ضحكة صافية، لقمة هنية، شربة تروى، نظرة تسر، راحة بعد تعب، حضن دافئ يضمك إلى من تحب.. هذه هى محاسن الدنيا ومباهجها، تلك هى الغاية من كل شقاء، قليلة محاسن الدنيا، وقليلون من يدركون هذه الحقيقة، البعض تغريه الصور، البعض يغريه الزيف، البعض يغريه الإغواء بالمزيد، البعض يقع ضحية لمصاصى دماء الإنسانية الذين يتفننون فى إعلامك بمدى فقر حالك، لكن المؤكد فى كل وقت أن الحاجات الإنسانية كثيرة ومتشعبة ومعقدة، ومن لا يضع بينه وبين شهواته حدًا فاصلًا سيصل بها أو تصل به إلى درجة الجنون والشذوذ، فلا تشغل بالك بصور محاسن الدنيا، وانظر إليها فى حقيقتها المجردة، وستراها متجسدة فى أبسط المتع وأقلها تكلفة، ومفتاحك لفهم كل هذا هو كلمة واحدة.. «الرضا».
لا تحسب هنا أنى أحاول تسكينك أو إحباط روحك المتطلعة الوثابة، لكننى فحسب أريدك أن تحلم بما تريد، وأن تسعى لامتلاك ما تشتهى، لكن فى الوقت ذاته ارضَ بما تملك، لا لشىء إلا ليعينك هذا الرضا على مواصلة المسير، ليمنحك جرعة مناسبة من الفرح، ليعطيك فرصة سعيدة للاستمتاع بما تملك، أنت لن تشعر بمتعة الحياة إذا ما احتلك الغضب من الحياة.. لن ترى الإبهار فى مائدة عامرة بالخضروات والبقول والمخبوزات، إذا ما شغلت بالك مائدة أخرى تزخر باللحوم والدواجن، لن تستشعر نسمة الهواء الحانية وهى تمر على وجنتيك وأنت جالس فى الأتوبيس إذا ما خطفت عينك سيارة فارهة مسرعة، ولن ترى جمال امرأتك الكامن أبدًا إذا ما كانت عيناك تدور فى فلك الأصباغ والبوتكس.
جنة اسمها الرضا، لن يقطف من ثمرها إلا المحظوظون الذين يدركون سريعًا أن الحياة أقصر من أن نبكى عليها، وأطول من أن نعيش فيها على هامش الفرح.. الرضا نعمة، لا ينعم بها إلا المختارون الذين اختاروا أن يعيشوا خفافًا لا يحملون فى صدورهم سوى الطمأنينة، جنة تكسو عينك بالألوان، وتجعل لشربة الماء فى فمك مذاقًا نادرًا.. جنة تعلمك الاستهزاء بشقاء المتكالبين الذين لا يدركون بؤس حالهم غير متنعمين بنعمة الرضا، غير مستظلين بشجرة الرضا، جنة عرضها السموات والأرض، أول أبوابها هو أنت.
نشر هذا المقال فى الجمعة، 17 فبراير 2017.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة