أكرم القصاص

«الرقميون» أنت مراقب 24/24.. نعم نحن نتجسس على أنفسنا

الثلاثاء، 30 يناير 2018 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
احتاجت حكومة ألمانيا الشرقية لتوظيف عشرات الآلاف لمراقبة مواطنيها، والحصول على تقارير مفصلة عن حياتهم، كان الأمر يتطلب جهدا عضليا لزرع أسلاك وكاميرات وميكروفونات فى جدران المنازل والشركات والمسارح والمقاهى وعشرات الموظفين لمتابعة كل هذه الأجهزة طوال أربع وعشرين ساعة، لكن فى عالم اليوم يمكن لأى سلطة أو شركة أن تعرف كل هذه المعلومات من دون أى جهد لزرع ميكروفونات وأسلاك، كل منا يتبرع بتقديم كل المعلومات عن نفسه ويحدثها كل ثانية، كل جهاز من أجهزتنا الذكية يرسل كل فيمتو ثانية إشارة عن ما نحبه وما نكرهه، انتماءاتنا السياسية والأفلام والموسيقى التى نحبها ومشروبنا المفضل، هذه المعلومات تاخذها شركات صغيرة وبعمليات حسابية، يقوم بها «الرقميون» يرسمون تصورا عنا تمهيدا لتغيير سلوكنا. 
 
ومن أهم الكتب يأتى كتاب «الرقميون».. أنت مراقب 24/24، لمؤلفه ستيفن بايكر، والذى يشرح كيف يخضع العالم للمراقبة عبر الشبكة العنكبوتية وكيف مع الإنترنت أصبحت الحياة الخاصة خياراً مفتوحاً، وهو فى الأساس كتاب فى الرياضيات، والخوارزميات والاحتمالات عن الجاسوسية الطوعية التى نقوم بها على أنفسنا، والجاسوسية هنا ليست فقط بالمفهوم السياسى، وإن كانت السياسة واردة، لكن بمفهوم أوسع، يتيح التحكم فى سلوكياتنا ودفعنا لشراء أو بيع أو استهلاك، ويجعل عامة الناس الذين يستخدمون الموبايلات، واللاب توبات، يقدمون لبعض شركات تحليل البيانات والأرقام كل ما يلزمهم ليعرفوا عنهم كل شىء، تخيل أنك تستطيع أن تشاهد 150 مليون شخص يتصفحون الإنترنت فى الوقت ذاته. إن هذا هو، بالضبط، ما يفعله دايف مورجان، صاحب شركة «تاكودا» التى تقدم للمعلنين معلومات تساعدهم على تحديد الفئات الواعدة أكثر من غيرها ممن بين متصفحى الإنترنت الذين يهتمون بإعلاناتهم، ويستخدم من أجل ذلك خبراء الخوارزميات، الذين يحولون كل تصرف على مواقع التواصل، إلى أرقام يعيدون تحويلها لتوقعات ترسم صور سلوكيات الناس.
 
ويشير ستيفن بايكر إلى دراسة أجرتها جامعة «كارنيجى ميلون» توصلت إلى أن مجرد الإفصاح عن الجنس، وتاريخ الولادة والرمز البريدى لمنطقة السكن، يكفى لمعرفة معلومات بالغة الدقة عن 87% من سكان الولايات المتحدة الأمريكية، وبالطبع فإن هذه الدراسة يمكن تطبيق نتائجها على باقى مستخدمى شبكات الإنترنت والموبايلات الذكية، حيث إن  شركة الموبايل التى تتبعها وتحمل خطها، يمكنها تحديد مكانك بدقة، تجلس فى مقهى تشرب القهوة أو الشاى ومن تفاصيل لمسات أصابعك على مواقع التواصل وجوجل وغيرها، يمكنها بناء تصور أكثر وضوحا عن شخصيتك.
 
 ثم تجرى عمليات تحول هذه التفاصيل لبناء تصور كامل عن شخصياتنا، مع إمكانية التحكم فى الفكرة والسلوك ممكنة ومتاحة، وهى جاسوسية من نوع جديد، حيث يمكن لعدد محدود من الشركات فى العالم، وبعدد محدود من الرياضيين «الرقميين»، أن تعرف كل تفاصيل حياتك كفرد وأيضا كواحد من مجموع، وتعيد التحكم فى كل هذا، ويقول بايكر: «يريد الرقميون تغيير سلوكنا، فإن كنا نتسوق، يريدوننا أن نشترى أكثر، وفى أماكن عملنا يريدون منا تعزيز إنتاجنا، وإذا كان مرضيا، فإنهم يحرصون على أن نكون أكثر عافية وأقل تكلفة، ويمكن لشركات مثل آى بى إم وأمازون أن تصدر نماذج مبكرة عنا، ويعنى ذلك أنه بإمكانها توقع سلوكنا، والمضى فى إجراء التجارب علينا، ويمكنها أن تحثنا على إجراء تغييرات فى متجر أو مكتب ما كى تعرف ردة فعلنا على التغييرات». 
 
ومن خلال تجميع المعلومات الصادرة عنا، وتحويلها إلى نماذج يمكن توقعها، ويتوقع أن يصدر فى العقد المقبل، وغالبا من دون قصد، نماذج عنا فى كل مجال من مجالات الحياة، أى أننا سوف نظهر فى هذه النماذج إما كعمال، أو مرضى، أو جنود أو عشاق، أو متسوقين وناخبين، يبقى الهدف الأكبر صنع نموذج رياضى للبشرية، فلم تعد هناك حاجة كثيرا لعشرات الآلاف من الجواسيس، لأن الرقميين يقومون بذلك ويحولوننا إلى نماذج قابلة للتحكم.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة