عمال التراحيل يتخذون من ميدان حارث بمدينة بنى سويف مكانا لتجمعهم اليومى منذ سنوات انتظارا لقدوم الزبائن والصنايعية الراغبين فى تشوين مواد البناء، وبرغم اختلاف أعمارهم ومقار اقامتهم وظروفهم المعيشية، إلا أن مطلبهم الوحيد الحصول على الرعاية الاجتماعية والصحية والمعاش المناسب .
"اليوم السابع" التقى عددا منهم للاستماع الى حكاياتهم وأسباب لجوئهم لهذا العمل الشاق، ويقول محمد السيد شريف 50 سنة يقيم قرية بنى رضوان بمركز بنى سويف: حصلت على دبلوم صناعى قسم ملابس سنة1987، ونتيجة لوقف الوظائف من خلال القوى العاملة بعد الاكتفاء بتعيين نصف دفعة خريجى سنة 84، ونظرا لضعف إمكانات أسرتى لم أستطع شراء ماكينة لاستخدامها فى تفصيل الملابس "ترزى"، كما اننى لم أتمكن من الحصول على وظيفة حكومية بالدبلوم، فقررت العمل فى تشوين الطوب والرمل والبلاط خلف الصنايعية "عامل تراحيل" وكنت أتقاضى يومية جنيها، وفى عام 2003 عملت بمشروع النظافة بالوحدة المحلية لمركز ومدينة بنى سويف ضمن عمال النظافة المؤقتين لمدة خمس سنوات وعندما أجريت جراحة بالعين ومنحتنى مستشفى الرمد تقريرا بالحالة مع توصية باجازة 21 يوما قضيتها بالمنزل، وبعد عودتى للعمل بخمسة أيام أصدر مدير المشروع قرارا بفصلى بدعوى أننى عامل مؤقت، فعدت إلى العمل القديم "عامل تراحيل"، ومرت السنوات ورزقت 5 أبناء، ورغم العائد المادى الضعيف حرصت على تعليمهم جميعا، وتزوج 2 منهما بعد حصولهما على مؤهل متوسط، ومازال أشقاؤهما فى مراحل التعليم المختلفة .
عمال التراحيل مع محرر اليوم السابع
ولفت "شريف"، أن زيادة أسعار خامات البناء حاليا أدى إلى ضعف حركة المعمار، ولا يستطيع سوى الاغنياء تشييد العمارات والأبراج والتى تعتمد فى بناءها على أوناش الرفع ولا تحتاج إلى عمال التراحيل، أما متوسطى الدخل فعند اقامة منازلهم يأتون إلى مكان تواجدنا الدائم أسفل كوبرى ميدان حارث والاتفاق معنا على" مقاولة "تشوين مواد البناء، أو يأتى صنايعية وحرفيين لنعمل معهم مقابل يوميات .
وأشار مصطفى محمد دردير 60 سنة يقيم بمدينة بنى سويف، إلى أنه تربى فى أسرة فقيرة مكونة من والدين يعانيان المرض وثلاثة اشقاء، وجميعهم يستأجرون منزلا يقيمون به، وماتوا تباعا وتركونى وحيدا، ولم أكمل تعليمى ولجأت للعمل مع صنايعية المعمار، وقضيت ثلاثين عاما عامل تراحيل بدأتها بتقاضى أجر 7 جنيهات، وارتفع الى 10 جنيهات، وحصلت على 20جنيها يومية عند تقسيم "مقاولة" تشوين مواد البناء مع آخرين من زملائى.
عمال التراحيل يتجمعون اسفل الكوبرى بميدان حارث
واستطرد "دردير" قائلا: أحصل على 200 جنيها معاش ضمان منذ سنوات، وأعيش وحيدا فى حجرة ايجارها 150 جنيها ولم أتمكن من الزواج طوال تلك السنوات لعدم قدرتى على تدبير نفقات وتكاليف الزواج نظرا لضعف العائد المادى لأعمال التراحيل التى يعمل بها حاليا لأيام قلائل بسبب كبر سنه.
وأكد عيد جابر سيد 32 سنة، يقيم بنى بخيت بمركز بنى سويف، أنه عامل تراحيل منذ الصغر، إذ يحمل مواد البناء على كتفه لتشوينها إلى الطوابق العليا بالأبنية الجديدة عبر السلم الداخلى للمبنى، ويتراوح أجر رفع سيارة الرمل ما بين 350 إلى 400 جنيه حسب مساحتها وارتفاع الطابق، ويقسم على عدد العمال المشاركين فى العمل .
عاملا تراحيل ينتظران قدوم الزبائن
وأضاف "عيد" قائلا: الرئيس السيسى وفر لنا الأمن والأمان ويتبقى النظر والاهتمام بالطبقة الوسطى من الشعب ومنهم عمال التراحيل بتوفير رعاية اجتماعية وصحية ومعاشات لهم .
وأشار عيد إلى أنه مرض أسبوعا قضاه فى المنزل بلا عمل، ثم خضع منذ خمسة شهور لتحاليل عينة دم بقافلة لمديرية الصحة لاكتشاف مرضى فيروس سى، وأجرى تحليل " pcr "، على نفقته الخاصة بأحد المعامل وتأكد من اصابته بالمرض، وإستدان بـ 500 جنيها لشقيقه لسد نفقات واحتياجات أسرته ودفع قيمة التحاليل، ولم يسددها حتى الآن نظرا لعمله غير الدائم"الرزق المقسوم، كما تقدم بأوراقه للحصول على معاش تكافل وكرامة مرات عديدة ويتم رفض طلبه، رغم إرفاق ما يثبت عدم حيازته لأرض زراعية أو وجود اسمه على شبكة التأمينات، ولم يستطيع حتى الآن الحصول على المعاش الذى يسهم الى جانب عائد عمله، فى الصرف على زوجته وأربعة أبناء يحرص على تعليمهم .
والتقط اطراف الحديث محمد شعبان على 42 سنة قرية دنديل بمركز ناصر قائلا: لم أكمل تعليمى بسبب الفقر وضعف امكانات أسرتى، وأعمل بالمعمار منذ 15 عاما، ورزقت 5 أبناء وأقيم وشقيقى فى منزل واحد، ولا يكفينى عائد عملى، وليساعدنى الله فى تدبير نفقات أسرتى وتعليم أبنائى حتى يكملوا تعليمهم.
جانب من عمال التراحيل
ولفت محمد سيد عبدالتواب 42 سنة، قرية الحمام بمركز ناصر، أن عمال التراحيل يتفقون مع الزبائن على رفع وتشوين ألف طوبة بـ70 جنيها فى الدور الثالث، ومائة جنيه للدور الخامس وسيارة الرمل من 400 إلى 900 جنيه، بالإضافة إلى مخلفات الهدم والردم، ويوزعون الأجر فيما بينهم حسب أعدادهم، وكثيرا ما يتعرضون لظلم وخصم من "المقاولة " رغم اتفاقهم مع الزبائن عليها مسبقا، ولا يملكون سوى الرضا بما يأخذونه، لذلك كل مطلبهم تأمينات اجتماعية ومعاشات، حتى يتمكنوا بعد بلوغهم ستين عاما من العيش وفى حالة الوفاة يتركون معاشا لأسرهم .
ويقول سعيد على 58 سنة دبلوم صناعى، يقيم بمركز بنى سويف شرق النيل، إن عمال التراحيل معرضون للمرض أيام طوال يتوقفون خلالها عن العمل وليس لديهم ما يدخرونه للإنفاق منه فى تلك الظروف، ويظل معظمهم لأكثر من شهرين لا يتذوقون اللحوم سوى مرة واحدة .
اقدم عامل تراحيل وبجواره اخر
واستطرد "على" قائلا : حصلت على الدبلوم وعملت بالتراحيل وتشوين مواد البناء، وفى السنوات الماضية كنا نعمل كثيرا ولكنى حاليا أعمل يوما يقابله 10 أيام بلا عمل نظرا لضعف حركة البناء لارتفاع أسعار الخامات، فضلا على أن المقاولين والصنايعية يعتمدون على المعدات الحديثة فى تشييد الأبنية ويستغنون عنا.
ويرى شعبان سيد يقيم قرية بنى هانى بمركز اهناسيا، أن هناك من ينظرون الى عمال التراحيل بشكل غير آدمى نظرا لوجودهم يوميا فى منطقة ميدان حارث وبعضهم يحملون " عدة وآلات العمل " انتظارا لقدوم الزبائن، إذ عرض عليه شخص لا يعرفه " الف جنيه" مقابل توقيعه على شيكات ووصل أمانة ضامنا له لدى البنك فى 35 الف جنيها، لكنه رفض رغم حاجته شهريا لمبلغ يصل الى 750 جنيها، لسداد نفقة زوجته الأولى، وايجار محل اقامته .
وأوضح عبد التواب عبدالكريم 70 عاما أنه يعيش بمفرده حاليا وكان يعمل مع المقاولين والصنايعية فى تكسير الخرسانة وهدم المنازل وحفر الأساسات، مقابل يومية 7 قروش، وبمرور السنوات زادت الى 60 جنيها، والآن وصلت 120 جنيها لكن سوق العمل ضعيف ويأتى يوميا الى ميدان حارث للجلوس بين العمال انتظارا لقدوم الزبائن حتى لا يحتاج إلى إعانة ومساعدة من أحد خاصة بعد وقف صرف المعاش لتوقفه عن سداد أقساط التأمين الشهرية لارتفاعها بشكل مفاجئ لا يستطيع سدادها نظرا لضعف العائد من العمل .
عمال التراحيل
محرر اليوم السابع مع عمال التراحيل
احد عمال التراحيل
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة