عندما كان يتردد اصطلاح أن المصريين شعب عريق وصاحب حضارة قديمة وأسهم فى تعليم الإنسانية، كان البعض يتصور أن الاصطلاح ودلالاته هو نوع من الفخر المجانى الشوفينى لأجيال حالية لا تسهم فى الحضارة الإنسانية مثل أجدادهم، ولكن المحن التى مررنا بها فى السنوات الأخيرة، كشفت بوضوح عن دلالات جديدة ومعانٍ مختلفة لهذا الاصطلاح الذى يحمل عوامل الأمان، والحفاظ على المجتمع المصرى فى ذاته.
بمعنى آخر، عندما استشعر المصريون خطر الوجود بمشروع الفوضى الصهيوأمريكى، كمنوا وانتظروا ما سيقدم عليه المستعمر الجديد وذيوله من جماعة الإخوان وحلفائها فى المنطقة، ولكن عندما لاح لهم أن قائدا مصريا فى الأفق يحمل روحه على كفه فداء لوطنه ويتقدم الصفوف لقيادة شعبه نحو الإنقاذ ومواجهة الأخطار والرهان على المستقبل، منحوه ثقتهم الكاملة والتفوا حوله وفوضوه لإدارة شؤونهم وحموه من موجات الشائعات والمكائد والافتراءات والتشويه.
تعالوا نطبق ذلك على موقف واحد فاصل وكاشف، هو قرارات الإصلاح الاقتصادى المؤلمة والصارمة، وكيف كان من الممكن أن يعزف عنها السيسى لو كان باحثا عن شعبية أو رصيد، أو يخشى عدم ثقة المصريين وانفضاضهم من حوله، لكنه وفى مواجهة كل تقارير تقدير الموقف وآراء الخبراء الذين رأوا أن التوقيت غير ملائم لاتخاذ مثل هذه القرارات الصعبة خلال فترة السيولة السياسية والاستقطاب وعدم اليقين وفوضى السوشيال ميديا وقصف الإعلام الموجه، قرر اتخاذ القرار.
قدرة الرئيس على اتخاذ القرارات الصعبة يمكن أن تفسر من المتربصين بأنها انفراد بالرأى أو عدم الاستماع للخبراء والمختصين، وكان لدينا رئيس أسبق يقول عن نفسه، إن لديه دكتوراه فى العند، فى إشارة إلى انفراده بالرأى، لكن فى حالة السيسى وقرارات الإصلاح الاقتصادى، فإنه كان يراهن على وعى المصريين وثقتهم فيه وقدرتهم على التحمل معه مسؤولية الدولة، وكأنه كان يريد تفويضا اقتصاديا منهم للتصدى لعملية الإصلاح الجذرية الصعبة للاقتصاد وبدء عملية طموحة من التنمية، مثلما فوضوه فى السابق بالملايين لمواجهة الإرهاب وتحمل الظروف التى تفرضها هذه الحرب الشرسة.
وبالفعل، كان رد الفعل من ملايين المواطنين المصريين تجاه القرارات الإصلاحية واضحا شديد الوضوح رغم المعاناة والتقشف، كان بمثابة الاستفتاء بنعم على مشروع السيسى للإصلاح والتنمية، وكان بالفعل تفويضا له بالمضى فى الطريق الصعب، لأنهم عرفوا جيدا أنه يريد اختصار السبل لتعويض كل نقص وسد أى عجز قبل فوات الأوان، أو بتعبيره هو «لم أتردد فى اتخاذ قرار الإصلاح رغم كل التقديرات التى تنصح بإرجاء القرار إلى مرحلة مقبلة أو إلى عهد رئيس جديد حفاظاً على شعبيتى التى اكتسبتها فى الشارع المصرى، ولو كنت عملت كده كانت تبقى خيانة، لأنى عارف أنى هسيبها للى بعدى وتتخرب، طيب ما أنا أبقى خنتكم وضيعت أمانة المسؤولية.. أنا مش عايز البلد لا تضيع معايا ولا مع غيرى».
هذا هو العقد بين المصريين والسيسى، أنه يواجه المستحيل لحماية البلد والمواطنين، ومواجهة كل أشكال الفساد والإفساد ومنع إهدار الموارد وتوظيف الكفاءات لحرق مراحل فائتة على صعيد التنمية، وأنه لا يفعل ذلك بمفرده أو بدون إطلاع المصريين عليها، وإنما هى مسؤولية مشتركة، لكل مواطن منها نصيب، وبالتالى، فكل إنجاز يتحقق يمكن أن يحسب بموضوعية تامة لعموم المصريين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة