مع تصاعد حدة التطرف الفكرى، وتعاقب الأحداث الإرهابية العالمية التى أصبحت الأمة الإسلامية تئن جراء تطورها، نظرًا لتخفى صانعيها خلف ستار الدين والركون إلى فتاوى تراثية تبرر لهم سفك الدماء واستباحة الحرمات؛ فقد بات الجهاد الفكرى فرضًا على كل علماء الأمة استنباطًا للأحكام الشرعية والفقهية والفتوى بما يتماشى مع الواقع، وكذلك ترسيخًا للفقه الوسطى، بمعنى الاعتدال فى كل أمور الحياة من تصورات ومناهج ومواقف، وتَحَرٍّ متواصل للصواب فى التوجهات والاختيارات، حيث حملتْ دارُ الإفتاء المصرية عبرَ الأمانةِ العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم على عاتقها رايةَ تجديد الفتوى للتوافق مع مجريات العصر وتغير أحوال البلاد والعباد ومناقشتها دون سطحية أو تخوف، وذلك عملًا بالمبدأ الفقهى "الفتوى بنت زمانها"، ومصداقًا لقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها»، وحتى نرشد المستفتين إلى ضوابط وقواعد للعيش فى زمانهم.
وتنطلق فعاليات المؤتمر العالمى الذى تنظمه دار الإفتاء المصرية تحت مظلة "الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم بعنوان: " التجديد فى الفتوى بين النظرية والتطبيق"، والذى يعقد فى الفترة من 16 إلى 18 أكتوبر 2018م، ويشارك فى المؤتمر وفود من حوالى 70 دولة، وبحضورٍ عدد من الوزراءِ، والمفتين، والسفراءِ، والعلماءِ، ورجالِ الدولةِ.
الدكتور إبراهيم نجم الأمين العام لدور وهيئات الإفتاء، أوضح أن أهمية إقامة مؤتمر عالمى حول: "التجديد فى الفتوى بين النظرية والتطبيق"، الذى يعد بمنزلة حدث تاريخى تجتمع فيه كلمة المفتين للوفاء بفريضة التجديد الرشيد، والاجتهاد فى الجديد، فضلًا عن أهمية انطلاقه من أرض الكنانة مصر.
10 أهداف لمؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء
وكشف نجم فى تصريحات لـ"اليوم السابع"، أن أهداف المؤتمر تتلخص فى 10 نقاط: "الوفاء بفرض التجديد الإفتائى، معرفة المشكلات فى عالم الإفتاء المعاصر، ومن ثم محاولة وضع الحلول الناجعة لها، الكشف عن الأدوار التى يمكن للإفتاء المعاصر الاضطلاع بها فى تصويب الواقع والارتقاء به إلى أعلى المستويات الحضارية، بحث إسهام الإفتاء المعاصر فى ثقافة الحياة والإحياء على كافة مستوياته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، دراسة كيفية استخدام المنجزات الحضارية لخدمة مجال الإفتاء، الوصول إلى أدوار محددة تؤديها عملية الإفتاء فى مجالات التنمية، محاولة فهم طبيعة العلاقة بين الإفتاء والسياسة والاقتصاد، وتحديد الأدوار التى يمكن التأثير والتأثر من خلالها، نقل مجال الإفتاء من مجال سلبى يقتصر على حل المشكلات إلى مجال أكثر إيجابية ينتقل إلى عمل التدابير الوقائية من المشكلات ويشارك فى البناء والتعمير، التنبيه على طبيعة ما يسمى بفتاوى العامة، والتأكيد على عدم ولوج الأفراد لهذا المنزلق الخطير بعيدًا عن ساحات الاجتهاد الجماعى، وضع ضوابط محددة لعملية الاستنباط من التراث والتنبيه على خطورة الفتاوى التاريخية، إذا تمت دراستها بعيدًا عن سياقاتها التاريخية".
وأضاف أن المؤتمر سيشهد عددا من المبادرات منها: "مشروع الميثاق العالمى للفتوى"، حيث أضحى واجبًا على المعنيين بأمر الإفتاء أن يتعاونوا جميعًا للاتفاق على مسار واضح للإفتاء المعاصر، بعدما استجد من الحوادث والنوازل ما يجعل هذا الأمر يصل إلى مرتبة الواجب، بل الفرض إن فرقنا بين الواجب والفرض.
المبادرة الثانية بعنوان المؤشر العالمى للفتوى
وتابع أن المبادرة الثانية بعنوان المؤشر العالمى للفتوى، وتتلخص حول أن المؤشر العالمى للفتوى والصادر عن الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم يُعد الأول من نوعه عالميًّا؛ وهو مؤشر يصدر بشكل سنوي، وهو معنى بمتابعة الفتاوى ورصدها وتحليل مضمونها فى أكثر من 50 دولة عربية وأجنبية، وتحليل مؤشراتها (كمًّا وكيفًا) وفقًا لأحدث أنواع التحليلات المبنية على أسس وقواعد وأوزان نسبية معتمدة، ومن ثم الخروج بنتائج وتوصيات تفيد كل التخصصات، بداية من الحقل الإفتائى، ومعالجة ظاهرة التطرف والإرهاب، مرورًا بالتخصصات السياسية والاقتصادية والمجتمعية والنفسية.

مبادرة البرنامج التأهيلى للمتصدرين للفتوى
ومن المبادرات التى تهتم بها الأمانة العامة لدور وهيئات الافتاء هى البرنامج التأهيلى للمتصدرين للفتوى حيث ترى الأمانة العامة أن كل محاولة للخروج من ظاهرة فوضى الفتاوى بعيدًا عن تأهيل الكوادر الإفتائية فإن هذا يعتبر نوعًا من أنواع إهدار الموارد وتشتيت جهود الدول عن الوجهة الصحيحة،حيث تم إنشاء مبادرة تختص بوضع برنامج تدريبى لإكساب مجموعة من المتدربين المشتغلين بالعلوم الشرعية المهارات الإفتائية، والعلمية، والفنية اللازمة لرفع كفاءة وجودة الأداء الإفتائى لديهم، ومن ثم رفع كفاءة وفعالية المؤسسات الإفتائية إن كانوا بالفعل يمارسون الإفتاء فيها.
ومن المنتظر أن تشتمل هذه المبادرة على مستويات ثلاثة للتأهل الإفتائى، هى: مستوى التأهل المتكامل وهو طويل المدى يزيد على السنتين، وهناك المستوى التحسينى للممارسين وتتراوح مدة التدريب فيه بين ستة أشهر وسنة، والمستوى الأخير هو رفع الكفاءة النوعية فى مجال من مجالات الإفتاء، وتتراوح مدة التدريب فيه بين شهر وثلاثة أشهر، وتستهدف الأمانة العامة بهذه المبادرة نشر الالتزام بالمنهج الوسطى فى ممارسة الفتوى التزامًا تامًّا، ومراعاة مقاصد الشرع الشريف فى ممارسة الفتوى مراعاة دقيقة، ونشر قيم الإفتاء فى المجتمع بكفاءة وفاعلية، ومراعاة معايير جودة الأداء الإفتائى، وإدارة الأداء الإفتائى بكفاءة وفاعلية، وإدارة المؤسسات الإفتائية بما يحافظ على استقرار المجتمعات وأمنها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة