"عندما راحت أهوال الحرب، الحرب العالمية الثانية، تطال عائلتنا، جاء شمس الدين، بعرض أدهشنى وملأنى غبطة، كانت إحدى المترتبات على الحرب وظروفها الحاكمة أن محطة القطار فى راميسوارام، نقلت إلى مكان بعيد عن بلدتنا وحينذاك راح شمس الدين يتساءل عن الكيفية التى سيتعامل بها مع الصحف التى تصله وكيفية تفريقها ورزمها وتوزيعها على المشتركين الذين ينتظرون بشوق عارم جرعتهم اليومية من الأخبار، وجد شمس الدين حلا لهذه المعضلة: كانت الصحف يحتفظ بها وهى مرزومة ومرتبة فى القطار، وبينما كان القطار يتأهب للانطلاق فى مسار راميسوارام – دانو شكودى يمكن حيئذ رمى الصحف من القطار على الأرض، وهنا يكمن دورى بالضبط بعد أن منحنى شمس الدين عملا ممتعا يتلخص فى تلقف الصحف المرزومة المرمية من القطار المتحرك ومن ثم توزيعها على المشتركين فى البلدة".. أهدى رئيس الهند الأسبق زين العابدين عبد الكلام كتابه "رحلتى.. تحويل الأحلام إلى أفعال" والذى صدرت ترجمتها العربية مؤخرا، عن دار نشر المدى بترجمة وتقديم لطيفة الديلمى بـ"إلى الستة عشر مليونا من الشباب الذين قابلتهم وتفاعلت معهم خلال العقدين الماضيين".
نشر عبد الكلام مذكراته الموسومة (رحلتى: تحويل الأحلام إلى أفعال) فى كتاب صغير عام 2013، ويمكن النظر إلى هذا الكتاب – المذكرات على أنه استذكارات جميلة لتفاصيل صغيرة لم يأت عبد الكلام على ذكرها فى سيرته الذاتية المنشورة فى الكتابين السابقين، وثمة القليل من الاستذكارات والحوادث فى هذه المذكرات أشار لها الرجل فى سيرته ولكن فى سياق تقريرى يذكر بالوقائع، اما هذه المذكرات فإن القارئ يستشعر منذ البداية العاطفة الجياشة التى تفعم روح الكاتب وتفيض من عقله وهو يأتى على ذكر تفاصيل إنسانية شفيفة وملهمة ساهمت فى تشكيل وعيه المبكر وشخصيته الإيثارية ذات الطموحات الملحمية العابرة للذات والساعية لتكريس الهند كقوة عظمى فى الساحة العالمية.
أبو بكر زين العابدين عبد الكلام عالم ومهندس صواريخ هندى لعب دورا رائدا فى تطوير برنامج الهند الصاروخى كما كان رئيسا للهند للفترة 2002 -2007، وهو كاتب وشاعر لم ينتم يوما لحزب سياسى ويمثل الرئيس المسلم الثالث للهند متعددة الأديان.
يقول عبد الكلام فى مقدمة المذكرات: "تحكى رحلتى هذه تجارب مميزة ومحددة من حياتى ابتداء من طفولتى وحتى اليوم حيث تجاوزت الثمانين، توفى فى سنة 2015، وفى كل سنوات حياتى تلك وخلال كل التجارب التى مررت فيها كان الدرس الأكثر أهمية الذى تعلمته هو أن المرء ينبغى أن يواصل الحلم فى كل الأطوار المختلفة من حياته ومن ثم يعمل بجدية ومثابرة فى سبيل تحقيق تلك الأحلام، ونحن إذا ما فعلنا هذا فإن النجاح سيكون قريبا من التحقق لا محالة ، أقول دائما للكثيرين الذين أقابلهم (الأحلام ليست ما نراه فى منامنا، بل هى بالضبط ما ينبغى أن يجعلنا لا ننام أبدا".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة