الأحد الماضى انتهت رسمياً عضوية مصر غير الدائمة فى مجلس الأمن، والتى استمرت لعامين، كانت خلالها خير مدافع عن المصالح العربية والأفريقية، ويمكن القول إنها استطاعت إعادة التوازن فى مناقشات المجلس، خاصة فى القضايا التى تهم الدول النامية، فقد كانت فترة عضوية مصر مليئة بالتجارب الدقيقة والتحديات الصعبة، خاصة خلال الفترات التى شهدت استقطابا حادا فى المواقف بين بعض أعضاء المجلس، لكن كانت مصر على قدر المسؤولية، واستطاعت الحفاظ على المصالح العليا.
خلال عامين تمكنت الدبلوماسية المصرية من التعبير منذ اليوم الأول عن ثوابت سياسة مصر الخارجية ومصالح الوطن العليا بأداء رفيع، حيث أتاحت رئاسة مصر للمجلس مرتين فى مايو 2016 وأغسطس 2017 الفرصة لتحرك مصرى فعال استطاع أن يضع القضايا التى تمس أمن واستقرار المنطقة على رأس أولويات المجلس، وجاءت قضية مكافحة الإرهاب على رأس هذه الملفات، حيث دعت الرئاسة المصرية للمجلس فى مايو 2016 إلى نقاش وزارى انعقد تحت رئاسة وزير الخارجية سامح شكرى حول محاربة الرسائل والأيديولوجيات الإرهابية بمشاركة أكثر من 70 دولة، ومثّل هذا الاجتماع انطلاقة ناجحة لمساعى مصر تجاه وضع الجانب الفكرى والأيديولوجى فى صدارة اهتمام وجهود الأمم المتحدة فى مجال مكافحة الإرهاب، بما أدى فى النهاية إلى اعتماد المجلس بالإجماع للقرار رقم 2354 حول مكافحة الخطاب الإرهابى فى مايو 2017.
الإرهاب بطبيعة الحال كان مسيطراً على عقل بعثة مصر الدائمة لدى الأمم المتحدة، فى ظل تطور مهم يتمثل فى كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسى أمام القمة الإسلامية الأمريكية فى الرياض، والتى وضعت منهج عمل دولى لمكافحة الأرهاب، وهو الخيط الذى التقطته الدبلوماسية المصرية وعملت عليه بقوة فى المجلس، فنجحت مصر فى استصدار القرار رقم 2370 حول منع حصول الإرهابيين على السلاح، واستطاع الوفد المصرى فى إطار رئاسته للجنة مكافحة الإرهاب أن يدفع بعدد من المسائل المحورية المرتبطة بالإرهاب إلى مقدمة اهتمامات مجلس الأمن، كمنع تمويل الإرهاب، ومنع استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعى لغرض الإرهاب، ومنع توفير الملاذ الآمن للإرهابيين، وضرورة التصدى لظاهرة المقاتلين الأجانب.
الإرهاب احتل الصدارة، لكن كانت المهمة الرئيسية كما سبق وقلنا هى الدفاع عن مصالح الدول العربية والأفريقية، ومن متابعة أداء مصر فى المجلس سيجد أنها أدت المهمة بقدر من الكفاءة، فقد كان لافتاً من البداية الحرص المصرى على دعم كل جهد من شأنه رفع المعاناة عن الشعب السورى، حيث وظّفت مصر دورها كمسؤولة عن الملف الإنسانى داخل المجلس، بالاشتراك مع إسبانيا ونيوزيلندا ومن بعدهما السويد واليابان، فى جذب اهتمام المجتمع الدولى للأوضاع الإنسانية فى سوريا، خاصة بعد نجاح الاتصالات المصرية فى تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق النزاعات والتوتر فى سوريا، وقد ظهر ذلك فى القرار رقم 2393 بشأن تجديد قرار نفاذ المساعدات الإنسانية إلى سوريا، الذى تم اعتماده مؤخرا بالإجماع بناءً على جهد مصرى سويدى يابانى مشترك، وفى ليبيا جاءت المناقشات المتعلقة بالقرارات والبيانات الصادرة عن المجلس لتؤكد على محورية دور مصر ورؤيتها فى التعامل مع هذا الملف، وعلى رأسها القرار رقم 2292 الصادر فى يونيو 2016، كما عملت مصر خلال فترة عضويتها على التمسك بثوابت موقفها تجاه الأزمة اليمنية ومرجعيات الحل المتمثلة فى قرار مجلس الأمن رقم 2216 والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطنى، وذلك انطلاقا من مسؤولياتها الدولية والعربية، وقناعتها بضرورة عدم السماح للميليشيات الخارجة عن الشرعية والمدعومة من قوى خارجية بالسيطرة على مقدرات الشعب اليمنى.
وكانت القضية الفلسطينية دائما على رأس أولويات العضوية المصرية، ورغم فشل المجلس فى تحريك ملف عملية السلام للاعتبارات السياسية المعروفة، التى فرضت نفسها على أجندة الدول الأعضاء، فإن مصر حرصت خلال العامين الماضيين على الحفاظ على المرجعيات الرئيسية فى تناول المجلس للقضية الفلسطينية، وقد طرحت مصر - نيابة عن المجموعة العربية- قبل أيام من انقضاء عضويتها مشروع قرار للتأكيد على قرارات مجلس الأمن السابقة بشأن الوضعية القانونية لمدينة القدس، باعتبارها مدينة محتلة تخضع لمفاوضات الحل النهائى، وفقاً لكل مرجعيات عملية السلام المتوافق عليها دوليا، إلا أنه اصطدم فى النهاية بالفيتو الأمريكى.
واكتسب البعد الأفريقى أولوية خاصة خلال برنامجى الرئاسة المصرية فى شهر مايو 2016 وأغسطس 2017، بعد تنظيم مهمة ميدانية للمجلس إلى منطقة القرن الأفريقى، وعقد جلسة بمبادرة مصرية إسبانية مشتركة حول التحديات التى تواجه منطقة الساحل، كما جاءت استضافة الاجتماعات التشاورية السنوية مع مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقى خلال فترة الرئاسة الأولى فى إطار الحرص على تعزيز مجالات التعاون بين الجانبين فى مجالات حيوية كقضايا حفظ وبناء السلام والمرأة والأمن والسلم، حيث نجحت مصر فى استصدار بيان رئاسى عن مجلس الأمن يحدد محاور شراكة استراتيجية مع الاتحاد الأفريقى، بما يؤكد على انتماء مصر الأفريقى وريادتها فى نطاق المنظمتين.
أنهت مصر مدتها وسلمت راية تمثيل المجموعة العربية فى المجلس لدولة الكويت، التى ستتولى الرئاسة الدورية للمجلس خلال فبراير المقبل، وسط تحديات كبيرة تنتظرها، لكن الكويت قادرة على إدارة الدفة بالشكل المناسب، فى ظل اعتمادها على نهج معتدل ومتزن وساعٍ إلى تطبيق ما يطلق عليها بالدبلوماسية الوقائية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة