عرفت مصر لأول مرة انتحار ومحاولات انتحار بعض الرهبان «كما تم نشر ذلك بعد قضية مقتل الأنبا إبيفانيوس رئيس دير أبومقار»، وأمام ذلك كان لابد أن نعرف أن العالم عرف ظاهرة الانتحار منذ زمن طويل، وفى الآونة الأخيرة، حتى تم تخصيص يوم عالمى للانتحار، ومن أشهر المنتحرين من المصريين: الكاتب إسماعيل أدهم 1916، الكاتبة المصرية أروى صالح 1990، داليدا مغنية مصرية من أصل إيطالى انتحرت فى فرنسا 1987.
لكن للأسف هناك إحصائية للأمم المتحدة تؤكد على أن العالم يشهد تقريبًا انتحار 800000 ألف منتحر سنويًا، بخلاف مثلهم يحاولون الانتحار، أى بمعدل منتحر كل 40 ثانية ينتهى بالموت.
يحدث الانتحار فى مختلف مراحل العمر، وقد سجل ثانى أهم سبب للوفيات بين من تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عامًا على الصعيد العالمى عام 2016.
الانتحار لا يحدث فقط فى البلدان المرتفعة الدخل، بل هو ظاهرة عالمية فى جميع دول العالم، وتشير البيانات إلى أن أكثر من %79 من حالات الانتحار التى حدثت فى عام 2016، وكانت فى الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل، على الرغم من أن العلاقة بين الانتحار والاضطرابات النفسية «خاصة الاكتئاب والاضطرابات الناجمة عن تعاطى الكحول والمخدرات» لا تحدث إلا فى الدول المرتفعة الدخل ورغم ذلك هناك العديد من حالات الانتحار التى تحدث بشكل مفاجئ فى لحظات الأزمات نتيجة انهيار قدرة البعض على التعامل مع ضغوط الحياة، خاصة المشاكل المالية، أو انهيار علاقة شخصية، أو فقدان الأمل فى الشفاء من الآلام والأمراض المزمنة، بالإضافة إلى ذلك، تقترن النزاعات والكوارث فى كتابات لعلماء نفس روس، أشاروا إلى أن هناك ارتفاعا لمعدلات الانتحار بين الفئات المستضعفة التى تعانى من التمييز مثل اللاجئين والمهاجرين، والسحاقيات والمثليين، والمخنثين والمتحولين جنسيا، وثنائيى الجنس، وتوقفوا بشكل خاص أمام السجناء نتيجة تعرضهم إلى العنف وسوء المعاملة والشعور بالعزلة مما يدفعهم للعنف.
توقف العلماء الروس أمام محاولات انتحار أو انتحار الرهبان، وفرقوا بين رهبان بعض المذاهب البوذية التى تتوافق رغبة الراهب المنتحر مع عقيدته، كما حدث من انتحار رهبان شباب فى العشرينات من العمر فى تسعينيات القرن الماضى فى 24 معبدًا بوذيًا بين 5226 راهبًا.
لكنهم درسوا أسباب انتحار بعض الرهبان الروس الأرثوذكس فى الأديرة، وراوا أنها كانت بسبب فقدان الحياة الجماعية والشعور بالعزلة، وعدم وجود القدوة والتشكيك المستمر فى قياداتهم، بالإضافة إلى الإصابة بالاكتئاب الناتج عن شعور الراهب المنتحر بأنه خرج عن قيم الرهبنة، وبعضهم كتب: «أنا مت عن العالم من أجل السماء ولكن بما فعلت من خطية لا أستحق السماء».
ونصح العلماء بعدم إنكار رجال الدين لانتحار رجال الدين أو الرهبان، وكذلك عدم شيطنتهم أو تحويلهم إلى شهداء بل الحديث عن الأمراض النفسية، ومنها الاكتئاب والوسواس القهرى الذى أصابهم وأدى بهم للانتحار، وأشاروا إلى ضرورة الصلاة عليهم لأنهم كانوا فى عداد المرضى النفسيين.
وتعرض العلماء لبعض سلوكيات المنتحرين وضربوا مثالًا بأن بعد ذيوع شأن رواية ديستويفسكى «انا كاريننا» والتى انتحرت تحت عجلات القطار لوحظ ارتفاع معدلات الانتحار تحت عجلات القطار. «مثلما حدث فى مصر من ظاهرة انتحار البعض تحت عجلات المترو»، وحذر العلماء وسائل الإعلام من الترويج للانتحار عبر تقديم المنتحر كضحية لسلوك الوالدين أو العمل أو الدراسة أو الحكومة ومحاولات تسيس الانتحار واستخدامه كأداة للمعارضة.
كل الأديان ترفض وتحرم الانتحار، الإسلام يعتبر: قتل الشخص نفسه عمدا، ويعد جريمة ومعصية يأثم فاعله، وهو حرام اتفاقا، بأدلة من المنقول والمعقول، قال الله تعالى: ﴿ولا تقتلوا أنفسكم﴾.
وفى المسيحية تقوم يستند ذلك على أساس وصية «لا تقتل» «والتى تم تطبيقها بموجب العهد الجديد من قبل يسوع فى إنجيل متى 19:18»، وكذلك فكرة أن الحياة هبة منحها الله لا ينبغى أن نرفضها، كما أن الانتحار يخالف «نواميس الكون»، وبالتالى يتعارض مع خطة الله للعالم أجمع.
وعلى مر التاريخ فى المسيحية، كان الأشخاص الذين يحاولون الانتحار يحرمون كنسيًا، أما أولئك الذين ماتوا بسبب الانتحار فكانوا يدفنون خارج المقابر المقدسة.. ولكن فى الإسلام هناك خلافات حول ذلك.
وإذا انتقلنا من الأديان إلى الأمم المتحدة، تقرير منظمة الصحة العالمية يشير إلى أن أكثر من 800 ألف شخص ينتحرون سنويًا على مستوى العالم بمعدل شخص فى كل 40 ثانية، ويلجأ كثير منهم لاستخدام السم أو الشنق أو إطلاق النار لإنهاء حياتهم، وجاءت السودان فى أعلى التقديرات بنسبة 17.2 حالة فى كل 100 ألف، وفى آخر ترتيب الدول العربية جاءت كل من السعودية وسوريا متساويتين بنسبة بلغت 0.4، وجاء ترتيب الدول العربية من الأعلى حتى الأقل فى كل 100 ألف شخص: «السودان 17.2، المغرب 5.3، قطر 4.6، اليمن 3.7، الإمارات 3.2، موريتانيا 2.9، تونس 2.4، الأردن 2، الجزائر 1.9، ليبيا 1.8، مصر 1.7، العراق 1.7، عمان 1، لبنان 0.9، السعودية 0.4، سوريا 0.4».
هكذا يجب أن نتوقف كثيرًا كإعلاميين بشكل خاص أمام كيفية الكتابة عن المنتحرين، بل يجب عمل ورش عمل للصحفيين الشباب لكيفية الكتابة عن ذلك سواء كما ذهب العلماء الروس فى عدم إنكار أو تسييس الانتحار، أو حتى كما انتقدت منظمة الصحة العالمية فى تقريرها الذى غطى 172 دولة واستغرق إنجازه عقدًا كاملًا، التغطيات الإعلامية المكثفة لحوادث انتحار المشاهير، ملمحة إلى أن الإعلام يقدم الانتحار كحل للهروب من المشاكل التى يعانيها الشخص، مما يشجع الفئات الهشة للإقدام عليه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة