وائل السمرى

الإرشاد القومى ضرورة

السبت، 20 أكتوبر 2018 12:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى اجتماع وزراء الثقافة العرب الذى عقد مؤخرًا، اعتبر البعض كلمة «الإرشاد القومى» التى كانت تلحق بكلمة وزارة الثقافة سبة، وفى الحقيقة فإن هذا ذكرنى بمقال كتبه فى 3 يوليه 2017 بعنوان «الحاجة إلى وزارة الإرشاد القومى»، وقد أكدت فى هذا المقال على حاجة مصر إلى هذا المفهوم سواء ذكرناه باللفظ أم اكتفينا بالمفهوم، وقلت إننى أعرف أن لهذه الكلمة «سمعة سيئة» خاصة بين أوساط المثقفين المتطلعين إلى فضاء أوسع من حرية الفكر والبحث والإبداع، وفى الحقيقة فإنى أيضًا أتطلع إلى ما يتطلع إليه غالبية المثقفين، لكنى فى ذات الوقت أدرك تمامًا أننا نعيش فى مأزق تاريخى كبير، فقد تغيرت العقائد، وفسدت الأذواق وأشرفت هويتنا الحضارية على الانمحاء، وبات من الصعب الآن أن نحصى عدد المؤثرات الخارجية على الشخصية المصرية خاصة أو العربية عامة، فلا الموسيقى أصبحت موسيقانا، ولا الفن التشكيلى أصبح فننا، ولا العمارة أصبحت عمارتنا، ولا المسرح أصبح مسرحنا، الشعر يكاد يختفى من حياتنا، والروايات الحقيقية تختفى وسط عشرات الروايات التافهة، كل هذا فى جانب وانهيار الصناعات الثقافية فى جانب آخر، فصناعة الآلات الموسيقية أشرفت على الانقراض، والمتبقى منها يعانى من فساد فى الذوق وتبدل فى الشخصية الصوتية، كما أن صناعة مستلزمات الفنون الدرامية تكاد تهوى، ناهيك عن أننا أصبحنا نتعامل مع منتجات الحرف الأصيلة وكأنها لا تصلح إلا للاستخدام السياحى.
 
 كل هذا أيضًا فى جانب وموقفنا تجاه آثارنا فى جانب آخر، فغالبية المصريين يتعاملون مع آثارهم وكأنها أصنام وليست باعتبارها شواهد على عبقرية الزمان والمكان والإنسان، وفريق آخر يتعامل معها باعتبارها «مصدر دخل»، سواء بالتنقيب عليها سرا وبيعها بالمخالفة للقانون، أو بالاسترزاق منها عن طريق السياحة فحسب، وفرق كبير بين أن تتعامل مع آثارك باعتبارها «سلعة» وأن تتعامل معها باعتبارها معلمًا من معالم هويتك، ودليلا على أصالة منبتك ووضوح شخصيتك وتميزها.
 
لهذا فإننا بحاجة ماسة إلى «مرشد ثقافى» يعيد رسم حدودنا الثقافية، ويعمل على تدعيم المتآكل منها، وترسيخ الثابت فيها، وتطعيمها بما تفتقده دون أن يؤثر هذا التطعيم على رصانتها، نحن بحاجة إلى من يعيد إلى الثقافة معناها باعتبارها من عوامل تكوين الشخصية وليس باعتبارها ظاهرة نخبوية، فقد كانت مصر «مصر»، حينما كان مستوى ثقافة الطبيب يعادل مستوى ثقافة الأديب، حينما كانت اللغة العربية السليمة من الفطرة، وكانت شخصية المحامى والقاضى والمهندس والمحاسب والضابط والفقيه والصحفى عبارة عن لوحة فسيفسائية من العلوم والفنون والآداب والفلسفات، لينعكس هذا كله على ثقافة الرجل العامى، الذى نما ذوقه وتحسنت أخلاقه لرقى ثقافة نخبة المجتمعية، فهل بعد كل هذا يحق لنا أن نتساءل: هل نحتاج إلى إرشاد ثقافى أم لا؟
 
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة