العيب فينا داخل العالم العربى، لا أحد سوانا يتحمل جريمة تفتيت الأوطان، حتى العدو، أيا كان وصف هذا العدو، لا يستطيع أن يقطع أوصال بلد كامل كما نقطعها نحن، ولا يقوى على إضعاف أمة إلا إذا أراد سادة هذه الأمة وكبراؤها أن يمزقوها إربا لأهوائهم الشخصية.
اقرأ أنت الأخبار الواردة من العراق، وابكِ حسرة على كل ما يدور فى الداخل، وعلى المشهد الأخير الذى صاحب النصر النهائى على تنظيم داعش الإرهابى، فشركاء هذا النصر قرروا بإرادتهم الحرة أن يعيدوا البلاد إلى المربع رقم صفر من جديد، وبدلا من أن يحتفلوا مع الشعب العراقى بالانتصار وتطهير الأرض من هؤلاء القتلة، انهار التحالف الذى يجمع بين رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى، وبين الحشد الشعبى وعدد آخر من الأحزاب العراقية، انتقل شركاء القتال ضد عدو واحد هو "داعش" من معسكر الوحدة وحماية البلد، إلى معسكر الانشقاق والعودة إلى مربعات المصالح الشخصية.
• الطائفة أقوى من الوطن
• المذهب أهم من الوطن
• السلطة أعز من الوطن
• انفصال الأعراق أهم من وحدة العراق
• التنسيق مع الخارج أولى من التنسيق مع أبناء الوطن
المصالح الشخصية والحزبية والطائفية والمذهبية أعلى وأجل من مصلحة العراق الموحد، لا أحد ينظر إلى استعادة مجد هذا البلد الذى ضيعته ديكتاتورية مريضة نزعت إلى غزو الجيران، ثم أسقطته جيوش العالم، واحتلته الولايات المتحدة الأمريكية فى الوسط، واحتلته إيران من الجنوب، واحتله الأتراك من الشمال، وانقسم أبناؤه بين سنة وشيعة وأكراد، ولم يخجل بعض أبنائه من رفع شعار الانفصال، هكذا صار لسان حال الطوائف والمذاهب والأعراق «ليذهب الوطن إلى الجحيم» ولتعلو مصالحنا الشخصية على مصالح العراق الموحد، والعراق المستقر، والعراق الآمن.
ما يدور فى العراق نموذج فاجر لهذا المرض الذى يجتاح العالم العربى، مرض يضع الوطن وأمنه واستقراره ومستقبل أجياله فى المرتبة الثانية دائما، لكنه يضع المصلحة الضيقة لحزب مستبد، أو عرق انفصالى، أو مذهب مختلف، فى المرتبة الأولى دائما، وحتى عندما يتحالف «الأضداد» فإنهم يتحالفون أمنيا فقط لمصالحهم المباشرة، فيما لا تجمعهم مصلحة الوطن العليا على وحدة الصف.
ما نراه فى العراق هو سلسلة من تحالفات الكراسى الموسيقية الأمنية، وهو ليس بعيدا عما يجرى فى لبنان، وليس غريبا، وإن اختلفت المواقع، عما يجرى فى ليبيا، القوى المسلحة بتحالفاتها الخارجية تسعى لمكاسب فئوية أو طائفية أو مذهبية، لكن المصلحة العليا غائبة دائما، والوطن هو رقم 2 على لائحة الأولويات.
المؤامرة الخارجية محتملة «نعم»، لكننا نحن من نؤهل أوطاننا للمؤامرات، ونفتح ثغرات فى وحدة الناس، ونمهد الأرض للتنسيق مع المحتل دائما وأبدًا، لا نعيب على خطط العدو، أيا كان هذا العدو، لكننا نعيب على زعامات وجماعات لم تعد ترى فى شركاء الوطن سوى عناصر لمعادلة التوازن الأمنى والعسكرى، ولم تعد ترى فى الوطن سوى «مكان» تنشط فيه الطائفة أو يحيا فيه المذهب.
قتلنا أوطاننا بأيدينا، ووضعنا مصالح شعوبنا تحت الأحذية، وحتى عندما يتحالفون أمنيا، فإنهم يتساندون ضد عدو أخطر، وما أن ينتهى الخطر، حتى ينقلب كل منهم على الآخر، ويقاتل بعضهم بعضا فى السر والعلن.
حمى الله مصر.
وتبقى مصر من وراء القصد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة