سمة عصر ما بعد 25 يناير 2011 هو التشكيك، والتسفيه والتسخيف، ونشر الأكاذيب، والادعاء دون علم، وعدم التأكد من صدق المعلومة، والخلط الشديد فى أنساب المفاهيم، وما بين الرأى والمعلومة.
وتحول الجميع إلى خبراء يفهمون فى كل شىء، سياسة واقتصاد وعلوم عسكرية وعلم الفلك والبحار والجيولوجيا والتنقيب عن البترول والغاز والآثار والقدرة على إخراج الجان، وتسخير السحر لحسم البطولات الرياضية لفريق من الفرق، وعلم النفس والاجتماع والزراعة والميكانيكا، وغيرها من العلوم.
وتشكلت كتائب التشكيك والتسخيف ونشر الشائعات المضللة بين الناس واغتيال سمعة الشرفاء، متخذين من «السوشيال ميديا» منابر لممارسة نشاطهم، وللأسف يتعاطى معها البسطاء من المصريين، وكأنها حقائق، وتسليم عقولهم على طبق من فضة لوحش الوهم الافتراضى.
ودستور كتائب التشكيك، عدم ترك أى حدث إيجابى كان أو سلبى، إلا والتعاطى معه بقوة، فإذا كان إيجابيا تبدأ ماكينات التشكيك فى العمل وإنتاج أفكار شيطانية للتسفيه منه، والتأكيد على عدم جدواه، متبعين نهج «السفسطائية» القائمة على التمكن من الخطابة، والقدرة على الجدل المؤدى للارتباك الشديد فى المفاهيم، فيختلط الأمر على الناس.
أما لو كان الحدث أو القرار سلبى ناجم عن عمل خارج عن الإرادة، أو ناجم عن إهمال شخصى، مثل حادث إرهابى حصد أرواح الأبرياء، أو تصادم قطارات أو سيارات أو انهيار عقارات أو حرائق أو سيول جرفت عددا من المنازل، يخرج كتائب التشكيك لسكب البنزين على النار، واتهام الحكومة بالتقصير والتقاعس، ونشر صور وفيديوهات على «فيس بوك وتويتر» عن الحادث لإثارة سخط وغضب الناس، وكلما كانت حالة غضب وسخط الناس كبيرا، حققت هذه الكتائب نجاحا ملحوظا، والهدف تأليب المصريين للخروج فى مظاهرات وثورات فوضوية لإحراق الأخضر واليابس وإسقاط بلادهم فى مستنقعات الفوضى.
الأخطر، أن هذه الكتائب، وقوامها اللجان الإخوانية وأتباعها من جماعات وحركات فوضوية، تغلف قرارات القيادة السياسية، بتعيين شخصيات فى مناصب قيادية فى جميع المؤسسات ومن بينها المؤسسات والأجهزة السيادية، بغلاف من الألغاز، والمؤامرات، والأكاذيب حول قدرات المسؤول الذى تم اختياره لتوليه منصبا قياديا، والتشكيك فى ذمته وسمعته، ومحاولة الدفع بأنه من المقربين من السلطة، أو نظام سياسى سابق، لإثارة اللغط حوله واغتيال مصداقيته، والنيل من شعبيته.
وعندما تقرر القيادة السياسية اتخاذ قرار استبعاد نفس الشخصية، تخرج علينا نفس الكتائب وبنفس درجة البجاحة والقبح، لتدافع عنها، وتحاول قلب الحقائق وتحويله لضحية، ليس حبا فيه، أو تعاطفا معه، ولكن بهدف توظيف الحدث للإجهاز على القيادة السياسية، وللأسف تعتمد هذه الكتائب على ذاكرة المصريين دائمة النسيان، وبساطتهم فى التصديق دون تحقق أو تدقيق، ودون أن يسألوا أنفسهم سؤالا، كيف يتحول مواقف نفس هذه الكتائب والأشخاص 180 درجة، ما بين هجومهم لتعيين هذه الشخصية أو ذاك بالأمس، وبين الدفاع عنه عند استبعاده اليوم؟!
بجانب أن هذه الكتائب تنسق تنسيقا كاملا مع الأبواق الإعلامية المختلفة، سواء كانت قنوات فضائية أجنبية، مثل الجزيرة والـ«بى بى سى» والـ«سى إن إن» و«دويتشه فيلا» والتليفزيون العربى، وقنوات الإخوان، أو الصحف الورقية والإلكترونية وأبرزها الـ«نيويورك تايمز»، ما يؤكد أن كتائب التشكيك والتخريب على السوشيال ميديا تحديدا تدار بالتنسيق الكامل مع أجهزة أمنية واستخباراتية خارجية، وكيانات مخربة، وجماعات متطرفة، فى الخارج والداخل أيضا، ومهامها الرئيسية العبث وإثارة البلبلة وتأجيج الشارع.
وخلال الساعات القليلة الماضية، انشغلت هذه الكتائب، بالقرار الصادر بتعيين اللواء عباس كامل بتسيير الأعمال فى جهاز المخابرات العامة، نظرا لمرض اللواء خالد فوزى، وبدأت تشكك فى حقيقة مرض الرجل، وتناولت الخيط المنابر الإعلامية المخربة، سواء كانت الجزيرة أو نيويورك تايمز وقنوات الإخوان الإرهابية، لتسير على نفس نهج التشكيك، ومحاولة إقناع الداخل المصرى، والخارج أيضا أن سبب القرار أكبر من المرض، دون إدراك أن المؤسسات والأجهزة الرسمية والسيادية تدفع برجال وطنيين، تسكن جيناتهم قيم الشرف والانتماء والتضحية بالروح من أجل أمن واستقرار ورفعة راية الوطن، وأنهم جنود، يلبون النداء فى أى موقع.
كتائب التشكيك، والمنابر الإعلامية المختلفة فى الخارج والتى تدار من أجهزة وجماعات إرهابية تحاول تسييس القرار، وغسل عقول الناس بمادة الكذب الكاوية، فاللواء خالد فوزى رجل حمل الأمانة وأدى دوره دون تقصير، واستطاع مع كل زملائه حماية الجهاز من الاختراق، والتى سعت إليه جماعة الإخوان الإرهابية بكل قوة، عندما كانت فى الحكم، وأن ظروفه الصحية حالت دون استمراره فى هذا المنصب الحساس.
فلماذا إذن تعلق كتائب التشكيك ونشر اليأس والإحباط، وإثارة البلبلة فى الشارع، المشانق على كل قرار تتخذه القيادة السياسية، أو الحكومة، وتصويره على أنه ألغاز، ومؤامرات، وكأن التغيير، وقرارات التعيين والاستبعاد والنقل أمرا يتعارض مع طبيعة العمل، وسنة الحياة، وأمرا تتفرد به مصر عن سائر بلدان العالم!! والحقيقة أن التغيير سمة جوهرية فى كل دول العالم، لأسباب أو لأخرى، ومع ذلك لا نجد مساحات شاسعة من الجدل، واهتمام مبالغ فيه من الإعلام الغربى، ومنصات السوشيال ميديا، تتحدث عن استبعاد أو تعيين مسؤول ما فى أى مؤسسة أو جهاز إدارى أو سيادى، فى أى دولة من دول العالم، سوى مصر!!
ونتمنى من القيادة الجديدة، النجاح والتقدم، والعمل لما فيه صالح الوطن، ونتمنى للقيادة السابقة الشفاء العاجل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة