من غير المعقول أن تخوض الدولة مفاوضات شاقة مع إثيوبيا والسودان من أجل استمرار حصة مصر المائية، وفى نفس الوقت نرى هذا التساهل من جانب المصريين فى استخدام المياه سواء تلك المخصصة للزراعة أو للشرب، فما يحدث من إهدار للمياه هو أكبر كارثة نواجهها، وللأسف الشديد السبب فيها نحن المصريين وليس غيرنا.
لإهدار المياه فى مصر صور كثيرة، أكثرها جرما من وجهة نظرى استخدام مياه الشرب فى رش الشوارع، ورغم تصدى الدولة ورجال الدين لهذا الأمر بتأكيدهم حرمة ذلك باعتباره يندرج تحت بند «خيانة الأمانة»، وهو حرام من الناحية الشرعية، لأن الدولة تدعم المياه بأموال ضخمة من الموازنة العامة، لاستخدامها فى الأغراض الشخصية للمواطنين، وإهدارها خيانة للعقد والأمانة بين الدولة والمواطن.
لكن للأسف لم يتعظ أحد، رغم يقين الجميع بخطورة الموقف المائى المصرى، وأن الأمر يتجاوز فكرة الرفاهية، فوفقا لما أعلنته على سبيل المثال الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحى على لسان المتحدث باسمها اللواء حسن عبد الغنى، فإن الشركة تنتج 25 مليون لتر مكعب من مياه الشرب يوميًا، وأن معدل استهلاك الفرد من مياه الشرب فى مصر أعلى من الدول الغربية، حيث يصل إلى 300 لتر يوميًا، فى المقابل نجده فى الدول المتقدمة لا يزيد على 120 لتر/ يوميًا.
هذا الفارق فى الاستخدام يتم إهداره فى رش الشوارع وغيرها من العادات السلبية التى علينا التخلى عنها سريعاً، حتى لا نفاجأ بأننا وصلنا إلى مرحلة الفقر المائى التى يحذرنا منها الخبراء، ويقولون إنها على الأبواب.
معلوم للجميع أنه بموجب اتفاق أبرم عام 1929 فى ظل الوجود الاستعمارى البريطانى فى أفريقيا تبلغ حصة مصر من المياه 55.5 مليار متر مكعب سنويا، تصلها عبر نهر النيل، ولنا أن نتخيل أن هذه الحصة التى تم الاتفاق عليها قبل 90 عاماً بقيت كما هى دون زيادة، مقابل زيادة متسارعة فى عدد السكان، وأيضاً حجم الأراضى المزروعة والمستصلحة، ومع ذلك فإن دول الحوض، وتحديداً إثيوبيا تطالب بتغيير حصص المياه فى نهر النيل وتخطط لتوقيع اتفاقية جديدة تتجاوز مصر والسودان غير المستعدتين للتنازل عن حقوقهما التاريخية فى المياه، خاصة مصر التى تعتمد بشكل كامل على ما يصلها من مياه عبر نهر النيل، وهو ما يشير إلى أننا أمام أزمة حقيقية لا يمكن أبداً التساهل معها، سواء من جانب الدولة، أو من جانبنا نحن كمواطنين.
نعم أن الأزمة المائية تعد من أصعب الأزمات التى يواجهها العالم، وليس مصر فقط، فهناك 30 دولة من بين 178 دولة تقع تحت خط الفقر المائى من بينهم 15 دولة عربية، ووفقا للمعايير الدولية التى تحدد وقوع الدولة تحت خط الفقر المائى عندما يقل متوسط نصيب الفرد من المياه المتجددة بها عن 1000 متر مكعب سنويا، لذلك علينا أن نعيد تقييم الموقف من كل الجوانب، وألا نترك الدولة بمفردها تخوض غمار المفاوضات الشاقة مع دول المنبع، وعلينا أن نعى جيداً لخطورة الموقف، وأن نكون إيجابيين وليس سلبيين، فمثلا الزراعة تستهلاك حوالى 80 ٪ من إجمالى استهلاك مصر من المياه لذلك فهناك حاجة ماسة إلى ترشيد المياه المستخدمة فى عملية الزراعة.
ولنا أن نتصور كمية الماء المفقودة نتيجة اتباع طرق الرى التقليدية، فإذا عدنا مرة أخرى لما يقوله خبراء الرى والزراعة فسنجد الكثير من العادات السلبية التى أن تخلينا عنها سنساهم فى المرور بسلام من أزمة المياه، ومنها أن سياسة الرى بالغمر تهدر أكثر من 50٪ من المياه المخصصة للزراعة، فعند الرى بالغمر فإن النبات لا يستفيد إلا بمقدر 10 ٪ من كمية المياه المستخدمة.
أما الكمية المتبقية 90٪ تفقد فى التصرف فى طبقات الأرض، والبخر من سطح التربة، لذلك علينا التخلى سريعا عن هذه السياسة، واتباع تقنية الرى بالتنقيط التى تؤمن إيصال المياه للنبات بكميات قليلة وبتواتر كبير فى نقاط ومساحات محدودة جداً من التربة.
نحن أمام مجموعة من الحقائق المهمة والخطيرة فى نفس الوقت، متعلقة بحجم استهلاك المياه فى مصر، رغم ندرة المعروض منها، وهذه الحقائق تتطلب منا الانتباه جيداً لما ستؤول له الأوضاع مستقبلاً، فالعالم كله يتحدث عن حروب المياه، ورغم ذلك لا يزال بيننا من يتعامل باستهتار شديد مع المياه دون تقدير لقيمتها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة