العالم الافتراضى واقع يجب أن نتعامل معه بميزاته وعيوبه وأعراضه الجانبية، هى نصيحة خبرة لمن يشكون طوال الوقت من انتشار الشائعات وحملات النميمة والابتزاز والانتقام. ثم إن هناك ميزات اجتماعية وتواصلية لهذه الأدوات، وهو عالم يعكس العالم الواقعى مع الكثير من التضخيم والمبالغة.
وباعتراف علماء النفس والاجتماع، فإن ما يحدث من حملات نميمة أو شتائم أو ابتزاز على مواقع التواصل يقوم به مرضى لا يظهر عليهم المرض، ولا يعترفون بأنهم مرضى مثل كثير من المرضى من حولنا ممن ينكرون كونهم مرضى. بل إن هناك ميولًا إجرامية لدى أفراد كثيرين تمامًا مثلما هو فى العالم الواقعى.
ويرصد علماء النفس بعض المستخدمين ممن لايفعلون أى نشاط مفيد على «فيس بوك» غير إطلاق الشائعات والشتائم، والانخراط فى أكثر الحملات بذاءة وتشهيرًا، وهؤلاء مرضى ولديهم عقد نفسية أو أمراض عقلية تتشابه مع مجرمين يمارسون جرائمهم فى الخفاء بعيدًا عن الأعين، ومنها جرائم مثل الاغتصاب أو الاعتداء على الأطفال. وهؤلاء فى العالم الافتراضى يمارسون جرائمهم وهم متخفون خلف الشاشات والكيبوردات، ويكونون أكثر جبنًا فى الواقع يعجزون عن المواجهة أو الحوار المباشر، ومنهم من يكتب باسم مستعار.
وهناك دراسة مهمة بناءً على استطلاع فى جامعة بريطانية كشفت أن عددًا كبيرًا من مستخدمى «الفيس بوك» ممن يشاركون فى حملات النميمة والسب، أو يشتمون نجمًا أو يشاركون فى حفلات تشهير يعانون من عقد نقص وربما يشعرون بالدونية والفشل والعجز، حتى لو لم يكونوا كذلك، وغالبًا ما تكون لديهم مشكلات إقامة علاقات اجتماعية سوية، أو حتى أسرية ويندفعون بشعور نقص تجاه أقرانهم.
وغالبًا ما يتجه مرضى العالم الافتراضى إلى خارج الموضوع، ويملكون شعورًا بالتحقق عندما يمارسون السخرية والتقليل والتحقير من شأن غيرهم، والمفارقة أن هذه الأمراض لاعلاقة لها بالفقر والثراء، وبعض من يمارسون الشتائم بأسماء مستعارة من فئات مستورة أو ثرية لايعانون من مشكلات مادية، لكنهم يشبهون مرضى بداء السرقة من بين عائلات أكثر ثراءً.
ويرصد المعالجون النفسيون مفارقات فى سلوك مرضى الهجمات الافتراضية، فالصمت والتجاهل يصيبهم بمزيد من الهياج، لكنه الحل فى مواجهة هذا النمط من الجريمة، والبعض منهم قد يجد فى العقاب علاجًا وتهذيبًا.
وفى المقابل هناك نمط آخر من المرضى بالأضواء، يسعون للاستفادة من أضواء السوشيال، لكنهم غالبًا من يجدون أنفسهم فى مرمى نيران هجوم أو سخرية، ويشكون من الانتقاد بالرغم من أنهم يقدمون ما يشجع على انتقادهم. ولهذا فإن النجمة التى تنشر صورها وتبالغ فى الاستعراض، على مواقع التواصل تكون عرضة لتلقى انتقادات أو شتائم إما بسبب المنافسة، أو بسبب المرض الافتراضى، وبالتالى فإن من يريد نجومية عليه تحمل قرص النحل الافتراضى. لكن الأمر قد يتطور مع نوعيات المرضى النفسيين إلى بذاءات يرفضها الشخص الطبيعى.
والشاهد أن العالم الافتراضى يصعب ضمان قوانينه أو هو بلا قوانين يضم الأسوياء المرضى والمجرمين بأنواعهم والنصابين، وأحيانًا يظهر المرض النفسى بشكل أكثر وضوحًا. ربما لهذا فإن «آرت ماركمان» بروفيسور علم النفس فى جامعة تكساس، بعد دراسة للعالم الافتراضى أعلن أن «الأشخاص على الإنترنت يصبحون أكثر جرأة ووقاحة، ويقولون أشياء لا يستطيعون قولها فى الواقع». وهنا هو يقصد بعض هؤلاء خاصة المصابون بأمراض تحتاج إلى علاج.