تسير فى الشارع فتراهم يضحكون وتتعالى أصواتهم، بينما تصدمك تلك الألفاظ التى ينادى بها كل منهم الآخر، تظن للوهلة الأولى أنهم يتشاجرون، وتزداد الصدمة عندما تتأكد أن ما ينطقونه من ألفاظ بذيئة وشتائم تخوض فى أعراض الأمهات مجرد دعابات وكلام معتاد بينهم، فلا يهتز أى منهم حين يناديه الآخر بما يعاقب عليه القانون وبما يذكر أعضاء والدته الحساسة على سبيل الدعابة.
على مدار أيام لاحظت كلما مررت بمجموعة من الشباب أثناء سيرى فى الشارع مدى انتشار هذه الألفاظ بينهم واعتيادهم عليها، لدرجة أنها أصبحت وسيلة للمناداة بينهم، يرفعون أصواتهم وهم يرددونها بلا حرج، لا تغلى الدماء فى عروق أى منهم حين يسمع ما يسيء لوالدته بأفظع الألفاظ، وكأن هذه الدماء تحولت إلى مياه باردة، بل ربما يضحك وهو يبادل صديقة الألفاظ نفسها، ولا يستحى من أن يسمعها المارة ويرونه وهو يستقبل هذه الشتائم بابتسامة وبرود تام.
من خلال الحديث مع بعض الشباب عرفت أن هذه الألفاظ والشتائم أصبحت أمرا عاديا ومعتادا بينهم ينادون بها بعضهم البعض، كانت الإجابات " عادى احنا بنهزر"، تجدهم يجاهرون بها ويتبادلونها على صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماعى.
قديما كان الشاب يحرص على ألا يعرف الناس اسم والدته، ورغم أن البعض وخاصة جمعيات حقوق المرأة يرون فى ذلك تقليلا من شأن المرأة، إلا أننى لا أراه كذلك، حيث كان الدافع الحقيقى وراء ذلك حرص الابن على ألا يذكر أحد اسم والدته بسوء أو حتى على سبيل الدعابة، لغيرته عليها وحفظا وتقديرا وتقديسا لاسمها، حيث كان يمكن للشاب أن يخسر حياته أو تقوم حروب بين عائلات إذا ذكر اسم الأم بسوء.
كانت الأم " حرمة "، هذا اللفظ الذى ترفض الجمعيات الحقوقية إطلاقه على المرأة ، رغم ما يحمله من قدسية، فالحرمة فى القاموس العربى تعنى " ما لا يحل انتهاكه من ذمة أو حق أو صحبة أو غير ذلك" ، كما تعنى " المهابة "، وما يحميه الرجل ويدافع عنه، كما يطلق لفظ حرم على الأماكن المقدسة، ولكن للأسف أصبحت الأم واسمها أسهل ما يمكن انتهاكه بلسان الأبناء الذين اعتادوا الفحش فى القول والقبح فى الحياة.
هؤلاء الشباب الذين ينتهكون حرمة أمهاتهم قد يكونون معذورين لأنهم تربوا فى مجتمع أصبح القبح فيه موضة ومجاراة للعصر، مجتمع تغير كثيرا ولم تعد فيه حرمة للكثير من المقدسات والحرمات ، أصبحت الملابس الممزقة أحدث صيحات الموضة ، وانهالت عليهم وحاصرتهم كل معانى القبح فى الكثير من الفنون التى من المفترض أن تعمل على رقى الانسان وتثقيفه.
أصبحت الألفاظ والمشاهد الخادشة تحاصرنا فى بيوتنا أمام شاشات التليفزيون، تغيرت اللهجة المستخدمة فى الدراما واقتحمتها الألفاظ البذيئة الخارجة .
يكفى أن نعرف أن عبارة مثل " ابن الكلب أو ولاد الكلب" التى قالتها سيدة الشاشة العربية فى فيلم الخيط الرفيع ، وقالها الفنان نور الشريف فى نهاية فيلم سواق الأتوبيس ، أثارت ضجة هائلة وانتقادات واسعة ، ومحاولات للحذف ، خوفا على ذوق المشاهد وحرصا على ألا يصل مسامعه ما لا يليق من ألفاظ ، رغم أنها قيلت فى سياق درامى ، فقالتها زوجة لزوجها الذى تزوج عليها فى فيلم الخيط الرفيع ، وقالها سواق الأتوبيس للص يسرق الركاب الفقراء .
تعود الشباب على سماع القبح فاعتادت ألسنتهم على النطق بالفحش ، حتى وإن كان فى ذلك نيل من حرمة الأمهات أقدس المقدسات.
لم يجد أى منهم فى أقوال علماء الدين من مشايخ وقساوسة ما يقنعه بالنهى عن السب الذى تحرمه وتستقبحه كل الأديان ، حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عنه نهيا واضحا فى أكثر من حديث حتى أنه قال :" إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه، قيل يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه.. قال يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه" ، كما نهى عن سب الأعراض فى قوله صلى الله عليه وسلم : " أربى الربا شتم الأعراض " ، ويكفى أنه صلى الله عليه وسلم نهى حتى عن سب الشيطان فى قوله :" لا تسبوا الشيطان , وتعوذوا بالله من شره".
عزيزى الشاب كيف تسمح بسب والدتك حتى وإن كان على سبيل الدعابة وقد نهانا الرسول حتى عن سب الشيطان ، وهل يعقل أن تنتهك والدتك بلسانك ولسان أصدقائك؟ أليس من السهل على من يفرط ويستبيح حرمة والدته أن يستبيح كل الحرمات ، فاحفظ الحرمة يا ابن الحرمة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة