طالبنا فى مقال الأمس بضرورة إعادة تصنيف سعد الدين إبراهيم، على أساس أن تصنيف الرجل يضىء تحركاته السياسية ويوفر الكثير من الجدل حول هذه التحركات، وبالتالى فلا يمكن التعامل معه بدون اعتباره مواطنا أمريكيا متزوجا من أمريكية وأولاده جميعهم يحملون الجنسية الأمريكية، فضلا عن عمله لدى دوائر معلوماتية مرتبطة بوزارة الخارجية الأمريكية ومجلس الأمن القومى الأمريكى.
وتوقفنا أمام سؤال، لماذا تدعه الدولة المصرية وأجهزتها المعنية يقوم بتحركاته ورقصاته المنفردة بحرية؟ وهل يمكن أن يكون مستر إبراهيم نوعا من العميل المزدوج، يخدم أحيانا السياسات المصرية وينقل الرسائل المطلوبة إلى الأمريكان، كما ينقل الرسائل الأمريكية غير المراد تمريرها بالقنوات الرسمية، لكن المعروف أن الدولة المصرية لها قنواتها الرسمية وغير الرسمية للتعاطى مع الإدارة الأمريكية حتى فى أحلك الظروف عندما تتوتر العلاقات بين البلدين كما كان الحال خلال الولاية الثانية لأوباما.
أريد أن نعود معا إلى أوائل الألفية الجديدة، عندما كان منوطا بسعد الدين إبراهيم ومجموعة من الأمريكيين العرب لعب أدوار فى إحداث تغيير للأنظمة العربية على نحو يأتى بتيارات سياسية معينة بحيث يظل النظام مواليا بالكامل لأمريكا، وعندها بدأ مستر إبراهيم يكتب مقالاته الشهيرة عن التوريث وخليط الجمهورية والملكية فى الدول العربية ويفتح باب مركز ابن خلدون الذى يملكه لإقامة ندوات لمصريين وأجانب وتلقى تبرعات من الخارج.
وعندما تحركت الدولة، كانت القضية الشهيرة رقم 13244 حصر أمن دولة أمام محكمة أمن الدولة العليا، والتى قضى فيها المستشار عادل عبدالسلام جمعة بالسجن 7 سنوات على المتهم الأول بالقضية سعد الدين إبراهيم عن ثلاث تهم وهى تلقى تبرعات من الخارج بدون ترخيص، وإذاعة بيانات وشائعات تسىء لسمعة مصر بالخارج بخصوص تزوير الانتخابات ووجود اضطهاد دينى للأقباط فى مصر، والنصب على الاتحاد الأوروبى بأن أوهمه بأنه ساعد بالفعل 60 ألف مواطن مصرى على تقييد أسمائهم فى الجداول الانتخابية بخلاف الحقيقة، كما أدينت المتهمة الثانية نادية عبدالنور بالسجن سنتين مع الشغل والنفاذ بتهمة الاشتراك بطريق الاتفاق والمساعدة مع المتهم الأول فى النصب على الاتحاد الأوروبى، وأدين محمد حسين عمارة وماجدة البيه بالسجن ثلاث سنوات مع الشغل عن أربع تهم، وهى تلقى رشوة مقابل تقديم بطاقات مزورة وتزوير بطاقات انتخابية، واستعمال محرر مزور والاستيلاء على خاتم شعار الجمهورية الخاص بمركز منوف بغير وجه حق، وأدين باقى المتهمين بالسجن لمدة سنة مع إيقاف التنفيذ بتهمة الاشتراك فى النصب على الاتحاد الأوروبى.
وبعد الحكم فى القضية أصبح سعد الدين إبراهيم أشهر سجين فى مصر، ومارست الولايات المتحدة ضغوطا عنيفة وأطلقت منظماتها الحقوقية تهاجم المؤسسات المصرية، إلى أن تم الإفراج عن الرجل وإعادة محاكمته وإلغاء الأحكام السابقة وفق صيغة «عدم كفاية الأدلة»، إلا أن الاتهامات الأكثر وضوحا ورسوخا والتى لم يستطع مستر إبراهيم التنصل منها أو الطعن عليها، أنه رجل الإدارة الأمريكية فى مصر وأحد المحركين الأساسيين لمندوبيها السريين العاملين فى المجتمع المدنى وأيضا بوابة عطاياها ومنحها وتمويلاتها للجمعيات والمنظمات الأهلية الراغبة فى السير على الدرب وتنظيم الندوات الموجهة وجمع المعلومات المطلوبة.
هل يمكن أن تتحرك الدولة المصرية وأجهزتها ضد سعد الدين إبراهيم مرة أخرى بنفس الطريقة السابقة؟ لا أعتقد، ولا أعتقد أيضا أن مستر إبراهيم أصبح مؤثرا كما كان فى الماضى قبل أن تنكشف الوجوه وتحترق أوراق اللعب ويعى المصريون طبيعة الألعاب التى تمارس عليهم!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة