مرت أمس ذكرى سقوط الأندلس من بين أيدى المسلمين، ولأننا لا نتعلم من دروس التاريخ يجب علينا أن نسأل أنفسنا الآن: هل سقطت الأندلس فعلا أم ارتقت؟ وهل الأندلس التى سقطت أم نحن الذين سقطنا؟
الناظر إلى حال العرب الآن مقارنة بحال إسبانيا المفقودة يتأكد من أننا نحن الذين سقطنا لا غيرنا، نعم كانت الأندلس جنة الله على الأرض، لكننا طردنا من هذه الجنة مثلما طرد آدم حينما عصى ربه عامدا متعمدا، وسقطت الأندلس حينما خالفت شريعة الحاضر وظلت قابعة فى شرائع الماضى، سقطت حينما رفعت شعار «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر»، كان دائما ما يثير العديد من الأزمات والقلائل.
سقطت حينما زرعت أصول الفتنة وبذور التفرق على يد القائد المسلم «محمد ابن تومرت» الذى احتكر «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» فأثار القلاقل، وأحدث فتنة كبرى فى بلاد المغرب العربى، ولكى يؤسس لحكمه وكرامته اختلق العديد من الأساطير التى تؤكد أنه من أصحاب الكرامات، وذلك لكى يضفى على نفسه مسحة قدسية جعلت منه آمراً مطاعاً، منها مثلاً أنه كان يمشى على الماء، ومنها أنه تتلمذ على يد الإمام أبوحامد الغزالى، ومنها أنه حفيد رسول الله، وقد أثبت المؤرخون والباحثون زيف هذه الادعاءات وكذبها واستحالتها، لكن برغم ذلك صدقه الكثيرون، وأسهموا بتلك الثورة فى استنزاف دولة الإسلام ما بين الحروب الداخلية والفتن القاتلة، فلم يكتف «ابن تومرت» بذلك، إنما ادعى العصمة ورمى المرابطين بالكفر، وادعى أنهم من «المجسمة»، قائلاً: «إن مَنْ يعمل تحت حكمهم ومَنْ يَرض بحُكمهم، هو من الكافرين»، وبناء على ذلك استحل دماءهم، كما استحل دماء تابعيه عن طريق يوم التمييز الذى شرحه ابن الأثير فى الكامل باستفاضة، كما شرح تفاصيله الإمام الذهبى فى سير أعلام النبلاء.
سقطت الأندلس حينما انتمت للماضى وروجت الأساطير وصدقت الخرافات، فأنشأ «ابن تومرت» دولته التى كانت نهاية الأندلس الحقيقية، ويشاء القدر أن تنتهى تلك الدولة بنهاية أشبه بنهاية دولة المرابطين، فقد أمر الخليفة أبويعقوب المنصور بإحراق كتب العالم الكبير «ابن رشد» قاضى القضاة، لما كان يرى فيها من علوم وأفكار اتهمه بسببها بالكفر والإلحاد، ليموت بعدها بفترة ويتولى ابنه محمد بن يعقوب الحكم الذى انهزم أمام ألفونسو الثامن فى معركة «حصن العقاب» التى بداية النهاية الحقيقية لدولة الإسلام فى الأندلس، وهو للأسف ما نمارسه الآن.