لا أحد يعرف السبب الذى يمنع كثيرين من المهتمين بالطب والصحة من الخوض فى مناقشة قانون التأمين الصحى الشامل الذى صدر من مجلس النواب وينتظر التطبيق خلال السنوات المقبلة.
لم ينشغل المهتمون بالطب والنظم الطبية كثيرا بمذاكرة القانون، ومناقشة تفاصيله وإمكانيات تطبيقه، وما يمكن أن يواجهه خلال السنوات المقبلة، حتى يبينوا للناس ميزاته وعيوبه أو إمكانية إزالة ما يواجهه من عقبات.
قانون التأمين الصحى الشامل كان مطلبا لكل القوى السياسية والاجتماعية طوال عقود وتأخر صدوره كثيرا، خاصة أنه نظام معمول به فى كل دول العالم، ويختلف فقط فى الدرجة ومصادر التمويل، لكنه لا يختلف فيما يتعلق بفصل الإدارة عن التمويل، هناك دول مثل ألمانيا وفرنسا لديها نظام لتمويل التأمين، يقوم على اشتراكات ضخمة مع توفير تغطية شاملة، فيما يقوم نظام التأمين فى الولايات المتحدة الأمريكية على تمويل المشتركين، حسبما يسدده، وكان أحد إنجازات الرئيس السابق أوباما نجاحه فى ضم فئات متوسطة لنظام الحماية الصحية، وهو فى الأصل كان مشروع الرئيس الأسبق بيل كلينتون، وهو مشروع اعتبره الجمهوريون ضد الرأسمالية، لكن تراجع ترامب عن إلغائه حتى الآن.
هناك أيضا التأمين الصحى فى الدنمارك التى تمتلك واحدا من أفضل أنظمة التأمين الصحى فى العالم من حيث التمويل والخدمة التى يوفرها للمواطن، بدءًا من طبيب الأسرة وحتى كبرى العمليات الجراحية، ويقوم على اقتطاع مبالغ ضخمة كضرائب، يقدم مقابلها خدمات عامة بما فيها التأمين الصحى وتصل الضرائب إلى أكثر من نصف الدخل فى بعض الأحيان مع الدخول الكبيرة.
فى مصر تأخرنا كثيرا فى إقرار قانون التأمين الصحى الذى ظل فى أدراج الحكومات السابقة، حتى تم إقراره مؤخرا، لكنه يحتاج سنوات للتطبيق وعلى مراحل، وذلك لتأهيل المنشآت الصحية، لتكون قادرة على تقديم الخدمة، يطبق على مراحل تستغرق حوالى 15 عاما وربما أكثر، ويبدأ التطبيق فى مدن القناة، بينما يطبق فى بعض المحافظات بعد خمسة عشر عاما.
ويتضمن القانون مصادر للتمويل على كافة الأنشطة التجارية أو الملوثة للبيئة، منها السجائر والسيارات والأسمنت والحديد، فضلا عن رسوم على المنشآت الطبية وصناعات الدواء، نظريا فإن هذه المصادر مهمة وربما تكون كافية لتمويل النظام الصحى، لكن الأمر بحاجة إلى مناقشة، خاصة أن انتظار بعض المحافظات لأكثر من عشر سنوات يمثل مشكلة، يضاف لذلك أهمية البدء فى تأهيل المنشآت الطبية وتطبيق أنظمة الجودة، حتى يمكن أن تدخل كافة المنشآت العامة والخاصة فى المنظومة الطبية بشكل تحكمه القوانين والقواعد وأيضا الأخلاقيات الطبية التى تكاد تختفى وسط الجشع والتلاعب.
اللافت للنظر أنه بالرغم من أن التأمين الصحى أمر يهم كل الأطراف السياسية والاجتماعية، لم نشهد مثلا مؤتمرا أو جلسة أو ورشة لبحث القانون وشرحه، وهو دور النقابات الطبية والجهات المختلفة، وربما أيضا خبراء الطب والصحة والتأمين الصحى.
اكتفى بعض الخبراء بإبداء رفض أو قبول للقانون، وهذا هو حال التعامل مع القضايا المهمة، التى لايهتم بها أحد، لأنها لا تجلب التصفيق.