فى الأمس تناولت أزمة كبيرة يشهدها الوطن فى مسألة التعامل مع الثقافة بشكل عام ووزارة الثقافة بشكل خاص، فالتاريخ يقول لنا إن الثقافة هى الباقية مهما امتدت الدول، كما يذكر عشرات الدول الكبرى التى ازهردت جوانبها المادية ولم تزدهر جوانبها المعنوية بنفس القدر، فكان التهاوى نصيبها، وكان النسيان حليفها، وإن ذكرها أحد لا يستطيع أن يخرج خارج دائرة الاعتبار من مصيرها، تماما كما نفعل الآن، من هذه الدول دولة المغول، ودولة الهكسوس، وممالك اليهود التى انهارت لتفحل الجوانب المادية فيها، وهذه هى الدول الأقرب لذاكرتنا الشرقية، أما فى خارج محيطنا فهناك عشرات الدول التى يضيق المقام عن حصرها وتبيان حكمة سقوطها، وأشهر هذه الدولة دولة «أسبرطة» التى ذهبت آثارها من التاريخ، ولم يبق منها إلا ذكر القسوة والهجمية.
على الجانب الآخر، نحن نذكر الآن «اليونان» باعتبارها رمزا لحضارة الغرب، كما نذكر الهند والصين باعتبارهما من رموز حضارة الشرق الأقصى، كما نذكر مصر والشام والعراق وفارس، باعتبارها من رموز حضارة الشرق، وبفضل وجود الدور الحضارى لهذه الدول، فإن إمكانية محوها من التاريخ تكاد تقترب من المستحيلات، لأنها ببساطة فى وجدان العالم وفى شرايينه أيضا.
من أجل هذا ناديت أمس بأهمية إعادة الاعتبار للثقافة فى مستقبل مصر، خاصة أن حجم الإنجاز الذى تم فى البنية التحتية أصبح مطمئنا إلى حد كبير، وللأسف فقد طالعت ما أسمته وزارة الثقافة بـ«خطة وزارة الثقافة المستقبلية حتى عام 2022» واكتشفت أن هناك أزمة كبيرة فى فهم ماهية «الخطة» عند من أعد هذه الورقة التى ادعت أن غاية وزارة الثقافة خلال الفترة الرئاسية القادمة هى إنشاء مكتبات لذوى الإعاقة، وتدشين مسارح غير تقليدية على غرار مسرح الجرن، وإنشاء جريدة إلكترونية ونظام دفع إلكترونى، والتوسع فى عمل خرائط إلكترونية بالمواقع والأحداث الثقافية، والانتهاء من تطوير عدة متاحف وقصور ثقافة ومسارح وقاعات عرض» وفى الحقيقة فإنى لا أفهم على الإطلاق كيف تضع الوزارة فى خطتها إنشاء جريدة إلكترونية ولديها جريدة القاهرة وموقعها الإلكترونى، كما لا أفهم أيضا مصطلح «تطوير المسارح» لأنه لا يخرج على فكرة صيانتها، كما لا أفهم كيف تعتبر الوزارة عمل خريطة إلكترونية مشروعا مستقبليا وهو أقل من أن يكون تكليفا مباشرا، وفى الحقيقة فإنى لا أفهم أيضا أين الثفافة من كل هذا؟ وما هى الثقافة فى هذا؟ فصحيح أن الإمكانيات المادية قليلة كما ذكرت أمس، لكن هذه الخطة أكدت أن الأزمة الحقيقية لا تكمن فى الموارد المالية فحسب، بل فى الإمكانيات البشرية أيضا.