لم يعد العالم مع مواقع التواصل مثله قبلها، فقد تغير العالم وأصبح لدى كل شخص الحق فى إعلان آرائه ومشاركة غيره فيها.. والتحاور حولها،
وعالم «فيس بوك» موقع للدردشة والتسلية وتمضية الوقت والفرجة على «الرايح والجاى»، وأيضًا مكان للكلام فى السياسة، والدين والجنس، يتيح مجالات أوسع لهؤلاء، الذين يريدون التعبير عن أنفسهم.. لكن البعض مازال يتعامل على قديمه، يريد منع هذا أو محاصرة ذاك، يرفض أو يستنكر.
ومواقع التواصل تعبير عن التناقضات والاختلافات بين أفراد المجتمع، هناك العميق والسطحى والجاد والتافه، والفضولى، والمتحرش والمؤدب، الباسم والمكفهر، النكدى والفكاهى، وناشر الشائعات، والمبتز والنصاب والفنان والجاهل والعارف والمدعى، والمؤمن والملحد، والإرهابى والمعتدل.. ويمكن أن يكون من بين «الفريندز» كل أو بعض هؤلاء، لكن هذا التنوع يغيب عن البعض، خاصة هؤلاء الذين يريدون «اللايك»، ويرفضون أى اختلاف معهم.
وبقدر ما تبدو السياسة من الموضوعات الشائعة، التى تجد لها مجالا على مواقع التواصل، فإن الكلام فى السياسة غير ممارستها.. الكلام مجانى لايرتب مواقف ولا يحتاج الحركة والاختلاط والخطب والمناقشات والتأييد والمعارضة.
عيوب الممارسة السياسية انتقلت لعالم مواقع التواصل، وأصبحت هناك خناقات ومعارك ومشاحنات تصل إلى حد الشقاق والخصام، خاصة بين من يمثلون أقطابًا سياسية حادة لا مجال فيها للنقاش.. بينما الواقع ليس مؤيدين ومعارضين فقط، وإنما مساحات واسعة يشغلها المواطنون العاديون، الذين يفرحون ويغضبون ويختلفون ويتفقون من دون أن يتصادموا.
مواقع التواصل تمنح أى شخص الحق فى إعلان ونشر ما شاء كيف شاء.. ويدرك المطلعون أن ما يطرحونه هو مجرد رأى، يحتمل الخطأ والصواب، ولا توجد آراء نهائية مقدسة خاصة فى عالم السياسة، حيث الأمور نسبية، لكن هذه الحقيقة تغيب عن كثيرين يصابون بالصدمة من ظهور مختلفين معهم.
ومن المفارقات أن بعض المستخدمين، ومنهم كتاب ومثقفون وقانونيون وأكاديميون، ومنهم من لا يكف عن الحديث حول الديمقراطية والتعددية والآراء المختلفة، هم أول من يصيبهم الضيق عند أول خلاف معهم من «فريندز» أو من عابرين.. يظل الواحد منهم يكتب آراءه وعند أول خلاف سرعان ما «ينقمص»، أو يبدى غضبًا، وينسحب، أو يواجه مخالفيه بـ«البلوك».. وطبعا من حق المستخدم أن يحظر الشتام والمبتز والهجام.. لكن الأمر قد يصل بين أصدقاء إلى تبادل «البلوكات واللكمات الافتراضية»، لمجرد اختلاف فى الرأى.. ويفقد الأصدقاء صداقاتهم أو احترامهم، لمجرد أنهم اختلفوا فى رأى ما.
والأمر يتخذ سبلا أخرى.. خاصة عندما يبدأ البعض فى إعلان آرائه فى الشأن العام، ويرفع من انتقاداته لهذا الفريق أو ذاك، فيرد عليه من انتقدهم، وهنا تبدأ مرحلة أخرى، يبدأ المستخدم فى اتهام المختلفين معه بأنهم «لجان إلكترونية مدفوعة خصيصًا لمهاجمته»، وقد يتخذ البلوك «الحظر» طريقًا للمواجهة، وهنا يتهمه من «بلكهم» بأنه
لا يقبل الديمقراطية، التى ينادى بها، والنتيجة ملاكمات افتراضية لاتقود لحوار، ويظل كل واحد مقتنعًا بعقله وآرائه، ولا عزاء للديمقراطية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة