انتخابات الرئاسة هذا العام، كاشفة لعدة أمور فى الشارع السياسى المصرى، أولها أن شعبية الرئيس مازالت كاسحة بين مختلف فئات المجتمع، وأن هناك إجماعا وطنيا على استمراره فى موقع القيادة فترة رئاسية ثانية لاستكمال مابدأه على صعيد الأمن والاقتصاد والتنمية والعبور بالبلاد وسط العواصف والأعاصير التى تجتاح المنطقة والعالم.
ولعل مشهد ممثلى الشعب فى مجلس النواب وتوقيع 520 نائبا من أصل 596 نائبا استمارات تزكية للرئيس فى الانتخابات المقبلة، يمكن أن يعطى دلالة واضحة على هذا الإجماع الوطنى حول شخصية الرئيس وحتمية استمراره قائدا للبلاد الفترة المقبلة، فالموقعون على استمارات التزكية ليسوا فقط نواب ائتلاف دعم مصر المؤيدين فى الأغلب لسياسات الرئيس والحكومة، وإنما من بينهم أيضا نواب مستقلون وائتلافات محسوبة على المعارضة.
الأمر الثانى الذى كشفته أجواء الانتخابات الرئاسية هذا العام، أن المعارضة السياسية فى مصر مازالت تتخبط فى مشاكلها المزمنة وصراعاتها الشخصية وانتهازية أغلبية الرموز الذين يمثلونها بحيث يغلب عليهم طابع المزايدة والاهتمام بالشو الإعلامى والمشاغبة على طريقة السوشيال ميديا، كما يعزفون فى معظمهم عن بناء قواعد جماهيرية حقيقية فى مختلف المحافظات.
الدليل على ذلك، خروج عدد ممن أعلنوا ترشحهم فى الانتخابات على وسائل الإعلام يشكون من صعوبة الإجراءات واستحالة الحصول على 25 ألف توكيل شعبى من الجماهير خلال 20 يوما أو الحصول على 20 توكيلا من نواب البرلمان فى ظل التأييد الكاسح للرئيس السيسى، وهذا المنطق يعكس عجزا وفشلا وقلبا للحقائق لدى هؤلاء المرشحين المزعومين.
فهل من المعقول أن يدعى سياسى ما وليكن محمد أنور السادات، أنه يواجه صعوبة فى الحصول على التوكيلات الشعبية أو البرلمانية ويلقى باللائمة على رئيس البرلمان تارة، وعلى الرئاسة تارة أخرى لأنها تحظى بشعبية كاسحة ! وهل يعقل أن سياسيا يقدم نفسه مرشحا للرئاسة ولا يكون لديه حملة انتخابية ومندوبين فى محافظات مصر الست والعشرين؟ ولا يكون مستعدا للحظة فتح باب الترشح للانتخابات كما يجب؟ وهل يعقل أن يكون المرشح لرئاسة مصر عاجزا عن الحصول على ألف توكيل من كل محافظة من محافظات مصر؟ وهل يعقل أن يكون المرشح الرئاسى عاجزا عن مخاطبة 20 نائبا برلمانيا والحصول على تزكيتهم؟
إذا كان هذا السياسى أو ذاك على هذا النحو من العجز والضعف والتهافت، فلماذا يزعجنا باستعراضاته المكشوفة ومزايداته الفارغة؟
من الواضح أن فترة الانتخابات الرئاسية هى موسم المزايدة السياسية بامتياز مثلما هى فترة معرفة كل سياسى لحجمه وقدرته على التأثير وشعبيته، ولعل أغرب المزايدات التى نشهدها خلال هذا الموسم مطالبات البعض بالعدالة فى الشعبية أو التأييد بين المواطنين وكأن الشعبية والتأييد حصصا تموينية ينبغى أن توزع بالتساوى بين كل من يعلن نفسه مرشحا للرئاسة سواء كان يستحق هذا الشرف أو لا يستحقه!
هناك نوع من تسفيه الإرادة الشعبية للمصريين مع سبق الإصرار والترصد، من قبيل بعض المشتاقين ومن يتلقفونهم من منصات الإخوان الإرهابية فى قطر وتركيا، لا لشىء إلا لأن المصريين اختاروا الرجل الذى حقق لهم الأمن والاستقرار وخاض بهم معركة الإصلاح والتنمية دون أن يبالى بشعبيته الكاسحة ودون أن يعمل للحفاظ عليها، بل على العكس من ذلك، اتخذ السيسى كل القرارات التى رأى أنها فى صالح المصريين والبلد حتى لو كانت على حساب شعبيته، لأنه أعلنها منذ اليوم الأول، أنه ليس طالب سلطة ولا شعبية، ولكنه يطلب إصلاح البلد ووضعه على الطريق الصحيح، وفى سبيل ذلك حمل رأسه على كفه وضحى بكل الامتيازات الهائلة التى كان من الممكن أن يحصل عليها لو طاوع أعداء البلد فى الداخل والخارج.
وللحديث بقية
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة