أعتبر نفسى وجيلى من آخر الأجيال المحظوظة التى شهدت آخر أيام الجمال والرقى فى كل شىء، والذى بكل أسف مع مرور السنوات بات الفرق واضحاً وباتت الهوة فى أشد أوقات اتساعها بين ما كان بالماضى الجميل وبين كابوس الواقع المؤلم الذى فرض نفسه بقوة دون منازع على مجتمعاتنا العربية بشكل عام ومصر بشكل خاص جداً !
فقد تربينا على قيم وأسس راسخة ومفاهيم للأشياء لا مجال للخطأ أو اللبس بها، فعلى سبيل المثال :كانت هناك مقولة شهيرة متأصلة قالولنا عليها فى البيوت وأكدت عليها المدرسة التى كانت منبر للتربية قبل التعليم وهى أن "الموسيقى غذاء الروح "!
فكان من الطبيعى جداً وجود غرفة الموسيقى بكل مدرسة وهذه الغرفة كانت تمتلئ بكل الآلات الموسيقية ،كما كانت هناك حصة للموسيقى مقدسة وفرقة من الطلاب تسمى فرقة الموسيقى بالمدرسة والتى أخرجت للنور بعد ذلك الآلاف من المبدعين الذين تربوا وتعلموا فى المدرسة كبداية ،ثم تم اكتشاف مواهبهم أيضاً عن طريق المدرسة .
ما ذكرته عن حصة الموسيقى كان ينطبق على جميع حصص الأنشطة الفنية والرياضات المختلفة التى كانت أساسية فى جميع مراحل التعليم وفى جميع المدارس الحكومية التابعة للدولة قبل الخاصة .
لكن واأسفاه على منحنى التدهور والتدنى الذى أصاب عملية التربية والتعليم والذى تم تتويجه بإلغاء جميع حصص الأنشطة بكل أشكالها وعلى رأسها الموسيقى من جميع المدارس تقريباً ليتم استبدالها بحصص الفراغ واللا شىء والضياع الذى أصاب أجيالاً بعينها لا تتلقى أية غذاءات للروح ولا حتى للعقل !
فقد فاجأنى ابنى الطالب بالصف الأول الإعدادى بإحدى مدارس اللغات باهظة التكاليف بأنه لا توجد غرفة موسيقى بالمدرسة ولا حصص للأنشطة الفنية والرياضية وما ذكره قد تأكدت منه على مستوى غالبية مدارس الجمهورية، فبالكاد يتلقى الطلاب المواد الدراسية كتحصيل حاصل حيث تحولت الحصص إلى مناخ جيد للرغى والعبث وانعدام السيطرة من قِبل المدرس على الطالب بشكل غير مسبوق !
مما جعل من الدروس الخصوصية شىء حتمى على ولى الأمر أن يتقبله رغماً عنه ليتكبد مصاريف المدرسة الباهظة بجانب مصاريف الدروس الباهظة أيضاً !
وإن لم يفعل وقرر التمرد على هذه الإتاوة التى لا مفر منها ،لا يجد سوى الحائط ليخبط بها رأسه !
أخيراً : فما حل بالتعليم من تدنى وتدهور قد حل بالثقافة والفنون والآداب والرياضة والصحة والإعلام !
فهل نحن على مشارف الانهيار التام الذى يسبق تغير المنحنى إلى اتجاه الصعود من جديد ؟
أظن أننا سنرى بأعيننا فى السنوات القليلة القادمة بإذن الله منحنى الصعود الذى تعثر بفعل فاعل لزمن طويل لننتقل نقلة جديدة تليق بمصر خالية من الفساد والمفسدين .