"لقد كان جريئا واسع الأمل، مصريا بحتًا" هكذا وصف اللورد كرومر "الخديو عباس حلمى الثانى "الذى نفخ فى مصر روحا جديدة أذكت نار الوطنية الكامنة وجرأت مصر على مناهضة الاحتلال" كما قال عنه الكاتب أحمد مصطفى، فى مقدمة مذكرات "عهدى" للخديوى الراحل.
وتمر، اليوم، ذكرى تولى الخديوى عباس حلمى الثانى حكم مصر، إذ جلس على عرش البلاد فى 8 يناير 1892، حين كان فى سن الثامنة عشر من عمره.
عباس حلمي الثاني جالسا مع والدة الخديوي محمد توفيق
وبحسب مقدم الكتاب أحمد مصطفى، فإن الخديوى عباس حلمى الثانى، كان له دور مهم فى بروز الحركة الوطنية فى البلاد، حيث اصطفطى الشباب الذى توسم فيهم الذكاء والإقدام، وعاونهم فى دراساتهم وأوفدهم إلى أوروبا فى مهمات سياسية بدعم منه باعتباره حاكم مصر الشرعى، وكان منهم مصطفى كامل، الذى طالما أشاد به وآزره من أجل إيقاظ الروح الوطنية، لكنه على الجانب الآخر انتقد أحمد عرابى، وانتقد ثورته فى عام 1881 وحمله مسئولية الاحتلال البريطانى، وهو ما ردده أيضا رجال الحزب الوطنى برئاسة مصطفى كامل فى ذلك الوقت.
الخديوى عباس حلمى، لم ينفى واقعة قصر عابدين، حين ذهب عرابى إلى الخديوى توفيق، موضحا أن عرابى ذهب فى يوم 9 سبتمبر 1881 إلى قصر عابدين على رأس وفد عسكرى بالكامل بوجود القنصل الإنجليزى والمراقب المالى الإنجليزى الذين تواجدوا بالصدفة على حد تعبيره، للمطالبة باقتراح تكوين جيش مصرى من 18 ألف جندى، وإقالة حكومة رياض باشا وإنشاء برلمان، وهو ما أعطى فرصة للتدخل الأجنبى بصورة أكبر معتبرين أنفسهم مخلصين للمصلحة المصرية، مؤكدا أن الضغط الذى مارسه عرابى واللورد كرومر والدول الأجنبية كان أحد الأسباب لنهايته المبكرة كحاكم.
أحمد عرابى يسلم الخديوى توفيق مطالبه فى ميدان عابدين.
ويقول توفيق "لقد أصبحت كل التفاصيل لفترة حكم توفيق المعذبة ملكا للتاريخ، وكان عذاب والدى يتمشى مع المجهودات البائسة، من أجل إنقاذ مصر من عبودية احتلال أجنبى، كانت ذريعته طموح رجل، لا جدال فى خيانته لأميره ووطنه وإخوانه، ونخطئ بكل تأكيد إذا ما جعلنا من هذا الطاغية العسكرى أحد أوائل أبطال الوطنية المصرية.
ويتابع الخديو عباس "وجد والدى نفسه محصورا فى دائرة مثبطة للعزيمة وظالمة، ولا يمكن تبرير أفعالها دائرة الحقد، والعنف والشكوك، فتنة عرابى التى زاد الاحتلال من نتائجها فوجد نفسه مهزوما فى عمله كحاكم".
الخديوى لم يكتف بوصف عرابى بالخائن فى مذكراته، بل أيضا تحدث عن طائفية عرابى ورغبته فى تولى العرش، قائلا "كان عرابى معاديا لكل المسيحيين، ولم يقم إلا بتنفيذ لعبة إنجلترا بأمل خفى يسعى إلى انتزاع عرش أسرة محمد على، ويمكننا أن نعتبر فتنة عرابى يقظة غير يقظة الاتجاه الوطنى، ولكن الشعار المعادى للأسرة الحاكمة عند هذا الضابط، وطموحه المجنون، ودفعه الجيش إلى التمرد، واستثارته للغرائز المتطرفة للجماهير الجاهلة والمتعصبة، قد سارعت إلى دفع البلاد كلها إلى أيدى الأجانب الذين أهانوها".
الخديوي عباس حلمي الثاني
الطريف فى حديث الخديوى كان فى بداية حديثه عن فترة حكمه، حيث يقول "عباس حلمى" بدأ حكمى مبكرا للغاية، فكان عمرى سبعة عشر عاما.. وانتهى كذلك مبكرا للغاية، فلم يستمر سوى اثنين وعشرين عاما".. ويتابع "كنت فى تمام نضجى حين انتزعوه منى".
وفى سلسلة هجومه وصف الخديوى عباس حلمى خليل باشا سكرتير البرلمان فى عهده بسىء النية ورئيس البرلمان بالرجل الذى لا يرى أبعد من أنفه، بعدما قرر تأجيل إقرار قرار بشأن الخدمة العسكرية، لرغبته فى خفض المدة من 5 و6 سنوات، وذهبا للورد كرومر.
اللورد كرومر
وقال الخديوى أيضا فى مذكراته عن تقديره لحياة الفلاح المصرى، وحياته القاسية التى عاشها على مدى قرون وعصور طويلة، مشيرا إلى أنه اتخذ قراره النهائى ووقع على مرسوم بإلغاء السخرة والكرباج فى نفس يوم توليه العرش، اتباعا لرغبة والده الخديوى توفيق.
وحول إنشاء الجامعة المصرية، أكد الخديوى أنها كانت تشغل تفكير مصطفى كامل، وكان الخديوى يحتاج لمساندة المعارضة الوطنية لاستجماع شجاعته فى مواجهة الإنجليز الرافضين للمقترح، مشيرا إلى أنهم "ناضلوا" من أجل إنشاء الجامعة رغم قلة الإمكانيات المادية وعدم تجاوب الأوساط التركية، والرفض الإنجليزى، حتى افتتحت يوم الاثنين 21 ديسمبر فى عام 1908.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة