يحتفل مَسيحيُّو الشرق، غدًا، بعيد الميلاد، حيث وُلد "السيد المسيح" فى قرية من قرى اليهودية: "بيت لحم". وإذ صدر أمر بالاكتتاب فى تلك الأيام من "أوغسطس قيصر" الذى كان يحكم الإمبراطورية الرومانية فى ذٰلك العصر؛ من أجل قيامه بعمل نوع من التعداد لسكان البلاد التى تتبع إمبراطوريته، وكان ذٰلك هو الاكتتاب الأول. فذهب كل إنسان ليُكتتَب فى المدينة التابع لها، وكا من الذاهبين "القديس يوسُف النجار" لكونه من بيت "داوُد" وعشيرته ليُكتتب مع "السيدة العذراء مريم"؛ وبينما هما هناك، تمت أيامها لتلد، ولٰكن لم يجد لها مكانًا عدا حظيرة للحيوانات!! فقد كانت المدينة مكتظة بالعائدين إليها لإنهاء مهمة تسجيل أسمائهم. وهٰكذا وضعت "السيدة العذراء" وليدها فى ذٰلك المذود.
وربما السؤال : ألم يكُن هناك موضع أفضل ؟! لقد كانت تلك الأحداث جميعها بتدبير من الله الضابط الكل كى تُحمل رسالة الميلاد إلى العالم : تلك الرسالة التى تُعلن أن "السيد المسيح" جاء من أجل كل إنسان، بل بالأخص من أجل المرفوضين والمنبوذين الذين ليس لهم أحد يذكرهم، أو موضع يُسندون فيه رُؤوسهم. وقد قدم السيد المسيح هدف مجيئه إلى العالم فى رسالة واضحة أعلنها فى تعاليمه: "... وأمّا أنا فقد أتيتُ لتكون لهم حياة ويكون لهم أفضل.". فإن كانت السماء أنشدت: "... وبالناس المسرة."، فإنما كانت تُعلن أن تلك المسرة أو السعادة ليست لأحد بعينه بل للناس جميعًا، إنها تحمل الفرح إلى البشرية .
هٰكذا جاء الميلاد لينتشل الجميع من أحزانهم، وآلامهم، دون النظر إلى حالتهم الاجتماعية أو المادية أو التعليمية، لقد جاء إلى البسطاء النقية قلوبهم مثل "يوسف النجار" الرجل البار، كما جاء إلى أصحاب الفلسفات والتعاليم الذين عاشوا حياتهم يسلكون فى اقتناء العلم ويبحثون عن سر سعادة الحياة. وأيضًا جاء الميلاد برسالته إلى الرعاة كما جاء إلى الملوك مثل "هِيرُودُس الملك"!! وإلى القيادات مثل رؤساء الكهنة والكتبة!! كانت رسالة الميلاد هى تقديم السعادة والمسرة للجميع، ولٰكن: مَن من أولٰئك تمتع ببركات وأفراح الميلاد؟!
اليوم تأتى ذكرى الميلاد وهى تقدم الرسالة عينها لكل إنسان: "وبالناس المسرة"؛ لتجتذب نفوس الحزانى والضعفاء والمتألمين والمرفوضين إلى النظر نحو السماء، ومحبة الله تجاههم، معلنةً أنه هو من يعتنى بالجميع، ويساند كل نفس اتكلت عليه، إنه واهب السعادة الحقيقة لكل نفس متعبة، ولكل نفس بسيطة نقية وضعت ثقتها فى حكمته وتدبيره لجميع أمورها. وهى الرسالة عينها إلى كل نفس تظن أنها تستطيع أن تعيش بدون الله، أو أنها تكتفى بما لديها من قوة وإمكانات، رسالة تقول لكل أحد: السعادة الحقيقية هى من الله .
ولا نملِك فى الاحتفال بيوم ميلادك، سوى أن نقدم رسالة المحبة والخير والسلام إلى كل نفس من أجل إسعادها، فهى رسالتك لهم: "وبالناس المسرة" .
*الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة