صدر عن مركز الملك فيصل للدراسات فى الرياض كتاب أساسيات الذكاء الاصطناعى، من تأليف الدكتور عادل عبد النور، أستاذ الهندسة فى جامعة الملك سعود.
والمؤلف يذكر أننا دخلنا القرن الحادى والعشرين دون رؤية مستقبلية، والأخطر من ذلك أن صانعى التقنية دخلوه بدون "فرامل" ومع العولمة والسوق الحرة، من يمنع الشركات الكبرى من البحث عن الأرباح فى آلات متى وإن كان فيها دمار العالم؟ لقد شهدت أسلحة الدمار الشامل سيطرة مطلقة من الحكومات، وستشهد معلوماتية الدمار الشامل سيطرة مطلقة من الشركات التجارية وشتان فى رأى المؤلف بين هذا وذاك.
ويذكر الدكتور عادل عبد النور، أن العلماء يرون أن العلم سيصل لاختراع آلة ذكية جدًا قبل سنة 2030، وبحلول هذه الآلة وإمكانية توالدها سيدخل العالم فى مأزق لا يمكن الرجوع عنه، ويرى أنه ليس هناك من حل سوى التراجع عن التقنية التى قد تضر الإنسان والتركيز على الأخلاقيات فى الميادين الهندسية، ويسأل الإنسان نفسه لماذا تصنع ما يضرنا؟
المؤلف يقر فى كتابه أن ما سيفرزه الذكاء الاصطناعى من تقنية متطورة حتى وإن لم تهدد بقاءنا على وجه الأرض، قد تجهض الإنسانية داخلنا. فجهاز صغير كالتلفاز قتل علاقاتنا الأسرية والاجتماعية، وجهاز كالحاسوب أنسى أطفالنا ألعابهم البسيطة والمليئة بالمرح والإبداع، واختراع كالإنترنت حبس الكتب فى الرفوف وجعل المطالعة إضاعة للوقت، والسؤال هل سنصمد إذا أمام أجهزة ذكية؟
يجيب المؤلف على سؤاله فيرى أن العالم الآن يسبح فى بحر شواطئه القريبة، وإذا ما تمادينا، سنسبح فى بحر شواطئه بعيدة المنال، وستكون الأمواج عاتية، وهو يأمل ألا تسير الأمور فى هذا الاتجاه.
وهو يرى أنه إذا كانت الآلات الذكية والروبوتات العبقرية موضوعًا مسليًا لأفلام الخيال العلمى لم يكن لها هدفٌ سوى تقديم أرباح كبيرة فى دور السينما من خلال إطلاق العنان للخيال البشري. لكن اليوم وبمتابعة ما يجرى فى هذا الميدان بات تحقيق هذه الآلات غير بعيد. والمحاولات الأولى فى هذا الطريق كُللت بالنجاح. وقريبًا قد يصبح الخيال العلمى واقعًا علميًا. فإذا ما تواصل هذا النجاح سيجابه العالم مخاطرًا كثيرة فى هذا القرن قد تؤدى لأن يصبح الإنسان البشرى عبدًا يخدم الإنسان الآلي. فإذا ما نجح العلماء فى تطوير آلات ذكية جدًا، سيكون لنا خياران لا ثالث لهما.
أما الخيار الأول فهو أن نترك للآلة حرية اتخاذ القرار منذ البداية وبهذا نفقد السيطرة على مجريات الأمور. ولا أحد يدرى فى هذه الحالة إلى أين ستسير بنا الآلات. فهى التى تخطط ونحن ننفذ دون وعى أو تفكير، وبهذا الخيار يصبح الإنسان بلا إنسانية.
يؤكد المؤلف أن البعض قد يرى أن هذا الخيار غاية فى السذاجة فليس هناك إنسان بالغباء الكافى الذى يجعله يسلم أمره لآلة حتى وإن كانت غاية فى الذكاء، إن الأمر ليس بهذه البساطة. ففى المستقبل غير البعيد، سيصبح العالم فى غاية التعقيد إلى درجة يصعب على الإنسان مجاراة الأمور ويستسهل على نفسه الاستعانة بالآلة والقبول بقراراتها. وشيئًا فشيئًا يكون لها القرار الأول والأخير، ويزيد العالم تعقيدًا، وفى ذلك الوقت يصبح الاستغناء عن الآلة ضربًا من الانتحار.
ولو التفتنا قليلاً إلى الوراء قبل التلفاز، والسيارة، والمكيف، والهاتف، والثلاجة، وغيرها. وقارنا تلك الأيام باليوم سنرى مدى تعلقنا بالآلة على الرغم من أن آلة اليوم لا تملك من الذكاء شيئًا ولا تصنع القرار. آلة المستقبل أكثر إغراءً وأكثر قوة.
أما الخيار الثانى فهو ألا نسلم مقاليد الأمور للآلة ويكون للإنسان السيطرة على عدد من الآلات الذكية التى تخصه مثل الآلات المنزلية، والسيارة، والحاسوب وغيرها، وفى هذه الحالة ستكون الآلات الأكبر والأقدر والأذكى عند عدد صغير من الناس وهم النخبة. وهنا رضينا أم أبينا ستكون هذه النخبة – على خُلق كانت أم لم تكن - تملك موازين القوى وتتحكم فى مصير العامة بما تملكه من تقنية غاية فى التعقيد والذكاء. ويتحول الناس إلى خدم يخدمون أصحاب القوة وهم قلة. ولما فى طبيعة البشر من أنانية وطمع وحب للذات ليس من الصعب أن نتخيل العواقب الوخيمة لهذه الطبقية التكنولوجية.
إذًن، فى صورة الوصول للآلات الذكية التى سعى إليها العاملون فى ميدان الذكاء الاصطناعى سيكون أمام البشرية خياران أحلاهما أمر من المرّ. فالأمر هنا يتعلق بمستقبل البشرية ويجب أن يؤخذ مأخذ الجد فإمكانية أن يتفوق الرجل الآلى على الإنسان أمر فى غاية الخطورة ولا يمكن تجاهله حتى وإن كان مستبعدًا. وما من إنسان فى يومنا هذا قادر على الجزم بالاستحالة. وما دامت الإمكانية موجودة فهناك خطر محدق.
سيكون من الصعب على الشخص العادى أن يحس بالخطورة والدليل على ذلك أنه رغم تسارع التطورات فى ميدان الذكاء الاصطناعى قليل من تحدث عن المخاطر التى تنتظرنا فى المستقبل وهذا أمر طبيعى لسببين مهمين:
الإنسان العادى يتعامل مع هذه الأشياء من بعيد ويعتبر نفسه غير مسئول عن تفاصيلها وآثارها ومستقبلها ولا يشغل نفسه بذلك. فلو أخذنا مثلاً الهندسة الوراثية وتعاملها مع أقرب الأشياء للإنسان ألا وهو الغذاء، فقد جاء هذا الميدان ليحدث ثورة فى الميدان الزراعى بتطوير عشرات الآلاف من المحاصيل الجديدة بالتلاعب بجينات المحاصيل الطبيعية. ورغم ما فى هذا من تعدٍ على نواميس الطبيعة، لم يثر نقاشًا ولا بلبلة بل بالعكس وافقت وزارة الزراعة الأمريكية على 50 محصولاً زراعيًا، وأكثر من نصف المحصول العالمى من فول الصويا وثلث المحصول الزراعى من الذرة تحتوى على جينات غير طبيعية.
وكذلك لم يكترث أحد أو ربما الكثير لم يكن يدري. لكن عندما جاءت قضية الاستنساخ والنعجة "دوللى" تصدرت الصحف وصارت حديث الناس واعتبره الكثير توظيفًا لا أخلاقى للتقنية. فأين الفرق؟ فولادة دوللى جعلت الناس يحسون بخطورة ميدان الهندسة الوراثية رغم أن دوللى لن تمس أحدًا بسوء لكن المبدأ نفسه هو الذى يرفضه الكثير. وكما هو الحال دائمًا لا نعرف عن الشيء وعن خطورته إلا بعد ما يصبح حقيقة. فهل ننتظر حتى نقرأ فى الصحف عن ظهور أول رجل آلى يفوق الإنسان ذكاءًا. أغلب الظن أن الأمر سيكون كذلك.
السبب الثانى الذى يجعل من الصعب على الإنسان العادى إدراك مدى الخطورة التى قد تسببها الآلات الذكية على حياة البشر هو أننا تعودنا على قبول الاكتشافات الجديدة بسهولة. فكثرة الاكتشافات التى شهدها القرن العشرون جعلت تقلبنا لها – وربما ترحيبنا بها- أمرًا روتينيًا لا يستدعى التفكير. لكن ما يجهله أن اكتشافات القرن الواحد والعشرين ليست من النوع الكلاسيكي. فالذكاء الاصطناعى والرجل الآلى والهندسة الوراثية تشكل خطرًا أكبر من الاكتشافات التى سبقت. فمن المحتمل جداً أن تكون لها القدرة على "التنسّخ" والتضاعف التناسخي. فالروبوت الجديد قد يصبح تلقائيًا روبوتات. ولم لا؟ وقد حصل هذا مع الجينات التى ابتدعها الإنسان. ولنا فى فيروس "الإبولا" ابلغ درس. ونحن ما زلنا فى طور كتابة هذه السطور بلغ إلى أسماعنا عملية استنساخ أول جنين بشريين (أحدهما برازيلى) والبقية قد تأتى مع أملنا بألا تأتى.
كان القرن العشرون قرن أسلحة الدمار الشامل وقد يكون القرن الواحد والعشرون قرن "معلوماتية الدمار الشامل" أو "تقنية الدمار الشامل"، ولنا فى القرن الذى انقضى درس حرى بنا ألا نتجاهله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة