غريبة جدا الاتجاهات التى تنحرف إليها النقاشات والتحليلات ذات الطابع السياسى فى مصر، كثير من الجدل الدائر على السوشيال ميديا، إذا اعتبرناها بديلا عن المقاهى زمان، وكذا عدد لافت من المقالات المكتوبة فى صحف ومواقع إخبارية، تحتاج إلى أن تعقب عليها بعبارات من قبيل، «يا ابنى أنت مش فاهم حاجة، يا ابنى روح اقرأ الدستور ومواد القانون المتعلقة بتنظيم العملية الانتخابية»، يا ابنى أنت بتصدر أحكام غوغائية زى اللى كنا بنسمعها فى الميدان بعد 25 يناير من قبيل «الشباب لازم يحكموا وممنوع حد فوق الخمسين يتولى أى منصب رسمى فى الدولة»، وتيجى تناقش الواد من دول «يا ابنى افهم ده ضد الطبيعة وضد مواثيق حقوق الإنسان وضد المصلحة العامة وضد كل حاجة فى الكون، فضلا عن الفاشية اللى فى الكلام»، يرد عليك وهو رافع إيده استعراضا لعضلاته: «هو كده، عافية يعنى»، وحتى إذا تحليت بأقصى درجات ضبط النفس، وقلت له «بافتراض إن رأيك ده ثورى وتم الأخذ به، إزاى هتنفذه؟ وما هى آلياتك للتنفيذ لتعويض المطرودين من جنة العمل العام فوق الخمسين؟ يرد عليك الرد اللمباوى الترامادولى: مليش فيه، ده قرارنا».
المنطق نفسه مازال سائدا وحاكما لكثير من العقول والنفسيات التى تزعم فى أنفسها الفاعلية والحضور فى الشأن السياسى العام، كثير من التنطع وقليل من الخجل، كثير من المزايدة وقليل من المصداقية، كثير من الانتهازية وقليل من المسؤولية، كثير من العدمية الساخرة وقليل من الجدية فى التناول والطرح، كثير من السفاهة والشتائم والزعيق وقليل من الأخلاق.
تعالوا بنا إلى الحدث الأكثر جدلا هذه الأيام وهو قلة عدد المرشحين فى الانتخابات الرئاسية، فرغم أن هناك ستة أشخاص أجروا الكشف الطبى اللازم للترشح فى الانتخابات بحسب ما أعلنته وزارة الصحة إلا أن الهيئة الوطنية للانتخابات أعلنت عن استكمال مرشح واحد لأوراق انتخابه وهو الرئيس السيسى، فضلا عن الأخبار الواردة من حزب الوفد حتى كتابة هذه السطور بأن السيد البدوى سيكون مرشح الحزب فى الانتخابات، وكذا الحديث عن ترشح مرتضى منصور رئيس نادى الزمالك وخالد على المنسحب قبل استكمال عدد التوكيلات الجماهيرية، فضلا عن شخصيتين أخريين لم تفصح عنهما وزارة الصحة باعتبار أن الهيئة الوطنية هى المنوطة بالإفصاح عن المتقدمين للترشح والمستوفين لأوراقهم.
الجدل الدائر على مواقع التواصل الاجتماعى يحمل مؤسسات الدولة المصرية والسيسى نفسه مسؤولية غياب المرشحين من الوزن الثقيل فى الانتخابات، وكأن السيسى مطالب باختراع منافسيه ودعمهم! أو كأنه مطالب بصناعة الأحزاب المعارضة وتلقينها كيف تمارس العمل السياسى، وكأنه مطالب بأن يجبر المصريين على الالتفاف حول هذا أو ذاك ممن يعتبرون أنفسهم زعماء سياسيين، بينما لا يتجاوز عدد من يؤيدونهم أو يثقون فيهم العشرات!
هؤلاء الزعماء المزيفون، يمارسون كيد النسوان ضد الدولة المصرية على السوشيال ميديا، فيعايرونها بأنها ليست ديموقراطية حال عدم ترشح أحد أمام السيسى، فيكتب البرادعى مثلا على تويتر بعد صمت طويل، فور علمه بترشح السيد البدوى «من الأفضل ألا نتمسح فى طقوس الديمقراطية» وهنا أسأل البوب الافتراضى، ما تيجى تورينا نفسك يا زعيم يا مؤسس الحزب الكارتونى الشهير، وياحامل لواء الديموقراطية ومنابعها وفروعها وشركاتها المتحدة والمساهمة، ما تيجى تترشح فى الانتخابات باعتبارك رمزا كبيرا وإصلاحيا مثاليا وعليما بالديموقراطية وشؤونها، وبالمرة اجمع حولك كل الطواقم التى يشاركونك حلم التغيير والبناء والتنمية ولم الشمل مع الجماعات المحظورة.
الديموقراطية يا بوب ملهاش كتالوج ثابت، وليست نصوصا صماء محفوظة فى كتاب، كما أنها ليست الأجندة المزيفة التى تستخدمها بعض الأنظمة الغربية لممارسة أشكال من الاستعمار الجديد والهيمنة على دول العالم الثالث، مثل إعلاء حقوق المهاجرين غير الشرعيين وحقوق المثليين على الحقوق الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم وحتى الحق فى الحياة بكرامة لسكان البلدان المستهدفة بالاستعمار.
والديموقراطية يا بوب ويا سفهاء الواقع الافتراضى فى حالتنا الراهنة، أى الانتخابات الرئاسية، هى تطبيق الدستور والقانون حرفيا، وضمان إجراء الانتخابات بمن ترشح بنزاهة تامة تحت سمع وبصر جميع المراقبين المحليين والأجانب.
وللحديث بقية
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة