تحول، لم يقدم سردا متصاعدا زمنيا أو مكانيا، لم يلتزم بتفاصيل حياته من الصغر للمراهقة والشباب أفقيا ورأسيا، يختار لحظات التحول ونقاط الانقلاب التى أثرت فى حياته، فى مشاهد مكثفة، اقرب لسيناريو، تتقطع فيه المشاهد، وتلتقى فى مساحات متباعدة.
يتوقع قارئ «زوجات أبى» الكثير من التفاصيل تتضمن اعترافات قد تبدو محرجة للبعض، ويفضل أن يخفيها الكاتب خلف أسماء وأزمنة وأمكنة مستعارة، لكن نبيل عمر يختار الاعتراف المباشر بالأسماء والأماكن والأشخاص والأحداث.
يرصد الكاتب فى مشهد مؤثر كيف أنه وهو طفل فى التاسعة استيقظ فى فجر أحد أيام شهر طوبة، عز البرد، ليجد أمه عزيزة خطاب تضع رأسها تحت ماء الصنبور، ويقول «ذهلت واقتربت منها» متسائلا: الماء ثلج؟ ردت بحزن خلع قلبى: نار قايدة فى دماغى.. بقترب منها ويطبطب عليها ويقول: كان أبى قد تزوج للمرة الثالثة أو الرابعة، لا أذكر على وجه الدقة».
ويصف شعور أمه «كان يؤلمها زواجه كل مرة، لكن لم يكن سر عذابها أو النار المشتعلة فى رأسها وإنما صورة الأيام السوداء التى ستحل بنا، قد تطول أسابيع، وربما بضعة أشهر، يغيب فيها عنا، ويختفى مثل فص ملح وذاب، وفى كل مرة ننتقل من بيتنا ونسافر بعفشنا، لنعيش مع جدتى تفيدة، وخالتى منبية فى كفر مناوهلة، حتى يتذكرنا ويعود إلينا عودة الغائب من هجرة طويلة، محملا بهدايا وألعاب ولحوم وأقفاص فاكهة وأشياء أخرى، متصورا أنه يكفر عن ذنبه، وكان شيئا لم يكن».
وهذا المشهد الذى يرسمه نبيل عمر ببراعة، يلخص مسيرة الرواية وسيرة بطلها الراوى، وعلاقاته بخالاته، واقاربه، ضمن قصص تتعلق أيضا بالزواج والطلاق.
الأم عزيزة خطاب، هى وأبناؤها ضحايا للأب المستهتر، «السيد رجب»، الذكر الحيلة الوحيد على بنات، الذى تربى دلوعة بلا مسؤوليات، اعتاد الغياب والزواج من فتيات وسيدات فى أماكن مختلفة، وبسبب هذا كانت الأم وأبنائها عرضة لهزات وأزمات ادت إلى عدم استقرار.
«عزيزة خطاب» قررت تغيير مساره ومصيره وأوصت قريبا لها بأن يدفن خلاص الطفل المقطوع بعد ولادته فى سور الجامعة، لتربطه بها وعندما يكبر يدخلها فهى لم ترد للطفل مصير والده أو أهل قريتها، وانتبهت إلى أهمية التعليم فى نجاة ابنها من الجهل.
وبالرغم أن العمل يحمل اسم «زوجات أبى» فهو لا يقدم الكثير عن الزوجات الخمس وأكثر لأبيه، باستثناء عين وابنتها بديعة، ويقدم حكايات منفصلة رابطها أنها لأشخاص أسهموا فى تشكيل وعيه وأثروا فى حياته. خالته منبية وسعدية وجابر، وقصة حبهما وطلاقهما ومأساتهما. كل هذا فى الحزء الأول من الرواية، التى تحمل كل خيوط وتفاصيل نقاط التحول فى حياة الراوى. وبالفعل تبدو الرواية مقسومة إلى جزأين، الأول يحمل نقاط التحول العائلية، والثانى يتنقل فيه الكاتب إلى عالم أوسع، يبدو بعيدا عن عالم أمه وزوجات أبيه. وهو موضوع آخر.