«محمد نبى، وعيسى نبى، وموسى نبى، وكل من له نبى يصلى عليه، فنؤمن بالصلاة عليه، كل يقول آمين، نداء جامع شامل ملهم، أنتجته العبقرية الشعبية المصرية التى ما فتئت تعبر عن سماحتها وذكاوتها فى التعامل مع الاختلاف الدينى الذى ولدنا عليه، فصار هذا مسلما وصار هذا مسيحيا، ولا يزال يعيش بين ظهرانينا يهود بكامل الأهلية الوطنية»، هكذا يبدأ الكاتب الكبير حمدى رزق «كيرياليسون.. فى محبة الأقباط»، الذى صدر عن سلسلة الكتاب الذهبى لروزاليوسف.
«كرياليسون» مصطلح مسيحى معرب عن اليونانية يعنى «يا رب إرحم». يرددها الأقباط الشرقيون فى صلواتهم 41 مرة، وتميِّز التقليد القبطى دون غيره، ويفسر أنه إشارة إلى الـ39 جلدة التى جُلد بها السيد المسيح، بالإضافة إلى إكليل الشوك، والطَّعن بالحربة فى جنبه، ويعنى ترديدها 41 مرة تضرَّع إلى الرب بأربعين طلب رحمة مع إضافة واحدة.
وكتاب الصديق حمدى رزق أنشودة تجمع بين الحنين والحزن، وتخترق تلك المسافة الصماء، ساعية للنبش بحثا عن دمامل وجروح أنشأها التعصب والتطرف لدى قطاعات متطرفة، ولم تكن أبدا من ضمن النسيج المتشابك للتراحم والتسامح المصرى.
يرصد حمدى رزق أفراح وأحزان الأقباط خلال الأعوام السبعة الماضية، والعلاقات ما بين أقباط مصر ومسلميها، فى محبتهم، ويصفه بـ«فقه المواطنة الشعبية»، حيث يختصر العقل الجمعى هذا الاعتدال بلا بهرحة ولا ادعاء ليقاوم محاولات دائمة للتمييز والفتن.
ويرى حمدى رزق أن «الفتنة الطائفية» هى باب جهنم الذى يؤمه كلاب النار، والفتنة من مستصغر الشرر، وكيف واجه المصريون هذه الفتن بالمحبة: «اتعلمون محبة المسلمين للعذراء مريم، وكيف يسمون بناتهم باسمها الجميل، وكيف تحتل سورة «مريم» مكانها الطيب فى نفوس المسلمين، يستعذبونها فى سرادقات العزاء يطلبونها من المقرئ الطيب ليطربوا لسيرة أم النور، وأن بعض الطيبين من المسلمين والمسيحيين يزورون الكنائس طلبا لبركة القديسين، ويعتقد بعض المسيحيين فى كرامات وبركات الأولياء الطيبين، ومداحون أقباطا يمدحون فى حب الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسلمين يروون فى عيسى عليه السلام.. هذا هو النسيج المختفى والإيمان المصرى يعصم المصريين من الفتنة، ويجعلهم قادرين على مواجهة الألاعيب الصغيرة لصناع الفتن.
يجمع حمدى رزق فى كتابه «كيرياليسون» بين الرصد الاجتماعى للخيوط غير المرئية للمصريين، وحكاياته مع البير زميل المدرسة، وقصص مع الجيران والزملاء، وأيضا يقدم توثيقا لمشكلات الاقباط، وقضاياهم، يقتحم الاركان المظلمة، ليضع يده على المشكلات الحقيقية التى تحتاج للمواجهة والعلاج، جامعا بين الرصد للبنيان الشعبى، والدراسة البحثية لمشاكل الأقباط فى مصر، من زاوية إنسانية سياسية، راصدا علاقة الأقباط بالرئيس تحت عنوان «وإحنا كمان بنحبكم»، ويسجل تفاصيل وأسرار الزيارات الأربع الرئاسية للكنيسة فى عيد الميلاد، بوصف السيسى كان أول رئيس يعبر المسافة الرمادية لرؤساء سابقين. وكيف كان حاضرا فى مشكلاتهم. فى وقت تحمل الأقباط المواجهة ودفعوا ثمن مواجهة التطرف الذى حرق كنائسهم، وسعى لاشتغال الفتنة، ورفض الأقباط دائما أى تدخلات خارجية، وأعطوا ظهورهم لمن حاولوا استغلال هذه الآلام، لتقدم الكنيسة المصرية مواقفها الوطنى دوما.
كما يتطرق إلى كراهية جماعة الإخوان والعداء الذى يعلنه السلفيون للأقباط، ويرسم شكل العلاقة بين الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب، وقداسة البابا تواضروس الثانى، ويقدم تسجيلا إنسانيا اجتماعيا سياسيا لحال الأقباط فى مصر، ويرصد رؤية الأقباط ومستقبلهم تأسيسًا على حاضرهم، وماضيهم، باعتبارهم أخوة الوطن ويتمتعون بحقوق المواطنة، ويرفضون كل أشكال التمييز التى يمارسها بعض المتشدقين بالدين بعيدًا تماما عن تعاليم الدين الإسلامى الحنيف.
يتضمن «كيرياليسون» حوارات مع البابا تواضروس الثانى، والبابا شنودة الثالث، بالإضافة إلى عدد من الحوارات لكبار الرموز، بأسلوب درامى وقصصى، وبهذا يضاف كتاب حمدى رزق إلى تراث فكر المواطنة، راصدا أصل التسامح من دون تجاهل لأصل الشرور والمشكلات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة