فى رد فعل متوقع من الأسماء التى كشف تحقيق «اليوم السابع» السابق نشره أفكارهم غير المستقيمة والتى تتناقض مع المواقف الرسمية لمؤسستى الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف، بدأ هؤلاء المشايخ حملة لحذف آرائهم ومنشوراتهم وفيديوهاتهم التى كشفها التحقيق من على مواقع الإنترنت وصفحاتهم الشخصية على «فيس بوك».
الدكتور عبدالهادى زارع، أمين الفتوى بالأزهر الشريف، لم يكتف بمحاولاته تشويه فريق عمل التحقيق، واتهامهم بالدفاع عن الفكر الإلحادى، ولكن بدأ حذف كل منشوراته وآرائه التى يدافع عنها ويدعى أنها ليست مسيئة وأنها ملفقة.
محمد مختار جمعة وزير الأوقاف
ورغم أن زارع سعى بأكثر من طريقة لمخالفة الحقيقة، فإنه وعلى ما يبدو لم يجد بدا من أن يقوم بحذف كل تلك الآراء والفيديوهات من صفحته على «فيس بوك»، وأزال رأيه الذى أساء فيه للمسيحية والأقباط والذى نشره على فيديو لإحدى الكنائس، كما حذف تعليقه المسىء عن الدكتور جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة السابق، والذى اتهمه فيه بمعاداة الإسلام.
موقف زارع ليس مستغربا فيما يخص الحذف، لأن هذه الآراء بالفعل تستحق الحذف، لكن المستغرب هو تخبطه الشديد فى التعامل مع الأزمة التى وقع فيها بسبب أفكاره.
حيث بدأ الأزمة بالتوضيح والشرح بود وهدوء، ثم تحول للانفعال الشديد وبدأ الدفاع عن نفسه وتبرير آرائه وإلقاء الاتهامات بأن هناك من يريدون الهجوم عليه دفاعا عن الأفكار الإلحادية، ثم انتهى به الأمر بحذف آرائه التى يدافع عنها، ما يؤكد أن زارع لا يعرف كيف يعالج الأمر. فى حين علمت «اليوم السابع» أن الؤسسات الدينية استدعت بعض الشيوخ الذين كشف التحقيق تورطهم فى أراء شاذة لمواجهتهم بها فى محاولة لتصحيح الصورة والخروج من الأزمة دون إحراج لمن قاموا باختيار تلك الأسماء.
الشيخ أحمد علوان
أما الشيخ أحمد علوان، عضو قائمة الأوقاف للإفتاء والخطيب بأحد مساجد القاهرة الجديدة، وأحد ألغاز تلك القائمة، فقد أغلق كل منشورات صفحته الشخصية على «فيس بوك» والتى كانت تحمل آراءه الداعمة لجماعة الإخوان المسلمين بشدة، والتى اتهم فيها المعارضة بمعاداة الإسلام، ومنشوراته التى اتهم فيها وزارة الداخلية بقتل أعضاء جماعة الإخوان فى المحافظات، كما كانت تضم تلك المنشورات فيديو دفاعه عن زواج القاصرات.
الشيخ كرم فراج الذى كشف التحقيق هجومه على الإعلام وإطلاقه لمبادرة مقاطعة الأئمة للإعلام، كما كشف التحقيق فضيحة نشره لبوست يسب وزير الأوقاف ويتهمه بسرقة الأبحاث العلمية والكتب ونسبها لنفسه، وإساءته لمشيخة الأزهر، ودعوته لأن يكون شيخ الأزهر غير مصرى، قام هو الآخر بحذف المنشور الذى كشف إساءته لوزير الأوقاف وشيخ الأزهر، دون أن يشير أو يرد على ما نشر بالنفى أو التوضيح.
ما فعله شيوخ الفتوى الرسمية، يشير الى أمرين، أولهما هو اعترافهم بارتكاب تلك الأخطاء أو الخطايا التى نشرتها «اليوم السابع» فى تحقيقها والتى تكشف تشوهات الاختيار فى تلك القوائم، والثانى هو أن إقدامهم على هذا الحذف جاء بعد تحقيق معهم داخل مؤسسات الأزهر والأوقاف، وكيفية التعامل مع القوائم فى ظل وجود شيوخ تحمل تلك الأفكار التى تتناقض تماما مع وسطية الإسلام ومع المراد من إصدار قوائم للإفتاء.
لكن الأهم من هذه التفسيرات هو السؤال الذى يجب أن تجيب عنه المؤسستان: هل الأزمة فى المنشورات أو الفيديوهات التى تم حذفها، أم فى أفكار وعقول من كتبوا تلك المنشورات؟ وتبقى الإجابة فى انتظار قرار مؤسسة الأزهر والأوقاف الجرىء والضرورى بإعلان تنقية تلك القوائم وإعادة تقييم من تم اختيارهم لها.
- لماذا تتمسك المؤسسات الدينية بشيوخ يثيرون الجدل بفتاواهم؟.. أساؤوا لمشيخة الأزهر ووزير الأوقاف ويدعمون الإخوان ويكفرون المعارضة.. ألا يكفى ذلك لإعلان مراجعة القوائم؟
شيخ يكفر الأقباط، وآخر يحرم التعامل مع البنوك، وثالث يدافع عن زواج القاصرات ويسوق له الحجج الشرعية من القرآن والسنة، فضلا عن ذلك الذى يجاهر على صفحته الرسمية بدعم جماعة الإخوان ويتهم وزارة الداخلية بالقتل البارد، ويسب معارضة الجماعة ويصفها بمعاداة الإسلام، كل هذه الانحرافات عن فكر مؤسسة الأزهر ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف، لم تمثل دافعًا كافيًا للمؤسسات الدينية الثلاث يجعلها تراجع تلك القوائم أو تنقيها من تلك الأسماء.
سعيد عامر
ورغم التوقعات بأن يدافع أصحاب تلك الآراء عن أنفسهم بالنفى أو التوضيح، فإن حالة الاطمئنان التى اكتسبوها من صمت المؤسسات التى اختارتهم جعلتهم لا يخجلون مما نشر عنهم، باستثناء بعض منهم ممن سعوا لتكذيب ما تم نشره عنهم، ولكن دون دلائل مقنعة، مثل ما قام به الدكتور عبدالهادى زارع، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، والذى كشف تحقيق «اليوم السابع» آراءه وأفكاره الجدلية حول الأقباط والكنائس.
ومن بين ما كشفه التحقيق الذى فحص مواقف الـ186 داعية المختارين للظهور، أن هناك 8 منهم يحملون آراء غريبة، مثل الشيخ أحمد محرم الذى احتفى بفيديو اعتداء طلاب الإخوان على حلمى النمنم، وزير الثقافة، قائلا عنه: «هاجم الإسلام وسخر من أحكامه، وفكره عفن»، والشيخ كرم فراج الذى نشر على صفحته بـ«فيس بوك» اتهامات لوزير الأوقاف بسرقة الأبحاث العلمية، وطالب بأن يتولى غير المصريين منصب شيخ الأزهر.
والشيخ سعيد عامر الذى طالب مودعى الأموال فى البنوك بعدم أخذ الفوائد، ونادى بزواج المسيار واعتبره حلالا ومطلوبا لكثرة العوانس والمطلقات، والشيخ أحمد ممدوح الذى حرم القروض الشخصية من البنوك ويعتبرها ربا منهيا عنه، والشيخ عويضة عثمان الذى أفتى بأن شراء الأصوات الانتخابية حلال إذا كانت النية الإصلاح.
جابر طايع
وكشف التحقيق أيضا أن الشيخ بكر زكى عوض اتهم المسيحيين بأنهم يلصقون بالنبى كل مذمة ويصفهم بــ«الكفار» واعتبر حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان شهيدا، وطالب الإخوان باتباع مبادئه العشرين للوصول لقلوب الناس.
إضافة إلى الشيخ أحمد علوان الذى دعم الإخوان ونظامهم ورئيسهم بقوة، واتهم معارضتهم بمعارضة الإسلام، وروج على صفحته لأفكار اتهم فيها وزارة الداخلية بقتل أعضاء الجماعة.
ورغم أن الدكتور جابر طايع، رئيس القطاع الدينى بوزارة الأوقاف، أبدى اندهاشه فى مكالمة هاتفية مع «اليوم السابع» من أن القوائم ضمت بعض هذه الأسماء بالفعل، فإن وزارته لم تحرك ساكنا بعد تأكده من ذلك، ولم تعلن الوزارة تراجعها عن منح هذه الأسماء حق الفتوى للمواطنين، وكأن وزارة الأوقاف ومؤسسة الأزهر الشريف ودار الإفتاء لا يعبئون بالشرعية التى منحوها لأسماء لا تستحق تمثيل تلك المؤسسات، ولا يخيفهم أن يتسبب هؤلاء فى أزمات جديدة، كان الهدف من القوائم فى الأساس عدم تكرارها، إلا أنها بهذه الطريقة قد تتكرر بأشكال أخطر، وبشرعية أقوى، لأن أبطالها سيكونون أصحاب رخصة إفتاء رسمية، لم يفسدها ما كشفناه عن أفكارهم.
- بعد كشف «اليوم السابع» ازدرائه للمسيحية واتهامه جابر نصار بالخجل من الإسلام..إلى رئيس لجنة الفتوى بالأزهر: والله العظيم «إحنا مش ملحدين».. عبدالهادى زارع يدعى: هاجمونى لأن أفكارى تزعج أصحاب الفكر المنحرف وتوجه الإلحاد
تخيل أن تكون جالسا فى أمان الله لتجد رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، أعلى مؤسسة دينية فى مصر، يغمز ويلمز بحقك، مشيرا إلى أنك فى «زمرة الملحدين والمغرضين»، وأن ما فعلته بحكم مهنتك كصحفى، إنما هو لأنك صاحب توجه «إلحادى» و«فكر منحرف»، ماذا سيكون شعورك وأنت المؤمن والموحد بالله عز وجل المؤدى لفرائضه؟ ألن تشعر بالرعب والخوف وتتأذى؟
هذا تقريبًا ما يحدث معنا منذ عشرة أيام تقريبا، والحكاية ببساطة أننا أجرينا تحقيقًا عن العلماء الذين وردت أسماؤهم فى قائمة الفتوى الرسمية، استمعنا فيها إلى حلقات تليفزيونية سابقة ظهروا بها، وراجعنا كتبهم وتصريحاتهم الصحفية، وكذلك صفحاتهم على «فيس بوك»، فوجدنا مفاجآت صارخة، من تكفير للأقباط، وتحريم للتعامل مع البنوك، وتأييد لجماعة الإخوان واتهام معارضيهم بأنهم فاسدون، وكان بطل هذا التحقيق الأول وبلا منازع رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الدكتور عبدالهادى زارع، والذى يمتلك صفحة على «فيس بوك» تنشر كوارث حقيقية، كما ذكرنا من قبل، فمثلا نشر فيديو من صفحة مثيرة للفتنة، تحت عنوان «أم الإله» مع ضحكة ساخرة، فيه تمثال مريم العذراء يسقط فى إحدى الكنائس مع تعليق: «أرأيتم هذه العقول الضالة؟ إلههم يُحمل على أكتافهم ليوضع على القاعدة ويسجدون له، بعد أن قاموا بتجديده وأدخلوه الفرن لدهنه دوكو وتلميعه حتى يكون لونه «ميتالك»، لم يستطع أن ينقذ نفسه، وتمدد غير مأسوف عليه، حتى يحملوه مرة أخرى لورشة الإصلاح، وحلنى بقى على ما يلاقوا له قطع غيار».
ثم ينشر فيديو آخر من صفحة إخوانية مقتطع من سياقه للدكتور جابر نصار، ويكتب عليه: «هذا الرجل أفصح عن مكنون نفسه فى خجله من إسلامه، وكشف عن ضيق صدره وحرجه ممن شرح الله صدورهم للإسلام، لأن الله هداهم للإسلام».
المجال لا يتسع لإعادة ذكر كل ما قاله رئيس لجنة الفتوى بالأزهر، من نشر فيديو لعميد إحدى الكليات يشارك الطلاب بالغناء خلال حفل، فيكتب متهما إياه بالميوعة وفقدان الحياء ويختم كلامه قائلا: «صبح على العميد وشوبش»، أو يشمت فى حادث بأحد الحفلات بدبى ويقول أرسل الله عليهم ريحا صرصرا عاتية، مشبها إياهم بقوم عاد وثمود، إلى آخره من التعليقات المفجعة.
عبد الهادى زارع
نشرنا الأمر، ورجعنا هاتفيا إلى الدكتور عبدالهادى زارع، فقال لنا: «أنتم كمان هتدافعوا عن كنايس برة»، ثم يبدو أن أحدا ما قرر مراجعته، فما كان من الدكتور عبدالهادى زارع إلا أنه حذف كافة التعليقات المسيئة من على صفحته، ثم عاد ليدعى على عكس الحقيقة، أن الفيديو المنشور لم يكن لكنيسة ولكن لمعبد خاص بإحدى الطوائف فى آسيا، وأنه لم ينشره منذ 10 أشهر فقط بل من سنتين، وأرسل ردا طويلا عريضا إلى جريدة «اليوم السابع» نشرناه كاملا دون اجتزاء، يشكرنا فيه على مهنيتنا واحترامنا، وقمنا بالتعقيب على الرد ونشرنا الفيديو الأصلى كى لا يدع الأمر مجالا للشك، بأن الفيديو من كنيسة.
ظننا أن الأمر انتهى عند هذه المرحلة، وأن سلطة ما فى الأزهر ستلوم الرجل على كلماته المتطرفة بحق فيديو الكنيسة، واتهامه الدكتور جابر نصار فى دينه، لكن يبدو أن هذه السلطة غابت، لنفاجأ بعدها بهجوم من الدكتور عبدالهادى زارع على صفحته على «فيس بوك» ينشر فيه فيديو على صفحته، يقول إن هذا الفيديو هو أبلغ رد على جريدة «اليوم السابع» وعلى كل المغرضين والملحدين الذين يعبثون بكل جهل فى الدين ويزرعون الفتن، قائلا بالنص: «هذا أبلغ رد على موقع «اليوم السابع» الذى قام بنشر افتراءات كاذبة عنى، وقاموا بالبحث فى صفحتى عن أى منشورات تساعدهم فى نشر الفتنة الدينية عن جهل وعدم معرفة أو إلمام بالأمور، وتركوا ما لا يفيد اتجاههم لزرع الفتنة، ويعد هذا المنشور هو أبلغ رد عليهم وعلى كل المغرضين والملحدين الذين يعبثون بكل جهل فى الدين ويزرعون الفتن».
فكرنا وقتها أن أحدا فى الأزهر سيقول له «عيب يا دكتور زارع، أن تضع أشخاصا مثل هؤلاء فى جملة واحدة مع «المغرضين والملحدين الذين يعبثون فى الدين بكل جهل» وانتقدوا أشياء أنت نفسك شعرت بأنها تدينك وحذفتها من على صفحتك على فيس بوك، لكن يبدو أن هذا الأحد غير موجود، ففوجئنا بعدها بحوار فى مجلة «صوت الأزهر» يحاول تبييض صفحة الرجل الذى يتهم الناس فى دينهم وإيمانهم، ويسخر من الأديان الأخرى.
فى الحوار تسأله محررة صوت الأزهر: «لماذا تمت إثارة القضية فى هذا التوقيت تحديدا؟»، فيكون الرد الصادم: «لأنه منذ تم الإعلان عن قائمة المفتين فى الإعلام وكان اسمى من بينهم بدأ البحث فى مواقع التواصل الاجتماعى عن أى كلمة أو أى تعليق عابر لإثارته بغرض إثارة الفتنة والشبهة حول أعضاء هذه القائمة، ويستنبط من هذا أيضًا أن أعمال لجنة الفتوى فى القضايا الفكرية والفقهية التى تنشر وتواجه الإرهاب والتطرف والإلحاد بالتأصيل الشرعى، وبالتالى فهى أزعجت أصحاب الفكر المنحرف وأصحاب توجه الإلحاد».
هكذا إذن ببساطة، يرى الدكتور عبدالهادى زارع، أن المشكلة ليست فى «المنشورات» التى حذفها من على «فيس بوك»، ولا فى السخرية من عقائد الآخرين، أو التشكيك فى إيمان الناس، بل يمضى ليقول إن المشكلة أن أفكاره أزعجت أصحاب الفكر المنحرف والتوجه الإلحادى.
قبل سنوات طويلة ألقى أيضا أحد «مشايخ الأزهر» وهو الشيخ الغزالى كلمة فى حق الكاتب الكبير «فرج فودة» قائلا: «إنه يردد كلام أعداء الإسلام فى الخارج، ربنا يهديه وإن ما هداهوش ربنا ياخده»، فأطلق عليه موتور النار ليفارق الحياة، اليوم ومع الفارق فى المقامات، يعيد الدكتور زارع من جديد نفس الموقف، ويغمز ويلمز بأننا «أصحاب فكر منحرف وتوجه إلحادى»، وينشر هذا الكلام الخطير على مجلة الأزهر الرسمية، دون أن يقف أحد ضده، ودون أن يقول له أحد «ميصحش يا دكتور».
لا يا دكتور زارع، لسنا أصحاب توجه إلحادى، ولسنا مغرضين، بل نحن مؤمنون بالله وموحدون، كل ذنبنا أننا وقفنا ضد من يسيئون استخدام سلطتهم الدينية، بالسخرية مرة من أديان البعض، والتشكيك فى إيمان أشخاص مثل الدكتور جابر نصار واتهامهم بأنهم تضيق صدورهم من الإسلام، الأولى بك أن تراجع نفسك، أن تعتذر، بدلا من أن تمضى فى طريق الخطر، والأولى بسلطة ما داخل الأزهر الشريف أن تتدخل لتقول له كفى يا دكتور زارع، فدورك أن تواجه التطرف لا أن تكون ناشرا له، والأولى أن تعتذر عما فعلت، لا أن تشكك فى أديان الآخرين، وتضعهم فى جملة واحدة مع «المغرضين والملحدين المشككين فى الأديان».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة