تعد قضية الإدمان وتأثيرها على المجتمع قضية محورية مرتبطة بعدة قضايا أخرى، وفى مقدمتها قضايا الجرائم الجنائية، فخلف كل جريمة مدمن، فابحث عن صاحب الكيف تجد الجانى، وهذا ما أكدته العديد من الحوادث والجرائم البشعة، والتى وقعت خلال الفترة الأخيرة، فتبدأ الجريمة عادة حينما يـنفث المجرم دخان سيجارته المحشوة فى الهواء، لتقوده إلى مصيره المظلم.
5 سنوات تعاطى دفعت الأب لقتل طفليه فى مياه "ترعة فارسكور"
فى قرية "ميت سلسيل" بمحافظة الدقهلية كانت الواقعة الأشهر التى اثارت الرأى العام لأيام عديدة، فكيف لعقل أن يتصور أن يقتل شاب فى بداية الثلاثينيات من عمره طفليه الصغيرين الذين لم يتجاوز أكبرهما عن الـ5 سنوات، ولكن تكشفت خيوط تلك القضية تدريجيًا، وتبين أن المخدرات التى بدأ المتهم فى تعاطيها يوميًا، هى التى دفعته نحو الحالة النفسية السيئة والاكتئاب الذين دفعاه لقتل أطفاله دون أدنى رحمه، بإلقائهم فى مياه "ترعة فارسكور".
وفى اعترفات أمام جهات التحقيق، قال "محمود نظمى" المتهم بقتل طفليه "محمد وريان"، إنه يتعاطى المواد المخدرة ومن بينها الترمادول والحشيش والبانجو والأبتريل، وأنه يتعاطى الحشيش يوميا وينفق عليه من 100 جنيه لـ150 جنيها، وذلك قبل 5 سنوات من ارتكابه الجريمة، وهو ما أكدته التقارير الخاصة بتحليل عينة دماء المتهم والتى أثبتت إيجابيتها.
المتهم فى قضية مذبحة الحوامدية
شاب "الحوامدية" قتل وأصاب 6 من عائلته بسبب المخدرات
بعد أيام قليلة من حادثة "ميت سلسيل" وفى أقصى جنوب محافظة الجيزة وبالتحديد مركز الحوامدية، أقدم شاب فى منتصف العشرينيات من عمره على قتل وإصابة 6 من أفراد عائلته دفعة وأحدة، وعلى الرغم من أن الدافع وراء ارتكاب تلك الجريمة هو الخلافات على الميراث وسوء سلوك الشاب المتهم الذى عرضه لانتقادات عديدة من قبل عائلته من جهة والده، إلا أن المحرك الرئيسى لجريمة القتل والتى حولت الشاب صاحب الـ24 عامًا إلى مجرم هى المخدرات.
فقد ثبت من خلال التحقيقات التى أجرتها النيابة العامة بجنوب الجيزة، أن الخلافات الرئيسية التى نشبت بين المتهم وأفراد عائلة والده هى تعاطيه المواد المخدرة، واعتياده اصطحاب أصدقائه للتعاطى معه داخل منزل مملوك لوالده بالميراث، وهو ما عرضه لانتقادات شديدة من جانبهم، دفعهم لإخبار والده بما يفعله، فاستشاط غضبًا وتحت تأثير المخدرات أشهر سلاحه فى وجه أقاربه وحصد أرواح 3 منهم وأصاب مثلهم.
"عبد النبى" حرضه الكيف على ضرب زوجته فألقت نفسها من الطابق الخامس
بعد قضائه نصف المدة التى قضتها المحكمة بـ6 سنوات معاقبًة له على الاتجار فى المواد المخدرة خرج "عبد النبى.ع" بموجب عفو رئاسى، ووفرت له وزارة الداخلية "كشك" ليسترزق منه رزقًا حلالًا يعينه على مصاعب الحياة، ورغم أنه عاهد نفسه على بداية جديدة يرسمها مع زوجته "عبير.ي" وابنته صاحبة الـ14 عامًا، إلا أن طريق الكيف أغراه مجددًا فكانت النهاية المأسوية.
عاد "عبد النبى.ع" إلى تعاطى المواد المخدرة، ولعدم امتلاكه المال الكافى لشراء كيفه، كان يستقطع المال من مصروفات منزله، وهو ما تسبب فى حدوث العديد من المشاكل بينه وبين زوجته، وفى إحدى الأيام طلب من زوجته "عبير" مبلغ 2000 جنيه؛ لشراء المخدرات وكان تحت تأثير التعاطى، وهو ما رفضته الزوجته فطلب منها الاقتراض من الجيران فرفضت فتعدى عليها وابنته بالضرب المبرح، وأثناء محاولتهم الهرب منه القت الزوجة نفسها من الطابق الخامس هى وابنتها فتوفت فى الحال وأصيبت الطفلة بكسور وكدمات.
المتهم بالتعدى على زوجته ودفعه للانتحار بالسلام
خبير نفسى: 95% من جرائم القتل والاغتصاب خلفها مدمنو المخدرات
يقول الدكتور جمال فرويز الخبير النفسى، إن 95 % من جرائم القتل والاغتصاب يكون المتهم فيها من متعاطى المواد المخدرة، وذلك لكون المواد المخدرة تسلب الإنسان إرادته وتجعله غير قادر أن يسيطر على تصرفاته، وهو ما يدفعه لارتكاب تلك الجرائم دون الشعور بالندم أو تأنيب الضمير أثناء تنفيذ الجريمة، ولذلك نجد أيضًا جرائم مثل زنا المحارم، وقتل الآباء لأبنائهم والعكس.
وأضاف "فرويز"، أن البلطجية ومتهمى السرقات بالإكراه، يعتادون تعاطى أقراص "الترامادول" و"الاباتريل" المخدرة، وذلك لتسهيل مهمتهم فى سرقة المواطنين، والجراءة فى تنفيذ عمليات السرقة والسطو، فضلًا عن عدم الشعور فى حالة القبض عليهم وتعرضهم للضرب من قبل الأهالى، وهذا إن دل على شىء فهو يدل على أن كافة الجرائم خلفها المخدرات ويحركها التعاطى.
ويتابع "فرويز"، أن مخ الإنسان يحتوى على مادة "الاندروفين" بنسب طبيعية، وتعاطى المواد المخدرة يؤدى إلى الخلل فى نسبة ذلك الهرمون وربما تلاشيه والإحلال محله، وهو ما يؤدى بالمدمن إلى فقدان المشاعر والإحساس وصولًا إلى الجنون، وأن بعض أنواع المخدرات تؤدى بمتعاطيها إلى العصبية الزائدة، وبعضها الأخر كـ"فلاشيا" و"فلاكا" يؤديا إلى ارتفاع نسبة الدم فى المخ وهو ما يؤدى إلى فقدان التركيز والتسبب فى الحوادث المرورية.
جمال فرويز خبير علم النفس
خبير اجتماعى: الشخص المدمن منعزل اجتماعيًا ويصعب السيطرة على تصرفاته
فيما تقول الدكتور شادية خضر، إن الشخص المدمن يفضل العزلة الاجتماعية ويصعب السيطرة على تصرفاته عن طريق أسرته، وذلك نتيجة للتغيرات السلوكية العديدة التى تُحدثها المخدرات فى الإنسان المدمن، وهو ما يؤدى إلى تفاقم المشاكل، ولابد من إقناع الشخص المدمن بضرورة اللجوء إلى أحدى مصحات علاج الإدمان تحت إشراف المختصين؛ لعلاجه والسيطرة عليه، حتى يتفادوا المشاكل الناجمة من جراء تعاطيه.
وتقول شادية خضر، إن مواجهة الإدمان تتطلب جهود مكثفة من عدة جهات تبدأ بمراقبة الأسرة لابنائها ورعايتهم ومتابعتهم بشكل مستمر ودائم، وإعادتهم للطريق الصواب، فضلًا عن دور المؤسسات التعليمية فى حماية النشء وتثقيفهم وتوعيتهم بالتوازى مع جهات الإعلام بمخاطر الإدمان، وأخيرًا دور المؤسسات الدينية التى عليها أن تثقل الجانب الدينى لدى الأفراد وتنميته؛ وتسلط الضوء على حُرمانية الإدمان ومخاطره.
دكتورة سامية خضر استاذة علم الاجتماع
متهم ميت سلسيل والأطفال الضحايا
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة