اعتمدت إيران فى الشهور الأخيرة على دفاع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ودول الاتحاد الأوروبى ومفوضية الاتحاد الأوروبى عن ما يوصف بأنه "التزام إيران المطلق" بمخرجات خطة العمل الشاملة المشتركة "الاتفاق النووى"، وهى حقيقة لا ينكرها أحد بما فى ذلك اللاعب الأمريكى نفسه، لكن ليست هذه هى المشكلة التى تعترى الاتفاق الآن، وإيران تدرك ذلك جيدا، وهذه هى المعضلة التى تواجه مصير الاتفاق.
معضلة الاتفاق النووى
لذلك يأتى السؤال وتبدو علامة الاستفهام بارزة على نحو كامل فى العلاقات الأمريكة ـ الإيرانية العدائية الراهنة، وهو: ما المشكلة إذن إذا كانت إيران ملتزمة بالفعل ببنود الاتفاق النووى؟ وما المشكلة إذا كانت واشنطن تعرف أن إيران حقيقة تطبق الاتفاق، وتلتزم به حرفيا؟
خبراء نوويون أمريكيون طالبوا بتفتيش موقع بارشين العسكرى
الإجابة عن هذا الطرح بسيطة للغاية إذا تم تتبع نهج إيران فى أمرين جوهريين وهما:
أولا: بناء إيران مفاعلات سرية فى مواقع عسكرية غير تلك التى تم إدراجها فى الاتفاق النووي، والمثال البارز على ذلك موقع بارشين العسكرى
ثانيا: رغبة أمريكا فى إدراج بنود جديدة تتعلق بسماح إيران للمفتشين الدوليين بالولوج إلى تلك المنشئأت العسكرية التى تجرى فيها إيران تجاربها النووية.
صحيح أن مسألتى بند الغروب ورغبة ترامب فى استحداث مواد تتعلق بإلزام إيران بوقف التجارب الصاروخية الباليستية وعدم تطوير برامجها العسكرى للصواريخ التابعة لقوات الجو ـ فضاء، غير أن المسألة البارزة والتى لا تخطئها عين فى تلك الناحية هى رغبة أمريكا الجادة فى السماح للمفتشين بالدخول إلى المواقع العسكرية.
ظاهرة الزلازل
بالتأكيد أمريكا لاحظت فى الأسابيع الأخيرة أن إيران، وعلى غير المعتاد تشهد زلزالا يوميا تقريبا، ما يعنى تحولها إلى يابان جديدة، وذلك منبعه التجارب النووية والتفاعلات النشطة التى تجريها فى تلك المواقع العسكرية المبنية تحت الأرض، لاسيما فى مواقع قريبا من طهران وألبورز، تلك الأماكن التى لم تكن تقترب منها الزلازل فى السنوات الأخيرة.
الرئيس الأمريكى دونالد ترامب
التصور الأمريكى الأمنى لتلك الظاهرة يقوم على أن حدوث الزلازل فى منطقة مفاعلات نووية يؤثر على الأمن الإقليمى وليس على إيران فقط، لأن المصالح الأمريكية على مرمى البصر فى خريطة الخليج ولها وجود بحرى عسكرى نشط فى مياه الخليج، بما يؤدى إلى تضرر أمريكا وشركائها الخليجيين إذا حدثت كارثة نووية على غرار كارثة تشيرنوبيل.
ففى يوم السبت الموافق 26 من إبريل بالعام 1986 انفجر مفاعل تشيرنوبيل الأوكرانى، وعد ذلك الانفجار أكبر كارثة نووية شهدها العالم فى التاريخ كله على مر العصور، ووقتها قدرت الأمم المتحدة عدد من قتلوا بسبب الحادث بأربعة آلاف شخص، بينما قالت السلطات الأوكرانية إن عدد الضحايا بلغ ثمانية آلاف.
المهم فى تلك الناحية أن أمريكا وكل الدول الواقعة على الضفة الغربية من الخليج تخشى من تكرار تلك الكارثة فى إيران، مع انخفاض خبرات إيران فى مجال الأمن النووى واعتمادها فقط على تنكولوجيا باكستانية وكورية شمالية فى تخصيب اليورانيوم وإنتاج الوقود النووى.
الرد الإيرانى
بدلا من أن تثبت إيران للعالم حسن نواياها وتدحض الرواية الأمريكية حول مسألة المفاعلات الموجودة فى المواقع العسكرية، كان أن ثبتت الرواية الأمريكية من خلال رفضها السماح بدخول المفتشين الدوليين إلى تلك المواقع التى تحدثت عنها غدارة الرئيس دونالد ترامب.
المتحدث باسم مؤسسة الطاقة النووية بهروز كمالوندي
المتحدث باسم المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية بهروز كمالوندى، تحدث قائلا: "إنه تم فى وقت سابق إغلاق ملف تفتيش بعض المواقع العسكرية مثل بارتشين، واليوم فإنه لم يتم طرح أى موضوع فيما يتعلق بتفتيش المواقع العسكرية من جانب الوكالة الدولية.
ونقلت وكالة تسنيم الإيرانية شبه الرسمية التعد الذراع الإعلامية لمؤسسة الحرس الثورى، عن كمالوندى أنه أردف قائلا: "إن التفتيش يخضع لقواعد خاصة ولا معنى لعملية التفتيش لسبب التطفل أو مجرد تفتيش، بل إن هذه العمليات تخضع لبروتوكولات مشخصة ومعرفة، فلا يوجد بروتوكول يقضى بتفتيش الأماكن غير المحددة، والتفتيش يجب أن يكون محصورا فى الأماكن التى تمارس فيها أنشطة نووية".
وأضاف كمالوندى: "لا نملك أى نشاط نووى فى أى موقع عسكرى، ولسنا البلد الذى يسعى إلى القنبلة والسلاح النووى"، مشددا فى الوقت ذاته على "أنه لن يتم السماح بالوصول إلى أى موقع عسكرى، وإذا ظن ترامب أن إيران أو أى بلد آخر سيسمح بتفتيش مواقعه العسكرية من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو أى وكالة أخرى من أجل أن يستغلها بشكل سىء ولأمور تجسسية، فعليه أن يعلم بأن الجمهورية الإسلامية ليست ذلك البلد الذى سيسمح بهذا الأمر"، وهو الأمر نفسه تقريبا الذى رمى إليه عباس عراقجى مساعد وزير الخارجية الإيرانى ورئيس لجنة متابعة الاتفاق النووى، حين نوه إلى أن إيران تستهدف عزل أمريكا عن السياسات الدولية.
مساعد وزير الخارجية الإيراني ورئيس لجنة متابعة الاتفاق النووي عباس عراقجى
وعليه يبدو أن إيران ترمى إلى اتهام ترامب بأنه يستهدف التجسس على المواقع العسكرية، ما يعنى ببساطة اتهام إيرانى صريح لا يقبل التأويل بأن مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية محض جواسيس يعملون لحساب الإدارة الأمريكية، ما ما يترتب على ذلك من بناء تصور شامل حول نظرة إيران إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية برمتها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة