خلال الفترة التى تلت 25 يناير صدرت العديد من الكتب والشهادات فى مصر والدول العربية، أغلبها شهادات متعجلة حاول أصحابها تسجيل لحظات الفخر وشعارات الثورة.. وسعت دور نشر ومحطات فضائية لاستغلال الفرصة وتحقيق أرباح ساخنة.. ولم تكن أغلب الكتب تحمل جديدًا.
لكن ربما لحسن الحظ أن شبكات التواصل الاجتماعى حملت «أرشيف» من الشهادات والقصص والحكايات، بعضها حقيقى والبعض الآخر مستعار، لكنه يمثل مادة خامًا تحتاج الكثير من الجهد لقراءتها وفرزها. وهى فى كل الأحوال مفيدة لمن يريدون القراءة والفهم.
وفى هذا السياق هناك مجموعة من المهتمين بالتاريخ للثورة جمعوا عددًا كبيرًا من الفيديوهات عن أحداث 25 يناير وأتاحوها مجانًا لمن يريد على شبكة الإنترنت.. وهو أرشيف مهم يمكن أن يساعد على تكوين وجهة نظر تجاه المستقبل.. وبالطبع فإن أى شخص مهتم فعلا بالمعرفة والتحليل يتوفر لديه أرشيف ضخم من الكتب والشهادات والفيديوهات. لكن التفهم ربما يحتاج إلى الكثير من التسامح والاستعداد للاستماع إلى وجهات النظر المختلفة خاصة الجاد منها، والذى يتجاوز الشعارات، لأن الاستقطاب يجعل البعض متجمدًا عند مرحلة مضى عليها سبع سنوات وجرى فيها الكثير من التحولات تستلزم إعادة النظر.. لكن الاستقطاب يضاعف من صعوبة اللقاء بين فريقين كل منهما يحتل مساحة صغيرة من المشهد، لكن بصوت أعلى وضجيج فارغ فى كثير من الأحيان.
ويحلو للبعض البقاء عند شعارات الأيام الأولى ووحدة الميدان ويمضغون الأقوال الرنانة لبعض الرؤساء والسياسيين الأجانب عن المصريين، الذين يصنعون التاريخ كالعادة، وأن أوباما يدعو الشباب الأمريكى للاقتداء بالشباب المصرى.. ولم ينتبهوا إلى أن نفس هؤلاء الزعماء ساعدوا أكثر التيارات تطرفًا، وساعدوا فى نشر الفوضى فى ليبيا وسوريا من دون استكمال للبناء السياسى أو مساعدة أهلها.
مشكلة الاستقطاب أنه يمنع الفهم، بين فريق يعين نفسه وكيلا حصريا ومالكا للثورة، يرفض أى انتقاد أو تحليل ويحاول إسباغ نوع من التقديس على أحداث بشرية.. وفريق آخر شارك أو رفض يقاوم أى محاولة لتفهم ماحدث بعيدًا عن العداء.
ومن المفارقات أنه بالرغم من أن الحدث عربى فإن أقل الكتب والشهادات الجادة كانت من نصيبنا، حيث بقينا عند حدود الشعارات واللطم والحنين، بينما كان هناك اهتمام أكثر جدية لدى باحثين أوروبيين أو أمريكيين أو روس أو حتى يابانيين، بينما تظل أكثر الشهادات والدراسات ضعفًا تلك التى يقدمها باحثون عرب أو من أصول عربية، لأنها تأتى منحازة ومدهونة بانحيازات هؤلاء لمراكز ممولة أو منخرطة فى عمل سياسى ممول.
وقد تلقت المكتبات أكثر من ألف كتاب حول هذا الحدث وعشرات الدراسات والأبحاث بعضها، طبعًا، سطحى يصدر من مراكز ومنصات منحازة مع أو ضد والبعض الآخر محاولات جادة للفهم، تحمل قدرًا من التفهم والتحليل.. مع ملاحظة أن «عقدة الخواجة» تجعلنا نفضل رؤية واقعنا بعيون الخارج أكثر مما نميل لفهم مفاتيح واقعنا.
من الكتب التى صدرت فى الخارج هناك كتاب «حرائق الربيع.. رحلة ما بعد الربيع العربى عبر الشرق الأوسط المضطرب الجديد»، صدر 2016 من تأليف شيلى كولبيرتسون وهى دبلوماسية أمريكية ترحلت بين تونس وتركيا والعراق والأردن ومصر وترى أن «المرحلة الأولى من الربيع العربى كانت حول الاعتراض على الوضع القائم، والمرحلة الثانية سوف تتكشف على مدى العقود المقبلة، فى عمليات تدريجية من العمل اليومى لبناء المؤسسات وخلق القيم الاجتماعية الجديدة».. وفى حين يرى قطاع واسع من المحللين السياسيين أن الربيع العربى كان شوقًا للتحرر من واقع جامد وحنين للديمقراطية هناك رؤية مختلفة يطرحها جون برادلى الصحفى البريطانى، الذى أقام فى الشرق الأوسط 1998/2010 وأصدر عام 2008 كتابه «فى قلب مصر: أرض الفراعنة على شفا الثورة»، أصدر برادلى العام الماضى كتابه مابعد الربيع العربى يرى فيه أن المتطرفين أفسدوا الربيع العربى وجعلوا مصيره حكم الإسلاميين، الذين يعتلون السلطة ويمارسون استبدادًا أشد وطأة.
ويضرب مثلا بليبيا وسوريا والعراق واليمن ومصر وتونس وكيف تحولت بوصلة الربيع من الحرية إلى صراعات أخرى فرضها التطرف.
هناك عناوين أخرى لكتب ربما يكون مهما الاطلاع عليها لأن كلا منها يقدم زاوية للرؤية تختلف عن غيرها ومع الشهادت كل هذا يقدم محاولة للفهم والخروج من سجن الانغلاق على الذات، الذى يميز حالنا الاستقطابى المتجمد.