ورش خالية على عروشها تشكو من ارتفاع تكاليف التصنيع، وصنايعة مهرة يحاربون من أجل بقاء مهنة صناعة المراكب فى محافظة الإسكندرية والبعض الأخر يفكر فى تركها نهائيًا أو الاتجاه لصناعة الأخشاب، بعدما قل الطلب على صناعة المراكب، واقتربت المهنة إلى الاندثار، ولجأ أصحابها إلى تصنيع أى شئ بالجوار إلا السفن.
وقال صلاح مسعود، أحد صناع السفن، يبلغ من العمر 48 سنة: "نحن من الجيل الرابع فى هذه المهنة، ورثناها أبًا عن جد، وتعلمت مهارات صناعتها بالكامل من الألف للياء، على الرغم أن لكل مننا تخصص يقوم به، تحت إشراف صاحب الورشة، إلا أن الحال تغير الآن، وأصبحنا نشبه العاطلين عن العمل، بعد ما أهملت الصناعة، لأسباب كثيرة وأصبحنا نعيش على الإحلال والتجديد للمراكب الموجودة".
واستطرد صلاح: "المركب تأخذ من 4 إلى 5 أشهر فى صناعتها، وأصبحت تكلفة باهظة الثمن، نظرًا لارتفاع سعر الدولار، وبالتالى ارتفاع أسعار المواد والخامات التى نحتاجها لصناعة السفن، سواء كانت السياحية أو مراكب الصيد الصغيرة والكبيرة، ولم يصبح فى متناول الصياد القدرة على بناء مركب صغيرة والتى كانت تتكلف من 4 إلى 8 آلاف جنيه، فقد وصل سعرها حاليًا إلى 20 ألف جنيه للمركب الواحدة، وهو ما لا يملكه الصياد الذى أصبح رزقه يكفى إطعام أسرته فقط".
وقال أحد صناع السفن: "حال الصيادين الآن مثل حال باقى الناس فى مصر، يحتاجون للدعم الحقيقى، وحال بيوتنا جميعًا مثل حال الدولة إذا تأثرت نتأثر جميعًا كما كانت كل العصور السابقة سواء فى عهد السادات أو جمال عبد الناصر ومبارك، ومصر تعيش حاليًا حالة من التنمية الاقتصادية، بعد عصور من الفساد وبالتالى تحتاج للمزيد لكى تبدأ فى النهوض مرة أخرى".
وأكمل صلاح حديثه: "الأسعار التى زادت بشكل كبير مثلت عائقا على الصيادين وبالتالى على صناعة المراكب، وأثرت على المهنة، التى لم يعد أحد يرغب فيها أو فى تعلمها، وكما كان يقول أجدادنا سابقًا الغلا فنا وننتظر استقرار الأمور، لأننا لا نستطيع أن نصنع أى شئ آخر، ولم يعد لدينا القدرة على تعلم شئ جديد".
وعلق أحد صناع السفن، على الحاجز الحجرى الذى تم إنشاءه بجوار الورشة، وغير طبيعة البحر الذى أصبح يلقى بالحجارة على شاطئ الورشة، وبالتالى أصبح من الصعوبة تسيير المراكب فى البحر مباشرة دون مساعدة من الكثيرين الذين يأخذون الكثير من الأموال، وحول الرمال إلى صخور وحجارة وأعطى الفرصة للكثير من الأهالى بإلقاء القمامة أيضًا بالورشة، مما جعل المشهد غير حصارى، بعد أن كان السياح يأتون إليها من كل فج عميق.
أما محمود محمد، فوجدناه يصنع "بيوت للعصافير" بالخشب، وعندما سألناه أجاب: ماذا أفعل وليس لدى عمل أقوم به؟، بعدما كنا نصمم الأشكال الهندسية بالكامل للمراكب، ونصنعها على أحسن ما يكون، ويأتى إلينا عمال من كل دول العالم وبالتحديد أوروبا ليتعلموا منا الصنعة، وكانت مراكبنا تبهر الأجانب فى الخارج، ويرسلوا لتصنيعها.
وطالب محمود، الدولة بالتدخل لإنقاذ الصناعة التى بدأت فى الاندثار، ومنع المنتسبين للمهنة الذين قاموا بتصنيع بعض المراكب لدولة السودان، ولكن المهارات لم تكن كافية، فاستهلكت سريعا، ومنعوا التعامل معنا مرة أخرى، مشيرًا إلى ضرورة إعادة العلاقات مرة أخرى مع السودان، وإفهامهم ما حدث بأن المصريين ليسوا هم المخطئين لأنهم استعانوا بسماسرة أرسلوهم إلى غير ذوى الأمر وغير المختصين.
كما طالب محمود بتقسيم الأعمال تحت إشراف الدولة، وتوزيع طلبات التوريد على أصحاب الورش والذين يبلغهم عددهم فى الأنفوشى إلى 50 ورشة، ورث أصحابها المهنة أبًا عن ثالث جد، وسيكون ذلك سببًا فى جذب المزيد من العملة الأجنبية، وبالتالى مصدر دخل كبير، يصب فى صالح الدولة والصيادين وأصحاب المراكب.
كما طالب محمود بغلق منطقة الورشة باعتبارها صناعية، وإعادة هيكلتها والاهتمام بها، لتتحول إلى مزار سياحى وليس فقط ورش تصنيع، وعمل هناجر كبرة ومناسبة لمبيت السفن، حتى يأتى الناس لمشاهدتها والحديث عنها فى كل مكان، ويستطيع أصحاب الورش العمل ليل نهار موضحا أنه فى فترة الشتاء يتم غلق المكان، لارتفاع الأمواج، وإغراق أعمالهم.
وأوضح محمود، أن أهم الأمور التى قد تحل مشكلة المراكب وصناعتها، هو عمل معارض سنوية دولية، يتم فيها صنع موديلات لمراكب سياحية أو صيد، وشرح الإمكانيات الخاصة بكل موديل، ويأتى إليها الراغبون فى امتلاك مركب، واختيار ما يرغبون فيه.
وأكد صانع المراكب، على أن البعض من قلة العمل، وعدم وجود ما يساعدهم على إطعام أولادهم أصبحوا يقومون بعمل نماذج مراكب صغيرة للديكور والزينة، ومنهم من اتجه إلى النجارة العادية وغيرها، حتى يستطيع مواجهة ظروف الحياة الصعبة، ولكن الكثيرين لا يستطيعون ذلك لبلوغهم من العمر أرذله.
وتابع محمود: "المهنة لم تصبح تستحق أن تتوارث، ولذلك نحاول تعليم أولادنا فى المدارس، حتى يعملوا غى أى وظيفة أو يسافروا إلى أى دولة للعمل بها ويكون مستقبلهم غير حاضرنا، وعلى الدولة أن تعمل لمساعدتنا وتنشط هذه المهنة مرة أخرى"، مشيرًا إلى وجود الكثير من الدول التى تحتاج إلى هذه السفن، وتقوم باستيرادها، مطالبًا بقيام سفراء مصر فى الخارج، بتعظيم دورهم فى هذا الأمر والترويج له.
أما صبرى محمد مسعود 60 سنة، فيقول: "عملت صانع مراكب بعد خروجى من المدرسة وأنا فى الصف الثالث الإعدادى، بعد وفاة والدى، ولم أعرف مهنة أخرى لأن الحال كان مختلف تمامًا فالمهنة كان مرغوب فيها، والكل كان يحلم بتعلمها أما الآن فالوضع قد تغير، وخاصة بعد الثورة، ووقف التراخيص الخاصة بالسفن، وبالتالى قل العمل على صناعة المراكب.".
واستطرد صبرى حديثه: "بعد ثورة يناير لم يعد هناك تراخيص ولا سياحة ولا صيد، وقل العمل فى ورشة الأنفوشى التى أنشأها الملك فاروق فى هذه المنطقة وأعدها منطقة صناعة سياحية، إلا أن الآن أصبحت وكرًا لمتعاطى المخدرات والخمور، يأتون إليها ف ى الليل لممارسة كل ما يرغبون فيه من فواحش، خاصة وأنها منطقة مفتوحة ليس لها بوابات تمنع الوصول إليها بما يعرض خامتنا أو معداتنا للإتلاف أو السرقة أو حتى الحرق".
وأشار أحد صناع السفن، إلى ضرورة قيام بعض الجهات فى الدولة المهتمة بالصناعات اليدوية، بالاهتمام بصناعة بناء السفن، والاجتماع بنا ومتابعة مشكلاتنا والعمل على حلها، وفتح قنوات عمل جديدة مع دول أجنبية تقوم باستيراد السف، مثل دول ليبيا والسودان، والجزائر.
وأكد صبرى، على ضرورة وجود جهة لمراقبة عملية التصنيع وأن يكون هناك تفتيش بحرى لمعرفة مدى صلاحية المنتج أو السفينة المصنوعة، حتى لا تكون هناك سمعة سيئة فى الخارج تمنع وصول المستورد لنا.
أما مسعود محمد مسعود فقال: "نحن معروفين بإبداعنا فى صناعة السفن، حيث نأخذ التصميم من الكتالوج، وتسجيله وتصنيعه دون اللجوء إلى الكمبيوتر كما يحدث الآن، ولكن مهنتى لن أورثها لأولادى الذين رفضوها لأن العمل بها قليل وبالتالى لن يلبسوا جلباب أبيهم أو أجدادهم".
ونوه مسعود: "كل عمال محافظات مصر من السويس وبورسعيد وغيرها كانوا يأتوا لتعلم الحرفة مننا، ولكن الوضع تغير الآن بسبب إهمالها، وعدم وجود مكسب لها يتناسب مع ظروف المعيشة الصعبة".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة