كالقابض على الجمر، يحاول البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية مواصلة مشروعه الكبير في الكنيسة القبطية، فالبابا يحلم بتحويل الكنيسة إلى مؤسسة، ويعمل في الوقت نفسه على مد جسور التقارب مع الكنائس الأخرى، ويهيئ المناخ لتجديد الخطاب الديني عبر برنامج البابا تواضروس لتدريب ألف معلم كنسي.
دعوة للتجديد لا التفريط
لا يخفى على أى من المتابعين للشأن الكنسى، ما يواجهه البابا من مقاومة داخل الكنيسة تتهمه بمحاولة الانقلاب على تعاليمها الراسخة التي تسلمها من جيل إلى جيل، وإزاء تلك المحاولات يحرص البابا على أن يقبض على الجمر فيضع لبرنامجه التدريبي شعار "جدد أيامنا كالقديم"، وهى آية من الإنجيل تنطوى على كل ما يريد البابا قوله، فهى من ناحية دعوة صريحة للتجديد، ولكنها لا تعدو سوى كونها محاولة للتمسك بالقديم وعدم التفريط في التراث.
الكنيسة والآباء الأوائل.. تسليم وتسلم
لا تتعامل الكنيسة القبطية مع أقوال الآباء الأوائل في القرون الأولى، ولا تفسيراتهم للكتاب المقدس باعتبارها أفكار وليدة عصر مضى، ولكنها ترى أن هذه الأقوال والكتابات هى الدستور الصالح لكل زمان ومكان ولا يمكن بأي حال من الأحوال التفريط فيه وإلا صارت تلك محاولة للتفريط في الإيمان أو الهرطقة مثلما يستخدم التعبير الكنسي، إزاء تلك الأجواء يلمع في الكنيسة تيار التجديد الذى ينتمي فكريًا لمدرسة القمص متى المسكين ولكنه ما زال يعمل بحذر وسط أشواك التيار الغالب وهو التقليدي المحافظ حتى أن أساقفة هذا التيار، يرفضون وصفهم بالتيار، المجدوون هم التيار، والتقليديون هم الأصل، حتى أن الأنبا هدرا مطران أسوان يجهر بذلك فى حوار لـ"اليوم السابع" فيقول: "مهمتنا الحفاظ على ما تسلمناه من آباء الكنيسة بدمائهم وعرقهم طوال القرون الأولى وإن قبلنا التجديد الكنيسة "هتتلخبط".
البابا يستعين بكبار معلمي اللاهوت في الكنيسة
حاول البابا تواضروس ضخ دماء جديدة في الكنيسة، وبدأ برنامجه لتدريب ألف معلم كنسي معتمدًا على أساتذة اللاهوت الكبار أمثال الأنبا بيشوي مطران كفر الشيخ والأنبا بنيامين مطران المنوفية والأنبا رافائيل سكرتير المجمع المقدس ولكنه كان حريصًا على اختيار عناصر أخرى تجعل تغيير لغة التواصل مع الأجيال الجديدة هدفًا لهذا البرنامج.
القس بولس حليم المتحدث باسم الكاتدرائية، أوضح لـ"اليوم السابع"، أن المتدرب سوف يستخدم لغة العصر فى التواصل مع الشباب والأطفال والأعمار المختلفة التى تقدم لها الخدمة الكنسية، وذلك مع الحفاظ على تعاليم الكنيسة الأرثوذكسية، وبذلك يتحقق هدف الأصالة والمعاصرة.
ويشير حليم إلى أن البرنامج دخل مستواه الثاني، ويستهدف تدريب ألف معلم من كل القيادات في الكنائس داخل وخارج مصر، بعد أن تم تقسيمهم إلى ثلاث مجموعات تدريبية لكل مجموعة 200 متدرب.
وينفي حليم وجود ما يسمى بـ"المعارضة للمشروع" فيقول إن أدبيات الكنيسة لا تعرف مصطلح المعارضة إذ تقوم على فكرة الطاعة فابن الطاعة تحل عليه البركة.
ويؤكد المتحدث الرسمي أن برنامج البابا يحظى بمشاركة كل إيبراشيات الكنيسة في مصر والمهجر ولا يلقى معارضة من أحد لافتًا إلى أن البابا يحصل على موافقة المجمع المقدس في كل قراراته وفقًا لقوانين الكنيسة المجمعية
حماة الإيمان: هناك محاولات لتغيير هوية الكنيسة
من ناحية أخرى، نشرت رابطة "حماة الإيمان" وهى رابطة من خدام وشمامسة وكهنة، تحذيرات على صفحتها على "فيس بوك" مما أسمته من محاولات تغيير هوية الكنيسة، وقالت في رسالتها التحذيرية: "الحقيقة أن كنيستنا اليوم تتعرض لهجمات شرسة بأشكال متنوعها أخطرها هذا العمل المنظم الذي يتم داخلها لتغيير هويتها وتعليمها".
وتابعت: "نتمنى أن يكون لدينا الوعي الكافي ونحذر من هؤلاء وأن تتخذ الكنيسة إجراءات ضد هذه المجموعات والأشخاص لوضع كل الأمور في وضعها الصحيح مشيرة إلى أن راهبًا نشر فيديوهات على "فيس بوك" تروج لأفكار ضد الكنيسة.
وفى السياق نفسه، اتهم مصدر كنسي رفض الإفصاح عن اسمه، برنامج البابا لتدريب معلمي الكنيسة، بالمحاولة لخلق تيار يدعم البابا في كل الإيبراشيات ويخلق له شعبية خاصة في القضايا التى تثير الجدل مثل معمودية الكاثوليك، أو لقائه بالكنائس الأخرى المختلفة في الإيمان.
يذكر أن مشروع "1000 معلم كنسى" والذي وضع قداسة البابا تواضروس آية سفر المراثي "جَدِّدْ أَيَّامَنَا كَالْقَدِيمِ" (5 :21) شعارًا له، يعتني بتطوير التعليم الكنسي لدى المعلمين الكنسيين، وتدريبهم على استخدام مصادر التعليم الكنسي (الكتاب المقدس، الليتورجيا، أقوال وكتابات الآباء، تاريخ الكنيسة والهوية القبطية.) بشكل يتيح لأبناء الكنيسة التعرف المتزايد والتذوق الدائم للرصيد الزاخر الذي تمتلكه هذه المصادر كغذاء تعليمي فعال.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة