جميل أن يصبح محمد صلاح نموذجا لشباب مصر فى النجاح والتفوق والنجومية، فالنجاح معد والتفوق طريق لتحقيق الذات وتنمية الدولة والنجومية حلم مشروع للشباب يعصمهم من الانزلاق إلى أوهام التطرف والمخدرات والانحراف عموما.
نموذج محمد صلاح، المصرى الذى يشبه أولادنا وإخوتنا وشبابنا الجالس على المقاهى الذى يشكو البطالة وعدم وجود فرصة لتحقيق أحلامه، هل صحا من النوم فجأة فوجد نفسه يلعب فى ليفربول ويسهم بدور رئيسى مع منتخب مصر للتأهل لكأس العالم، أم حصد النجومية والنجاح والمال والشهرة وحب الناس بالحظ؟
كثير من الشباب الذين يحلمون بتكرار إنجاز محمد صلاح ويرتدون الـ«تى شيرت» الذى يحمل رقمه فى روما أو ليفربول ويرددون أغانى المشجعين له، يبدأون من لحظة المجد والشهرة والنجومية الطاغية التى يحظى بها، ويحلمون ويحلمون ثم ينتظرون أن يستيقظوا من النوم ليجدوا أنفسهم فى أوروبا أو فى شهرة صلاح، طيب السؤال الغائب هنا، لماذا لا يبحث ملايين الشباب المصرى عن قصة كفاح محمد صلاح ويذاكرونها جيدا لاستخلاص الدروس والعبر؟ لماذا لا يطابقون بين رحلة التعب والشقاء التى خاضها منذ كان طفلا وحتى لحظة احترافه فى بازل السويسرى ومن ثم بداية توهجه فى أوروبا حتى وصوله إلى مصاف النجوم الكبار؟ ولماذا لا يتم تسليط الضوء على الكيفية التى يعمل بها صلاح على حاله وهو نجم عالمى حتى يحافظ على مستواه ويتطور يوما بعد يوم؟
محمد صلاح كان ابنا لأسرة عادية فى قرية مصرية، لكنه كان لديه حلم أن يصبح لاعب كرة مثله مثل إخوته وأبناء عمه وجيرانه وزملائه فى المدرسة، ولكنه كان يمتلك أيضا التصميم والذكاء والكفاح ليحقق حلمه، وكان معه فى الحلم أبواه اللذان آمنا بقدرته على تحقيق حلمه وساعداه بإمكاناتهما المحدودة فى رحلة الكفاح التى اختارها لنفسه.
وتخيلوا طفلا فى المرحلة الإعدادية يستقل أتوبيسا مرهقا من قريته إلى مدينة المحلة أو مدينة بسيون ومنها يستقل أتوبيسا آخر حتى القاهرة بمفرده ست ساعات ذهابا وإيابا خمسة أيام فى الأسبوع ومعه أقل القليل من النقود، يا دوب ما يكفى رحلته اليومية إلى حلمه، حتى يلتزم بمواعيد التمرين فى نادى المقاولون العرب، ويعود ليذاكر دروسه اليومية وينام.
هذه المشقة التى ألزم نفسه بها وهذا الإصرار على تحقيق حلمه هو ما مكنه من الاختلاف عن كثير من زملائه الطلاب واللاعبين الأكثر يسرا منه والأحسن ظروفا والأقرب إلى كل شىء، النادى واللعبة والوسائط والإمكانات والفرص المتاحة والتدليل من الأسرة والمدربين والأقارب، لكنهم لم يحققوا ما حققه صلاح.
كم يشبهنا محمد صلاح وكم نشبهه، لكنه استطاع أن يحول التحديات والعقبات والظروف غير المواتية إلى منصات يرتقيها إلى حصد النجاحات والجوائز والشهرة، والتزم فى كل هذه المراحل بالتواضع الكريم فحصد أكبر جوائزه على الإطلاق وهى محبة الناس.
هل يستطيع كل منا أن يضع نموذج صلاح أمامه ويتوقف عن لعن الظروف والشكوى من عدم وجود الفرص وتعمد الآخرين إغلاق الأبواب؟ هل يمكن أن نعتبر التحديات التى نمر بها اختبارا لإرادتنا والعقبات الموضوعة فى طريقنا أدوات لتدريبنا على حصد النجاح؟ هل يمكن أن نحول كل الظروف الصعبة إلى فرص للتحقق والنمو؟ وقبل ذلك وبعده، هل يمكن أن يستخرج كل منا حلمه الأقرب إليه ويعقد النية على تحقيقه بالعمل والكدح وبذل الجهد مهما كلف ذلك من وقت ومشاق؟ باختصار، هل يمكن أن يخرج كل منا محمد صلاح الكامن فى داخله؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة