وقف أحدهم معلنًا إقامة صلاة الظهر، فاصطف الجميع خلف من اختاروه إمامًا لهم.. أقاموا الصلاة، وخلفهم صليب برز من داخل مبنى الكاتدرائية بالعاصمة الإدارية الجديدة.. هذا المشهد وقعت عليه أعيننا جميعًا الأسبوع الماضى، فى صورة تداولها النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعى لمهندسى وعمال بناء الكاتدرائية وهم راكعون يؤدون إحدى الصلوات، وفى الخلفية تظهر صورة قبة الكاتدرائية يعتليها صليب كبير.
الصورة بكل تأكيد لم تكن مصطنعة، إنما كانت عفوية، وتكشف عن المعدن الأصيل للمصريين، والصورة الحقيقية لمصر المتماسكة بمسلميها وأقباطها وكأنها بيت كبير للصلاة، فمن يبنون الكاتدرائية بينهم مسلمون ومسيحيون، كلهم يحركهم هدف واحد، هو تهيئة المكان ليكون جاهزًا لإقامة قداس عيد الميلاد بداخله، يواصلون الليل بالنهار ليتحقق الإنجاز، ويؤكدون لمصر أن رجالها قادرون على العمل والتحدى مهما كانت الصعاب.
الوعد والعهد كانت له قصة، ففى احتفال إخوتنا المسيحيين بعيد الميلاد المجيد العام الماضى، فاجأ الرئيس عبدالفتاح السيسى الجميع أولًا بحضوره القداس المقام داخل الكاتدرائية بالعباسية، ثم بإعلانه إنشاء كاتدرائية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لتكون أكبر كنيسة فى مصر والشرق الأوسط، وإعلانه أيضًا أنه أول متبرع لبناء الكاتدرائية، وقال إن قداس العام المقبل سيكون فى هذه الكاتدرائية، ليكون أول قداس عيد خارج كاتدرائية العباسية منذ تأسيسها قبل 52 عامًا.
وقتها لم يصدق أحد أن نصل لهذه الدرجة من الوفاء بالوعد، وأن يكون قداس 2018 فى الكاتدرائية الجديدة، لكن أمس كان شاهدًا على الوفاء بالوعد والعهد، بإقامة القداس فى كاتدرائية العاصمة الإدارية الجديدة.. نعم خلال عام واحد وعد الرئيس وأوفى بوعده للمصريين، أو كما قال البابا تواضروس «إن الصلاة والوجود فى هذه الكنيسة فى هذا العيد يعد رسالة لكل العالم عن مصر، التى تتقدم نحو المستقبل بخطوات واثقة»، معلنًا أن الكاتدرائية ستسمى على اسم ميلاد السيد المسيح «كريسماس كاتدرا»، وهى ذات إمكانيات كبيرة.
الكنيسة التى صلى بها إخواننا المسيحيون أمس تتسع لـ1200 ديسك خشبى، بسعة 4800 شخص، وتحوى هيكلًا رئيسيًا، وهيكلين جانبيين، وحصدت لقب الكنيسة الأكبر فى الشرق الأوسط، بمساحة 63 ألف متر مربع، واختير لها مكان مجاور للحى الحكومى فى العاصمة الإدارية الجديدة، وتتكون من كنيسة صغيرة إلى جانب الكنيسة الرئيسية الكبرى، وقاعة مناسبات رئيسية، وقاعتين فرعيتين، وحمامات للرجال والنساء، وغرف للمعمودية، واستراحة، وغرفة للكنترول، وقد تم البدء فى المشروع فى نفس الشهر الذى أطلق خلاله الرئيس الوعد، أى يناير 2017، وتم التصميم بواسطة عدد من المكاتب الاستشارية المتخصصة، تحت إشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وإدارة الأشغال العسكرية، وعهد فى تنفيذ الكاتدرائية لعدد من أكبر شركات المقاولات لإنجاز هذا الصرح العظيم، وتم تصميمها بشكل مماثل لتصميم الكاتدرائية الحالية فى الأنبا رويس بمنطقة العباسية، حيث صُممت على شكل صليب، وتحاط قباب الكنيسة بزهرة اللوتس.
صلاة قداس عيد الميلاد فى كاتدرائية العاصمة الإدارية الجديدة هى رسالة للداخل والخارج بتماسك وتكاتف المصريين، فلا فرق بين مسلم ومسيحيى، الكل نسيج واحد، وتأكيد على فشل كل المحاولات الخبيثة والدنيئة لإحداث الشقاق بين المصريين، ففى كل عملية إرهابية تستهدف كنيسة يزداد المصريون تماسكًا، لإيمانهم العميق بأن نجاة مصر لن تكون إلا فى التكاتف، وأن الطريق الوحيد لمواجهة وصد الإرهاب هو أن يقف المصريون صفًا واحدًا فى مواجهة محور الشر، الذى لا يفرّق بين مسلم ومسيحى، لأن هدفه واحد، هو تدمير مصر.
وفاء الدولة المصرية، ممثلة فى الرئيس السيسى، بالوعد لإخواننا المسيحيين لم يقتصر فقط على بناء الكاتدرائية الجديدة، فقد سبقها الكثير والكثير، سواء ببناء الكنائس التى هدمها الإرهابيون الإخوان بعد فض اعتصامى رابعة والنهضة المسلحين، وأيضًا الكنائس التى تضررت جراء العمليات الإرهابية، ومنها الكنيسة البطرسية، وغيرها من الكنائس التى أعادتها الدولة إلى سيرتها الأولى فى أيام معدودة، لتؤكد للجميع أن سياسة الدولة المصرية تجاه شعبها لا تكتفى بالحديث، وإنما تدعم كل تحركاتها بأفعال على الأرض، هدفها هو تلبية متطلبات الشعب.
لا أبالغ إذا قلت إننا نعيش فترة من أزهى فترات التلاحم بين المصريين، فما حدث مؤخرًا من المصريين الذين خرجوا للدفاع عن كنيسة مارمينا بحلوان، ونداء إمام المسجد للأهالى بالخروج لحماية الكنيسة، لم يكن أبدًا عاطفة مصطنعة، لكنه العقيدة الراسخة فى عقول وقلوب المصريين.. نعم تعرضت فى فترة من الفترات لتشوهات بسبب أفكار هدامة حاول الإخوان الإرهابيون ومعهم بعض السلفيين المتشددين زرعها فى عقول المصريين، لكن اليوم الوضع تغير، والسبب أننا أمام نظام أعطى للمصريين المثال الحسن فى كيفية التعايش.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة